ارشيف من :آراء وتحليلات

روسيا تواصل بناء قوتها الاقتصادية عالمياً

روسيا تواصل بناء قوتها الاقتصادية عالمياً
اذا صرفنا النظر عن الجوانب الاستراتيجية السياسية والتسليحية، فإن القوة الاقتصادية للدولة تبنى على ثلاثة أسس رئيسية:

1ـ توفر الطاقة
2ـ شبكة الاتصالات والمواصلات
و3ـ التكنولوجيا في الاقتصاد الصناعي والزراعي والخدماتي.
وروسيا هي من البلدان الغنية بمصادر الطاقة. وهي تعمل جاهدة لتحديث وتوسيع وتكثيف شبكة الاتصالات والمواصلات، ولتطوير التكنولوجيا الانتاجية.

وفي بلد شاسع المساحات البرية والبحرية كروسيا، فإن شبكة الاتصالات والمواصلات تكتسب أهمية استثنائية للغاية. وتعمل قيادة البلاد بكل جديّة لتحفيز النمو الاقتصادي لروسيا، مركزة أكثر فأكثر على تحقيق المشاريع الضخمة للبنية التحتية. ويشار بشكل خاص الى البنية التحتية في الشرق الأقصى الروسي، وإلى البناء المكثف غير المسبوق في مدينة سوتشي (على البحر الاسود، التي سيقام فيها أولمبياد الالعاب الشتوية سنة 2014)، وبناء خطوط الانابيب الضخمة من اجل التصدير (أنبوب النفط "شرقي سيبيريا ـ المحيط الهادي"، السيل الشمالي، و BTS-2 "منظومة خط انابيب بحر البلطيق" الذي يربط منابع النفط الروسية في منطقة "دروجبا" بشواطئ بحر البلطيق)، تنشيط المنظومة العالمية لطيران الاقمار الاصطناعية المسماة “GLONASS” وغيرها من المشاريع الكبرى.

واخيرا جاء دور الحقل، الذي هو بحد ذاته يصنف ضمن مفاهيم مثل "البنية التحتية لروسيا"، "فرع استراتيجي" و"عملاق اقتصادي". وروسيا اليوم هي على عتبة القيام بتحديث عالمي للسكك الحديدية. وتأتي فرادة هذا الوضع من أن التحديث هو، من جهة، ضروري، ومن جهة ثانية فإن الشركة المساهمة الروسية "السكك الحديدية" قد شرعت فعلا في القيام بهذه المهمة بقيادة رئيس الشركة فلاديمير ياكونين.

وهذه الشركة هي من أكبر الشركات الروسية. وفي سنة 2012 كانت حصتها من الناتج المحلي القائم لروسيا 7.1%. وهي تعتبر اكبر "رب عمل" في البلاد، حيث يعمل فيها حوالى  مليون عامل وموظف. وللمقارنة، فإن الشركة العملاقة الاخرى "غازبروم" يعمل فيها اقل من نصف عدد العاملين في "شركة السكك الحديدية".
روسيا تواصل بناء قوتها الاقتصادية عالمياً

والمهمة الاساسية امام "شركة السكك الحديدية" الآن هي ازالة القيود البنيوية التحتية (ما يسمى "الاماكن الضيقة". فالقسم الاكبر من السكك الحديدية الروسية يجري تحميلها بنسبة 75% من قدرتها الاستيعابية، وحتى اكثر من ذلك، مما لا يتيح الامكانية لزيادة النقل. وللمقارنة فإن طول السكك الحديدية في الولايات المتحدة الاميركية هو ضعف طولها في روسيا، ولكنه يتم تقريبا نقل الكمية ذاتها من السلع في البلدين. ان المحمولية الاكبر هي في خط الشرق الاقصى. ففي سنة 2012 ارتفعت نسبة نقل سلع التصدير الخارجي من موانئ الشرق الاقصى، بالمقارنة مع سنة 2011 بمعدل 1،7%. وبلغ نقل البضائع في اتجاه موانئ الشرق الاقصى حده الاقصى منذ نشوء السكك الحديدية العابرة لسيبيريا.

وقيد الانشاء الآن خط سكك حديدية للشحن من الشرق الأقصى الى أوروبا. وفي السنوات القادمة من المتوقع حدوث زيادة ملحوظة في سيل الشحن عبر آسيا واوروبا. وانشاء خط السكك الحديدية بين آسيا واوروبا سيزيد امكانية توحيد القارتين وسيخلق مزاحما بريا للشحن البحري للبضائع الاسيوية.

وفي 5 تموز الماضي خلال اجتماع فيينا للشركة الرباعية (السكك الحديدية لروسيا، سلوفاكيا، النمسا واوكرانيا)، تم الاعلان عن الخطوة التالية لتحقيق انشاء خط السكك الحديدية عبر القاري، وهي خطوة انشاء خط رئيسي بين سلوفاكيا وفيينا. وحسب تعبير فلاديمير ياكونين، فبعد تنفيذ هذا المشروع، فإن الوقت الضروري لوصول البضائع من آسيا الى اوروبا سينخفض الى النصف. وفي الاجتماع الذي عقد مع الرئيس فلاديمير بوتين في 26 تموز/يوليو اتخذ القرار بتحديث الخط الرئيسي عبر السيبيري وخطBAM  (الخط الرئيسي الواصل بين بايكال وآمور) حتى سنة 2018 وهو ما سيستوعب توظيفات بقيمة 562 مليار روبل. ان التوظيفات سوف تسمح بتحقيق زيادة ملحوظة في سيل البضائع في الاتجاه الشرقي. وحسب تعبير رئيس شركة السكك الحديدية الروسية فلاديمير ياكونين فإن الارباح التي ستنتج عن هذه التوظيفات سوف تعود على الاقتصاد الروسي بمجمله، كما على النطاق الاجتماعي في الاقاليم. وحسب تقديرات الخبراء فإن المداخيل المتوقعة للميزانيات على كل المستويات بنتيجة انشاء صناعات جديدة، التي ستنشأ بفضل زيادة امكانيات نقل البضائع، سوف ترفع بمقدار الضعف حجم ميزانيات التوظيف لتصفية "الاماكن الضيقة".

