ارشيف من :آراء وتحليلات
فنلندا توثق علاقاتها الاقتصادية مع روسيا
بعد عشرات السنين من التجارة مع أوروبا الغربية، تتوجه فنلندا من جديد نحو السوق الروسية، ذلك أن ولادة الطبقة الوسطى وظهور المستثمرين الكبار في روسيا يوفران إمكانية النمو اكثر مما هو متوفر في اوروبا، التي تعاني من الكساد. وبالرغم من أن قسما من الفنلنديين لا يزالون ينظرون بعين الريبة الى جيرانهم الشرقيين، فإن التوقعات بانتعاش بطيء للاقتصاد الأوروبي تعني وجود احتمال أكبر بأن عددا أكبر من الشركات الفنلندية سوف تباشر اقامة علاقات أوثق مع روسيا، ما يشير الى اجراء تقييم جديد للعلاقات الاقتصادية الوثيقة مع أوروبا لمدة عشرين سنة.
ووفق احدث المعلومات عن التجارة فإن التغيير قد بدأ. فالتصدير الفنلندي إلى بقية أجزاء الاتحاد الأوروبي في الخمسة الاشهر الاولى من سنة 2013 قد انخفض بنسبة 4% بحساب القاعدة السنوية. وهناك دائرة واسعة من الشركات الفنلندية قد تأثرت بعدم توفر الأمن الاقتصادي في أوروبا. كما ان شركات فنلندية رئيسية مثل مجموعة محلات تجارة المفرق Kesko والمتاجر الكبرى Stockmann تعرّف روسيا بأنها أكبر ورقة رابحة لها. وشركة Kesko التي تسيطر على 35% من تجارة البقالة والسلع المنزلية في فنلندا،
افتتحت في شهر ايار/مايو الفائت ثاني متجر لها في روسيا، وهي تخطط لان تفتتح في السنوات الثلاث القادمة ثمانية متاجر أخرى. ان هذا التوسع يعتمد على الربح المتأتي من التوجهات الاستهلاكية القوية، وكذلك من السمعة العالية لفنلندا في نطاق سلامة الأغذية ونوعية المنتوجات، وهو يأتي على خلفية عزم شركة Kesko على تقليص مئات اماكن العمل في فنلندا وتخفيض توقعاتها للارباح.
وكانت شركة Nokian Renkaat لانتاج دواليب السيارات قد بدأت انتاجها في روسيا سنة 2005، ومن ذلك الحين رفعت انتاج معملها قرب بتروغراد بشكل ملحوظ، ما جعله المعمل الرئيسي لانتاج الدواليب المطاطية للسيارات في روسيا. ويعلق المدير التنفيذي الرئيسي للشركة كيم غران بالقول "ان فنلندا والسلع الفنلندية تتمتع بسمعة ممتازة في روسيا. ومن منظور ثقافي يتم تقييمنا بوصفنا اناسا شرفاء، وتقريبا سذجا. وان الشركات الفنلندية الصغيرة عليها ان تبذل جهودا اكبر كي تبدأ البزنيس في روسيا".
ان التصدير الى روسيا قد زاد تقريبا 300% منذ سنة 2000، وخصوصا بنتيجة زيادة الطلب على سلع مثل الآلات المنجمية، المنتوجات الخشبية والمواد الكيماوية، بالاضافة الى الادوات الالكترونية كالتلفونات النقالة لشركة Nokia. وبالرغم من ان النمو الروسي قد اعطى مؤخرا مؤشرات تباطؤ بسبب انخفاض اسعار النفط والغاز، فإنه لا يزال يؤمن دعما ضروريا جدا للاقتصاد الفنلندي الصغير، الذي يعاني في الوقت الراهن من العجز في الحساب الجاري، ويتوقع انه في السنة 2013 سينكمش للسنة الثانية على التوالي.
بعد الحرب العالمية الثانية كانت التجارة الفنلندية ترتبط بشدة بالاتحاد السوفياتي. ومع انهيار الاتحاد السوفياتي سنة 1991 تعرضت فنلندا الى ركود عميق، ما اجبر قادة البلاد على التوجه نحو الغرب، والبحث عن اندماج اكبر مع اوروبا، عن طريق الانضمام الى الاتحاد الاوروبي ومنطقة اليورو. وحسب رأي الخبراء فإن هذا التحول ساعد فنلندا على ان تصبح احدى اغنى دول العالم، بحساب مدخول الفرد من السكان.
