ارشيف من :آراء وتحليلات
سليمان يدير الفراغ السياسي على طريق التجديد والتمديد
يقيم الرئيس ميشال سليمان لأيام في المقر الرئاسي الصيفي في بيت الدين حيث المسافة الجغرافية الفاصلة بين قصري بيت الدين والمختارة قصيرة جدا تماما مثل المسافة السياسية التي ترقى الى مستوى التحالف السياسي. ھذا التحالف الذي ترجم في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عندما "تخندق" الرجلان في المحور الوسطي . واليوم يستمر تحالفهما وهو في طريقه لأن يترجم مجددا في الحكومة المفترضة للرئيس تمام سلام ويكون الثلث فيھا ل”وسطية “متمثلة بثلاثية " سليمان سلام جنبلاط".
ويمكن القول إن الحكومة الحيادية أو حكومة الأمر الواقع عندما يطرحھا سليمان وجنبلاط تلميحا وتصريحا وھما على بيّنة واضحة من حجم العقبات والمخاطر التي تعترضھا أو ستنجم عنھا، فإنھا مطروحة للوصول الى حكومة 888 ولوضع حزب لله أمام خيارين: إما حكومة حيادية تضعه خارج السلطة التنفيذية، وإما حكومة "الثلاث أثلاث" التي يكون له فيھا وجود وموطئ قدم ، ومن دون أن يكون له قدرة التحكم بقرارھا... وأما الحكومة السياسية التي يدعو إليھا حزب لله غير ممكنة في ظل قواعد اللعبة حاليا...
الرئيس ميشال سليمان كان في خطاب عيد الجيش أتى على ذكر "الحكومة الحيادية"، في إشارة عرضية وكاحتمال إذا تعذر تشكيل حكومة سياسية... ولكنه في "خطاب بيت الدين" تحدث عن ھذه الحكومة بشكل مركز يوحي بأنھا لم تعد مجرد فكرة متداولة وإنما أصبحت قرارا يشق طريقه الى التنفيذ في وقت مناسب وغير بعيد.
الرئيس سليمان متخوف من عدم حصول الانتخابات والوقوع في الفراغ الرئاسي، ولذلك ھو مصر على حسم موضوع الحكومة قبل بلوغ الاستحقاق الرئاسي لتعبئة الفراغ وحتى لا تدار تلك المرحلة بحكومة تصريف أعمال..
وربما لھذا السبب أيضا يعطي فريق 8 اذار أھمية فائقة للحكومة الجديدة لأنھا حكومة طويلة الأمد وأمامھا مھمة إدارة أزمة متشعبة واتخاذ قرارات صعبة...
من جهة اخرى ، وبسبب التنافضات والخلافات السياسية غير المحسومة ، يبدو ان الحكومة مؤجلة . واقامة الرئيس لن تطول في المقر الصيفي لرئاسة الجمھورية في بيت الدين . ومن المتوقع ان يزور الرئيس ميشال سليمان الديمان قريبا ، ويسافر في 18 آب الجاري في إجازة تستمر حتى 28 منه. كما يزور نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة قرابة العشرين من شھر أيلول المقبل . و تفيد معلومات أنه يتم التحضير لاستقبال مھم للرئيس سليمان في ضوء اتجاه الى تنظيم لقاءات ثنائية له على مستوى رؤساء الدول ، بحيث لا يستبعد أن يصدر ھؤلاء بيانا داعما للجھود التي يبذلھا الرئيس سليمان في مھمة ومساعي الحفاظ على لبنان في وجه محاولات استدارجه الى أتون ما يجري في المنطقة. وتولي مصادر دبلوماسية ھذه اللقاءات في الأمم المتحدة أھمية كبرى نظرا الى دلالاتھا القوية التي تؤكد وجود مصلحة دولية مشتركة في عدم انھيار لبنان وضرورة الحؤول دون ذلك. ويعتبرها مقربون خطوات تمهد الاجواء للتمديد والتجديد للرئيس الذي فقد الدعم الداخلي ويحاول الاستعاضة عنه بالدعم الخارجي .
ان معركة رئاسة الجمھورية فتحت من الآن وسط أجواء سياسية ملبدة وتوقعات حذرة تتراوح بين احتمالين:
1-عدم إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدھا ليصبح الوضع بين خيارين: التمديد للرئيس ميشال سليمان بعد تمديدين حصلا مع الرئيسين السابقين إميل لحود والياس الھراوي... أو الوصول الى فراغ رئاسي على غرار الفراغ الذي حدث عام 2007عندما غادر الرئيس إميل لحود قصر بعبدا من دون "تسلم وتسليم"...
2-إجراء انتخابات رئاسية في ظل المجلس الحالي "المتكافئ القوة". وھذا ما يرجح خيار "الرئيس التوافقي" الذي كان من نتائج "اتفاق الدوحة"... وفي ھذا الإطار يبرز مرشح رئيسي من خارج الاصطفاف السياسي القائم بين 8 و 14 آذار وهو "الرئيس التوافقي" قائد الجيش العماد جان قھوجي .
من جهة اخرى تطرح في أوساط قصر بعبدا فكرتان على ھامش الاستحقاق الرئاسي المقبل:
-الأولى: أن الرئيس ميشال سليمان لا يحبذ التمديد وإنما "التجديد" وإعادة الانتخاب عبر تعديل دستوري يجعل ولاية الرئاسة لأربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة...
-الثانية: أن عدم إجراء الانتخابات الرئاسية لا يجب أن يوصل الى "الفراغ الرئاسي" ومن غير المقبول أن الفراغ يصيب حصرا رئاسة الجمھورية بينما تظل رئاسة مجلس النواب ورئاسة الحكومة في منأى عنه إما استنادا الى "التمديد النيابي" أو استنادا الى "حكومة تصريف الأعمال"... وبالتالي فإنه في حال تعذر إجراء انتخابات رئاسية يستمر الرئيس في موقعه ولكن في وضع "تصريف الأعمال" الى حين انتخاب رئيس جديد ووفق مبدأ "استمرارية المرفق العام وعدم جواز تعطله وحصول فراغ فيه". وھذا الرأي يبحث عن سند قانوني عبر فتاوى أو اجتھادات دستورية.
وهكذا تتجه البلاد الى مزيد من الفراغ والمفاجآت .