ارشيف من :آراء وتحليلات

هل يقدم سلام على تشكيل حكومة مواجهة؟

هل يقدم سلام على تشكيل حكومة مواجهة؟

في ضوء تحريك واشنطن لخيار التسوية واندفاع الرياض للإمساك بالملف السوري ـ اللبناني، هل يقدم سلام بغطاء من سليمان وجنبلاط وبتشجيع من الحريري على تشكيل حكومة مواجهة؟

ساد انطباعا قويا مؤخراً في الوسطين الإعلامي والسياسي بأن الرئيس المكلف تمام سلام قد حسم أمره لمصلحة تقديم تشكيلته الوزارية بعيد عيد الفطر وفق المعايير التي سبق له وحددها، والمتمثلة على نحو رئيس بعدم إعطاء أي طرف سياسي الثلث المعطل، وأن تكون صيغة الحكومة حيادية مع فرض أن هناك بالفعل إمكان لتشكيل حكومة حيادية في لبنان. ومن الواضح أن المستهدف الرئيس من هذه المعايير هو ائتلاف قوى 8 آذار عموماً وحزب الله تحديداً، حيث إن هذا الائتلاف سبق له وحدد معايير للحكومة المطلوبة والمتمثلة على نحو رئيسي بعدالة التمثيل أي أن يتمثل كل طرف بحسب وزن تمثيله النيابي، وأن تكون الحكومة حكومة سياسية، ومن نافل القول أن معايير سلام تستجيب عملياً لأحد أبرز شروط تيار المستقبل وفريق الرابع عشر من آذار داخلياً ولشروط النظام السعودي والولايات المتحدة خارجياً، والمتمثلة على نحو رئيسي بوضع فيتو على أي مشاركة لحزب الله في الحكومة، وكذلك على أي بند في البيان الوزاري يعيد تأكيد وتثبيت معادلة الشعب والجيش والمقاومة.

هل هذه الانطباعات في محلها، أم ان كل ما يجري لا يبدو أكثر من حركة مناورات جديدة تستهدف الضغط على قوى 8 آذار عموماً وحزب الله تحديداً لحملها على تقديم تنازلات ما سواء في الملف الحكومي، أو في الملفات الأهم والأصعب كالملف السوري تحديداً؟

من المعروف أن طرفين أساسيين على الصعيد الداخلي حالا حتى الآن دون اندفاع الرئيس المكلف إلى فرض تشكيلة الحكومة: الأول هو رئيس الجمهورية والثاني هو النائب وليد جنبلاط الذي سبق له والتزم تحديداً مع الثنائي الشيعي إلى الرئيس بري وحزب الله بأنه لن يوافق أو يمرر حكومة لا تشملهما أو تحظى بموافقتهما. خارجياً الأمر كان محسوماً منذ زمن بالنسبة لواشنطن وللرياض. بناء عليه، يبدو واضحاً ومن خلال مجموع المواقف التي صدرت مؤخراً عن رئيس الجمهورية والنائب جنبلاط وعن النائب سعد الحريري أن تغييراً قد طرأ عليها كان من شأنه أن يرفع من منسوب التوقع الخاص باحتمال إعلان سلام تشكيلة الحكومة بعيد عطلة عيد الفطر.

فرئيس الجمهورية كان واضحاً في كلمته التي ألقاها في مناسبة عيد الجيش لجهة دعمه لحكومة حيادية، والتي سرعان ما أيده فيها النائب جنبلاط في تعليقه المباشر عليها، وكذلك في موقفه الثاني الذي بعث فيه برسالة واضحة أنه بصدد تغيير خياراته.

وأما النائب الحريري، فكان جلياً أيضاً في تأكيد تمسكه بالنائب سلام كرئيس للحكومة في هذه المرحلة حاسماً بذلك التردد الخاص بحسابات المستقبل لجهة إبقاء سلام أو الإطاحة به، إضافة إلى تأييده لحكون حيادية داعياً حزب الله إلى مجاراته. قد تكون هذه المواقف مؤشرات قوية على إمكان أن نشهد ولادة حكومة أمر واقع بعيد عطلة عيد الفطر، إلا أنها مؤشرات لا تكتمل إلا من خلال الأخذ بعين الاعتبار المزيد من المعطيات الإقليمية والدولية تحديداً، والتي من شأنها أن تظهر بشكل واضح المكان الذي تتموضع فيه مسألة تأليف الحكومة في هذه المرحلة، والمتمثلة على نحو رئيس بالآتي:

أولاً: الملف السوري الذي يشكل اليوم أبرز محاور الاشتباك الإقليمي والدولي. وهذا الملف محكوم اليوم لصراع يراد منه في الحد الأدنى إعادة رسم التوازنات الميدانية بما قد يفتح الباب على مفاوضات جنيف ـ 2. والتي بدورها باتت معلقة ـ كما يبدو ـ على هذه النتائج الميدانية. ولبنان اليوم شئنا أم أبينا بات جزءًا لا يتجزأ من معادلة التوازن هذه لانخراط معظم أطرافه في الصراع الدائر في سوريا وفي هذه السياق يمكن إدراج الكثير مما يحدث في لبنان إعلامياً وسياسياً وأمنياً، خصوصاً لجهة الهجوم الشرس على حزب الله والعمل الدؤوب على شيطنته، ولجهة إثارة الانقسام السياسي ـ المذهبي حول المقاومة والسعي لإسقاطها سياسياً، ولجهة المس ببيئتها العامة أمنياً واجتماعاً واقتصادياً.