ان العلاقات الرسمية مع روسيا هي بالمكان الاول علاقات قلبية، ولكن لا يزال يوجد شيء من عدم الثقة، ولا سيما لدى الاجيال الاكبر سنا، الذين عاشوا سنوات الحرب الشتوية سنة 1939 ـ 1940 و"الحرب المكملة" (حتى سنة 1944) ضد الاتحاد السوفياتي.
ولكن البزنيس يضع جانبا هذا العداء التاريخي، في الوقت الذي يقوم الروبل بالتعويض عن النقص في التمويل المحلي والاوروبي. وللمثال فإن الشركة الروسية "روسآتوم" ظهرت منذ وقت قريب بوصفها المرشح الرئيسي لتزويد الكونسورسيوم الفنلندي Fennovoima بمفاعل نووي. واعلنت شركة "روسآتوم" انها يمكن ان توظف في هذا المشروع الذي سيكلف ما بين 4 ـ 6 مليارات يورو. وقد ادى هذا الاعلان الى تهدئة المخاوف حول التمويل، بعد ان اعلنت شركة الطاقة الالمانية E.ON انها ستنسحب من المشروع. وفي صفقة اخرى اعلن الملياردير الروسي ـ الفنلندي غينادي تيمتشينكو وغيره من المقربين من الرئيس فلاديمير بوتين، في شهر حزيران/يونيو انهم سيشترون اكبر صالة للاحتفالات والعاب الهوكي في هلسنكي، كما يتوقع ان ينضم فريق الهوكي المحلي Jokerit الى رابطة الهوكي الروسية KHL. ان الغنى الروسي اصبح ملحوظا اكثر في الشوارع. وفي السنة الماضية ارتفعت نسبة الزوار الروس بمعدل 10% وبلغت 3،6 ملايين زائر، اي ما يعادل نصف جميع الزوار الاجانب الى فنلندا. ولاجل خدمة هؤلاء الزبائن، الذين توجه قسم كبير منهم الى الاسواق الحرة المعفية من الضرائب، فإن المتجر الرئيسي لشركة Stockmann في وسط هلسينكي بدأ يتعامل بالروبل. ويتزايد عدد المواطنين الروس الذين يقومون بالتوظيف في العقارات في فنلندا، مدفوعين بتوفر الامن في البلاد، وبوجود اعداد كبيرة من الفيلات على شواطئ البحيرات الفنلندية. وتكشف دراسة حكومية جديدة ان الزبائن الروس يمكن ان ينفقوا في القطاع العقاري في فنلندا ما لا يقل عن 2،4 مليارات يورو حتى سنة 2030.
*كاتب لبناني مستقل
ووفق احدث المعلومات عن التجارة فإن التغيير قد بدأ. فالتصدير الفنلندي إلى بقية أجزاء الاتحاد الأوروبي في الخمسة الاشهر الاولى من سنة 2013 قد انخفض بنسبة 4% بحساب القاعدة السنوية. وهناك دائرة واسعة من الشركات الفنلندية قد تأثرت بعدم توفر الأمن الاقتصادي في أوروبا. كما ان شركات فنلندية رئيسية مثل مجموعة محلات تجارة المفرق Kesko والمتاجر الكبرى Stockmann تعرّف روسيا بأنها أكبر ورقة رابحة لها. وشركة Kesko التي تسيطر على 35% من تجارة البقالة والسلع المنزلية في فنلندا،
افتتحت في شهر ايار/مايو الفائت ثاني متجر لها في روسيا، وهي تخطط لان تفتتح في السنوات الثلاث القادمة ثمانية متاجر أخرى. ان هذا التوسع يعتمد على الربح المتأتي من التوجهات الاستهلاكية القوية، وكذلك من السمعة العالية لفنلندا في نطاق سلامة الأغذية ونوعية المنتوجات، وهو يأتي على خلفية عزم شركة Kesko على تقليص مئات اماكن العمل في فنلندا وتخفيض توقعاتها للارباح.
ارتفاع الربح المحقق في ثلاثة اشهر في متاجر ستوكمان في روسيا
ويقول المدير المالي الرئيسي للشركة يوكا أرلوند "ان امكانيات النمو التي يعرضها السوق الروسي على فنلندا ملحوظة جدا على المدى البعيد". وفي نهاية الاسبوع الماضي اعلنت شركة Stockmann بشكل مفاجئ ارتفاع الربح المحقق في ثلاثة اشهر، ملاحظة تحقيق ارباح كبيرة في روسيا، وبالأخص في المتجر الكبير في بتروغراد، ما عوض عن المبيعات الاستهلاكية الضعيفة في فنلندا.وكانت شركة Nokian Renkaat لانتاج دواليب السيارات قد بدأت انتاجها في روسيا سنة 2005، ومن ذلك الحين رفعت انتاج معملها قرب بتروغراد بشكل ملحوظ، ما جعله المعمل الرئيسي لانتاج الدواليب المطاطية للسيارات في روسيا. ويعلق المدير التنفيذي الرئيسي للشركة كيم غران بالقول "ان فنلندا والسلع الفنلندية تتمتع بسمعة ممتازة في روسيا. ومن منظور ثقافي يتم تقييمنا بوصفنا اناسا شرفاء، وتقريبا سذجا. وان الشركات الفنلندية الصغيرة عليها ان تبذل جهودا اكبر كي تبدأ البزنيس في روسيا".