ان تطوير البنية التحتية للسكك الحديدية الروسية سوف تؤثر ليس فقط في زيادة تداول البضائع. فإن التوجه الاخر عالي التقنية ـ اي تطوير الخطوط الرئيسية عالية السرعة ـ سوف يؤثر مباشرة على حياة المواطنين الروس والحياة الاقتصادية في البلاد. ومع زيادة حركة السكان ينمو مستواهم الحياتي، ويستطيع الناس ايجاد عمل ذي اجر اعلى في اماكن ابعد عن منازلهم. وللمثال ان  تطوير سهولة المواصلات في موسكو وضواحيها الى مستوى البلدان المتقدمة في اوروبا، سوف يؤدي الى مضاعفة اجور سكان ضواحي منطقة موسكو. هناك قناعة عالمية ان مستقبل مواصلات نقل الركاب الى مسافة الف كيلومتر يرتبط بالخطوط الرئيسية عالية السرعة، التي تسير عليها القطارات بسرعة 200 ـ 400 كيلومتر في الساعة. وفي اوروبا واليابان تتجمع حول الخطوط الرئيسية عالية السرعة مراكز التكنولوجيات العالية والمدن العلمية. ان تطوير سهولة المواصلات تخلق المحفز لتطوير النشاط الانتاجي والبحثي.

ان مشاريع تطوير الخطوط السريعة وعالية السرعة في روسيا قد بدأ تنفيذها في روسيا منذ سنة 2009. وان تحديث خطوط السكك الحديدية الموجودة سوف يسمح بتنظيم حركة النقل السريعة وعالية السرعة في  القطاعات  الثمانية لروسيا الفيديرالية. وخلال سنوات استخدامها، فإن القطارات من طراز "سابسان"، "اليغرو" و"لاستوتشكا"، نقلت اكثر من 11،5 مليون راكب. ومنذ امد وجيز فإن المجلس العلمي ـ التكنولوجي لشركة السكك الحديدية الروسية أقر مشاريع انشاء خطوط النقل السريعة (موسكو ـ قازان ـ ايكاتيرينبرغ) و (موسكو ـ روستوف على الدون ـ آدلر). ومن المتوقع ان يتم اولا تنفيذ القسم ما بين موسكو وقازان. وفي نهاية العام القادم ينبغي ان تنتهي اعمال المشروع. وخلال اربع سنوات ستبدأ في العمل على الخط القطارات التي تسير بسرعة 400 كيلومتر/ساعة. وفي منظومة المواصلات عالية السرعة سوف يتم دمج خطوط سريعة، من شأنها ان توحد المراكز الاقليمية القريبة. ومن المهم الملاحظة انه على كل خط سيتم الفصل بين قطارات الركاب وقطارات الشحن. وان القدرات المحررة للسكك الحديدية الحالية سوف يتم استخدامها لزيادة المواصلات بين المدن وزيادة حجم الشحن.
روسيا تواصل بناء قوتها الاقتصادية عالمياً

ان احجام المشاريع قيد التنفيذ للسكك الحديدية الروسية تبرز اليوم بشكل واضح على خلفية الشركات الكبرى الروسية والفروع الاقتصادية الاخرى، وهو ما يعطي الامل بالتنمية السريعة للبلاد. ولهذا توصف البنية التحتية المواصلاتية بأنها "قاطرة التنمية الاقتصادية"، وهذه التقنية لها معنى خاص لدى السكك الحديدية.

ومن جهة ثانية فإن موسكو تحتل المرتبة الاولى في العالم في وتائر بناء المترو، كما نقلت وكالة "روسبالت" عن نائب محافظ موسكو مراد حسنولين المسؤول عن شؤون البناء المدني. "خلال سنتين نجحنا في بناء 12 كيلومترا من خطوط المترو الجديدة. وخلال هذه السنة سيتم انجاز 12،5 كيلومترا جديدة و6 محطات مترو وحظيرتين. وفي بناء المترو نحن نحتل المرتبة الاولى في العالم". هذا ما قاله حسنولين خلال اجتماع مجلس ادارة موسكو. واضاف انه اليوم، وفي 32 منشأة تابعة للمترو يعمل 32 الف شخص، اي تقريبا ضعفي عدد العاملين في السنة الماضية. ان منظومة المترو في موسكو هي الثالثة في العالم من حيث كثافة الاستخدام (وتأتي بعد طوكيو وسيئول). ويتكون مترو موسكو من 12 خطا بطول اجمالي 313،1 كيلومترا. ويوجد في مترو موسكو 188 محطة، تعتبر 44 منها من روائع الفن العالمي. وحتى سنة 2020 وحسب مخططات مجلس ادارة موسكو سوف يتم بناء 64 محطة اخرى. اما طول الخطوط فسيزيد 137 كيلومترا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل
2013-08-14