وليس بعيداً عن هذا السياق دخول الاتحاد الأوروبي على الخط نفسه من خلال قراره الأخير بوضع ما أسماه الجناح العسكري للحزب على لائحة المنظمات الإرهابية الخاصة به. وكذلك الإعلان عن بدء المحاكمات الخاصة باغتيال الحريري في أواخر العام الحالي أو مطلع العام المقبل.

ثانياً: دخول أميركا بقوة مجدداً على خط التسوية الفلسطينية ـ الإسرائيلية، والمستند إلى قراءة أميركية ترى أن الظروف العامة التي تمر بها المنطقة تشكل توقيتاً مناسباً لفرض هكذا تسوية بالشروط الإسرائيلية/ العالم العربي مشغول بمشاكله الداخلية المعقدة، ويمر في حال من انعدام الوزن المطلق. تحول بوصلة العداء من الكيان الإسرائيلي إلى إيران وحركات المقاومة بفعل الجهود التي تقوم بها الرياض تحديداً ومن خلال العراق على التوتر المذهبي، نشوء خطوط تماس مذهبية في أكثر من منطقة وبلد تتغذى على العمل الإرهابي للحركات التكفيرية وبحملات إعلامية لا هوادة فيها.

إغراق إيران بمشاكل داخلية اقتصادية، واستنزافها في أكثر من صراع بدءاً من العراق ومروراً بسوريا وحتى لبنان. هذا إلى جانب تشوش الصورة في أكثر من بلد عربي لإيران مصالح استراتيجية في العلاقة معه يبقى أبرزها مصر. غرق سورية في حرب مفتوحة لا أفق واضح لها حتى الآن. استنزاف حزب الله في لبنان على أكثر من صعيد. حرف حركة حماس عن المقاومة باتجاه مسارات أخرى، وسط معاناة من  البلبلة الاستراتيجية.

ومن نافل القول، إن لبنان معني مباشرة بمسار التسوية كونه يحتضن بالدرجة الأولى كبرى حركات المقاومة في وجه العدو الإسرائيلي ولأن الصراع المحتدم فيه هو في أحد وجوهه الرئيسة حول الخيارات الواجب اعتمادها مع الكيان الصهيوني: خيار المقاومة أم خيار الاستسلام.

ثالثاً: دخول إيران مرحلة جديدة مع استلام الرئيس حسن روحاني لمقاليد الرئاسة من خلفه الرئيس محمود أحمدي نجاد، والتي ينظر إليها في الخارج كفرصة لاختبار احتمالات الوصول إلى تفاهمات أو تسويات تتعلق تحديداً بالملف النووي الإيراني، أو أن الأمور ستأخذ منحى تصعيداً عكسته رسائل أميركية تظهر استعداداً لغض نظر عن قيام الكيان الإسرائيلي منفرداً بعمل عسكري ضد إيران.

خلاصة القول هنا، نحن أمام مشهد تحضر فيه فرص واحتمالات الانخراط في مفاوضات معقدة ومتداخلة في المدى المنظور، مع ما يصاحب ذلك عادة من مساعي لتجميع الأوراق، وتعديل موازين القوى، كمقدمة طبيعية لتحديد طبيعة طاولة المفاوضات وتوازناتها والمشاركين فيها من جهة، ومن جهة أخرى قد نكون أمام مسار معقد من الحروب المفتوحة حتى إشعار آخر، وهي حروب تخاض بالنقاط ومن خلال عملية تراكمية لاستحالة أن تمكن أي طرف من حسم أي منها لمصلحته نهائياً.

وفي هذا الإطار، ومهما كانت الاحتمالات، يفضل الحلف الأميركي ـ الغربي ـ السعودي ـ الإسرائيلي. وأدواتهما في الداخل حسم مسألة الحكومة لمصلحتهم، باعتبارها أحد عناوين الصراع، والفائز بها سيضيف إلى رصيده نقطة مهمة في الاشتباك الدولي ـ الإقليمي ـ المحلي الدائر على امتداد المنطقة عموماً وسوريا ولبنان تحديداً.

بناءً عليه، لن ينظر فريق 8 آذار عموماً وحزب الله تحديداً إلى أي حكومة أمر واقع إلا بوصفها حكومة تحد ومواجهة وسيتم التعامل معها على هذا الأساس، الأمر الذي سينقل الصراع في لبنان إلى مستويات حساسة وقد تكون غير مسبوقة، فهل هناك قرار سعودي ـ أميركي بمفاقمة الأزمة في لبنان، وهناك من سيحاربهما داخلياً، أم أن حسابات العقل ستغلب في النهاية؟

الأيام المقبلة ستحمل الإجابة الحاسمة على هذه الأسئلة.
2013-08-08