ان التصدير الى روسيا قد زاد تقريبا 300% منذ سنة 2000، وخصوصا بنتيجة زيادة الطلب على سلع مثل الآلات المنجمية، المنتوجات الخشبية والمواد الكيماوية، بالاضافة الى الادوات الالكترونية كالتلفونات النقالة لشركة Nokia. وبالرغم من ان النمو الروسي قد اعطى مؤخرا مؤشرات تباطؤ بسبب انخفاض اسعار النفط والغاز، فإنه لا يزال يؤمن دعما ضروريا جدا للاقتصاد الفنلندي الصغير، الذي يعاني في الوقت الراهن من العجز في الحساب الجاري، ويتوقع انه في السنة 2013 سينكمش للسنة الثانية على التوالي.
بعد الحرب العالمية الثانية كانت التجارة الفنلندية ترتبط بشدة بالاتحاد السوفياتي. ومع انهيار الاتحاد السوفياتي سنة 1991 تعرضت فنلندا الى ركود عميق، ما اجبر قادة البلاد على التوجه نحو الغرب، والبحث عن اندماج اكبر مع اوروبا، عن طريق الانضمام الى الاتحاد الاوروبي ومنطقة اليورو. وحسب رأي الخبراء فإن هذا التحول ساعد فنلندا على ان تصبح احدى اغنى دول العالم، بحساب مدخول الفرد من السكان.
ان العلاقات الرسمية مع روسيا هي بالمكان الاول علاقات قلبية، ولكن لا يزال يوجد شيء من عدم الثقة، ولا سيما لدى الاجيال الاكبر سنا، الذين عاشوا سنوات الحرب الشتوية سنة 1939 ـ 1940 و"الحرب المكملة" (حتى سنة 1944) ضد الاتحاد السوفياتي.
ولكن البزنيس يضع جانبا هذا العداء التاريخي، في الوقت الذي يقوم الروبل بالتعويض عن النقص في التمويل المحلي والاوروبي. وللمثال فإن الشركة الروسية "روسآتوم" ظهرت منذ وقت قريب بوصفها المرشح الرئيسي لتزويد الكونسورسيوم الفنلندي Fennovoima بمفاعل نووي. واعلنت شركة "روسآتوم" انها يمكن ان توظف في هذا المشروع الذي سيكلف ما بين 4 ـ 6 مليارات يورو. وقد ادى هذا الاعلان الى تهدئة المخاوف حول التمويل، بعد ان اعلنت شركة الطاقة الالمانية E.ON انها ستنسحب من المشروع. وفي صفقة اخرى اعلن الملياردير الروسي ـ الفنلندي غينادي تيمتشينكو وغيره من المقربين من الرئيس فلاديمير بوتين، في شهر حزيران/يونيو انهم سيشترون اكبر صالة للاحتفالات والعاب الهوكي في هلسنكي، كما يتوقع ان ينضم فريق الهوكي المحلي Jokerit الى رابطة الهوكي الروسية KHL. ان الغنى الروسي اصبح ملحوظا اكثر في الشوارع. وفي السنة الماضية ارتفعت نسبة الزوار الروس بمعدل 10% وبلغت 3،6 ملايين زائر، اي ما يعادل نصف جميع الزوار الاجانب الى فنلندا. ولاجل خدمة هؤلاء الزبائن، الذين توجه قسم كبير منهم الى الاسواق الحرة المعفية من الضرائب، فإن المتجر الرئيسي لشركة Stockmann في وسط هلسينكي بدأ يتعامل بالروبل. ويتزايد عدد المواطنين الروس الذين يقومون بالتوظيف في العقارات في فنلندا، مدفوعين بتوفر الامن في البلاد، وبوجود اعداد كبيرة من الفيلات على شواطئ البحيرات الفنلندية. وتكشف دراسة حكومية جديدة ان الزبائن الروس يمكن ان ينفقوا في القطاع العقاري في فنلندا ما لا يقل عن 2،4 مليارات يورو حتى سنة 2030.
*كاتب لبناني مستقل