ارشيف من :آراء وتحليلات

الإرهاب المتخفي وراء الديني والإنساني

الإرهاب المتخفي وراء الديني والإنساني
الطريق إلى الجحيم معبدة بالنوايا الحسنة. هذا القول المأثور يفرض نفسه على الذهن عندما نستعرض ما لا يحصى من تصريحات صادرة عن مسؤولين سياسيين ممن يدأبون على اعتبار الفقر واحداً من أسباب الإرهاب الرئيسية على اعتبار التنمية واحدة من الوسائل الناجعة في محاربة الإرهاب.

فالواقع أن الانكباب على النظر في هذه المسألة المزدوجة، يقود سريعاً إلى الكشف عن قوة المكر الذي يضع في خدمة الإرهاب كلاً من الخطاب المعسول حول التنمية، والممارسات المأفونة الهادفة إلى تعزيز وتعميم الفقر تحت غطاء العمل من أجل استئصاله.

وسواء كان هنالك ارتباط أم لا بمسألة الإرهاب، فإن عشرات المؤتمرات كرست عبر العالم خلال السنوات الثلاثين الماضية لمكافحة الفقر وتعزيز التنمية في البلدان الفقيرة. فقد أنفقت عشرات المليارات من الدولارات تحت عنوان المساعدات الحكومية للتنمية. وفي الوقت الذي نقترب فيه من انتهاء المرحلة الأولى (عام 1915) من مراحل تنفيذ أهداف الألفية، لا شيء أكثر يقينية في أيامنا من الانزلاق نحو المزيد من الفقر، ليس فقط في البلدان الفقيرة، بل أيضاً في البلدان الغنية.

هنالك بالتأكيد ما لا يحصى من تحليلات مدعومة بما لا يحصى من إحصاءات تتوخى تلمس تقدم ما في مجال الحد من المجاعة والفقر، أو تعداد المعيقات التي تعرقل هذا المسعى. ومع هذا، فإن أحداً لا يمكنه إنكار الواقع المتمثل بكون غياب الإرادة السياسية هو السبب الرئيسي لعدم ناجعية الجهود المبذولة في هذا المجال.

لا بل يمكن الكلام حتى عن إرادة سياسية تتمركز على الطرف المعاكس لجهود الحد من الفقر. يكفي أن نتذكر تصريحات أطلقها بهذا الخصوص الرئيس الأميركي جورج بوش الابن. بعد هجمات 11/9، كان المحافظون الجدد منهمكين بالتفكير في الولايات المتحدة حول الأثر الممكن للفقر على الإرهاب. وقد تحدث بوش باسمهم ليعلن أن الفقر ليس سبباً من أسباب الإرهاب. كان يفضل إلقاء اللوم على انعدام أهلية الحكومات في تلبية الاحتياجات الأساسية لشعوبها، مكتفياً بتحميل الفقر مسؤولية المساعدة في تحويل بعض البلدان إلى أراض يلتجئ إليها الإرهاب.

الإرهاب المتخفي وراء الديني والإنساني

وبهذا، يكون بوش قد حدد أهداف حربه "العالمية الثالثة"، أو حربه الصليبية، تحت غطاء تحرير الشعوب التي اعتبرها مضطهدة من قبل حكوماتها، وفي الوقت نفسه تحت غطاء اجتثاث الإرهاب أو الحيلولة دون ظهوره عبر عدم السماح لبعض البلدان بالتحول إلى ملتجأ للإرهاب. لا يمكننا أن نعلم ما كان سيكون عليه مصير الإرهاب لو حدث للحربين على أفغانستان والعراق أن حققتا أهدافهما. لكننا نعلم يقيناً أن الحرب العالمية الثالثة كانت ستتواصل في هذه الحالة متنقلة من بلد إلى بلد بهدف تحقيق الهدف النهائي المتمثل بإقامة ما كان يسميه الأميركيون بـ "الإمبراطورية الأميركية العالمية".

لكن يبدو أن الهزائم التي أحاقت بالأميركيين وحلفائهم في أفغانستان والعراق ولبنان وغزة هي في أساس حدوث تغيير كبير في استراتيجية حروب الهيمنة الأميركية. فقد بدأنا نسمع كلاماً عن الحرب الناعمة، غير المباشرة، السرية، التي تحرص فيها جيوش الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، خلافاً لعاداتها الأثيرة، على عدم التورط مباشرة في حروب المنطقة. فقد تركوا هذه المهمة، مهمة التورط المباشر، لحلف الناتو وبعض الحلفاء العرب، في حالة الحرب على ليبيا، ولفرنسا في حالة الحرب على مالي.
لكن الأهم من ذلك هو الدور الكبير الذي جرى إسناده في صراعات المنطقة للإرهاب. وتحديداً للإرهاب الذي تضطلع به الجماعات المسماة إسلامية. فلقد عرفنا بما يفوق الحد الدور الذي لعبته هذه الجماعات ـ الممولة ببترودولارات الخليج، والمدربة على أيدي أجهزة الاستخبارات الأميركية، والمشحونة عقائدياً بأفكار تعلن انتماءها لإسلام متآلف مع الغرب ومعاد للشيوعية ـ في ما أسماه زبيغنيو بريجنسكي بالـ "فييتنام" التي صنعها الأميركيون للسوفيات في أفغانستان.
الإرهاب المتخفي وراء الديني والإنساني

صحيح أن هذه الجماعات تتخذ، منذ هزيمة الاتحاد السوفياتي في هذا البلد، موقف عداء معلن تجاه الغرب، إلا أنه من الصحيح أيضاً، إذا ما استثنينا بعض العمليات المشبوهة التي استهدفت المصالح الأميركية والغربية عموماً، أن هذه الجماعات تتخذ مواقف عدائية شرسة تجاه القوى التي تعارض الهيمنة الأميركية والإسرائيلية على المنطقة.
فهي لا تخفي حقدها على إيران التي تتلقى يومياً تهديدات الغزو العسكري من قبل الولايات المتحدة والكيان الصهيوني. وهي تشارك بقوة في الحرب التي تشنها الولايات المتحدة وحلفاؤها وأدواتها الإقليمية على سوريا. وبالتوازي مع أنشطتها التخريبية في بلدان ما يسمى بالربيع العربي، لا تتوانى لحظة عن العمل من أجل زعزعة العراق ولبنان والجزائر.

أطروحات تلك الجماعات وفتاواها وممارساتها التي تلحق الضرر أولاً بالإسلام تؤكد ما قاله، عام 2006 جايمس ووسلي، رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية الأسبق، عندما وعد بصنع إسلام يتناسب مع مصالح بلاده. أما الفقر الذي تشتد وطأته في المنطقة بالتوازي مع الفوضى المدمرة المصنوعة أميركياً وإسرائيلياً، فيشكل منبعاً غزيراً لتجنيد هذه الجيوش من الإرهابيين الذين يزعمون أنهم يجاهدون في سبيل قضية الإسلام.
2013-08-16