ارشيف من :آراء وتحليلات
زيباري يطلب مساعدة واشنطن لمكافحة الارهاب!
من الطبيعي جداً ان تثير قضية من قبيل طلب الحكومة العراقية من الولايات المتحدة الاميركية المساهمة في مكافحة الإرهاب في العراق، عبر الدعم الاستخباراتي والتسليحي واللوجيستي، ردود فعل رافضة، أو قل غاضبة. ولعله يبدو من التسرع، اعتبار ردود الافعال من هذا القبيل، مرتبطة بحسابات سياسية، لأن القضية أكبر من ان تقحم في سوق المزايدات والمناكفات السياسية. وقراءة دلالات الطلب العراقي الذي جاء على لسان وزير الخارجية هوشيار زيباري خلال زيارته الأخيرة لواشنطن، تتطلب الوقوف قليلا عند أبعاد الوجود العسكري وغير العسكري الاميركي في العراق منذ عام 2003 وحتى نهاية عام 2011، ودور واشنطن في تهيئة الأرضيات المناسبة للجماعات الارهابية للعمل والتحرك في البيئة العراقية، وحقيقة مدعياتها في مكافحة الارهاب والسعي إلى ترسيخ الأمن والاستقرار، وبالتالي انجاح التجربة السياسية الجديدة في العراق، وكذلك حقيقة اهدافها واجنداتها، ومدى تطابق تلك الأهداف والأجندات مع المصالح الوطنية العراقية.
ومن المفيد هنا ان نشير الى جملة حقائق ومعطيات من شأنها ان تساهم في رسم وصياغة معالم وملامح الموقف والتوجه الصحيح:
اولا: ما بين دخول الولايات المتحدة الاميركية للعراق وخروجها منه، اتسم المشهد العام بكثير من الارتباك والفوضى، حيث الارهاب بشتى أشكاله وأساليبه وصوره، والاحتقان والتأزم السياسي، وتعطل دينامية التطور والنهوض بمجالاته الصناعية والاقتصادية والعلمية والحياتية المختلفة، الى جانب استفحال الكثير من الظواهر والمظاهر السلبية. ومن دون شك، كان للولايات المتحدة دور كبير ومحوري في كل ذلك، لانها كانت تسيطر على الارض، وتتحكم بمسارات الحراك السياسي، وتوجه ايقاعات الوضع الاقتصادي بعناوينه المختلفة.
زيباري وكيري في واشنطن
ثانيا: وبقدر ما تحققت مكاسب وانجازات خلال الفترة الزمنية الممتدة من عام 2003 الى عام 2012، فإن حصيلة الفشل والاخفاقات والاخطاء لم تكن قليلة، ولعلنا اليوم نجني بعضا من اثارها ونتائجها. وما بدا في بعض الاحيان خطوات ايجابية ومدروسة من قبل واشنطن، اتضح فيما بعد انها أخطاء مقصودة او غير مقصودة، وابسط دليل على ذلك هو القرارات الارتجالية والمتسرعة التي اتخذتها واشنطن بعد الاطاحة بنظام صدام في ربيع عام 2003 بحل كل المؤسسات العسكرية والامنية والاعلامية.
ثالثا: اذا كان من الواضح جدا ان تنظيم القاعدة يعد العنوان الرئيس والابرز للارهاب في العراق، ومعه حزب البعث المنحل، فإن ما هو غير واضح بما فيه الكفاية موقف واشنطن الحقيقي من ذلك التنظيم، لا سيما وان المعروف لكل متابع ان تنظيم القاعدة هو صناعة اميركية ـ سعودية ـ باكستانية، تعود الى آواخر عقد السبعينات من القرن الماضي، حتمتها طبيعة وظروف الصراع بين المعسكر الاشتراكي بزعامة الاتحاد السوفياتي السابق، والمعسكر الرأسمالي بزعامة الولايات المتحدة الاميركية.
رابعا:لا يمكن بأي حال من الاحوال القول بأن الاوضاع الامنية والسياسية في العراق تراجعت وتدهورت بدرجة أكبر بعد انسحاب القوات الاميركية من العراق نهاية عام 2011، وهذه الرؤية تمثل الوجه الاخر لحقيقة ان الاعداد الهائلة من القوات الاميركية لم تفلح طيلة ثمانية اعوام في فرض الامن والاستقرار في العراق، إما لانها عجزت عن فعل ذلك، او انها لم تكن تريد ذلك، وفي كلا الحالتين، هذا يعني ان العودة الى الصيغ السابقة امر لا جدوى منه، ومثلما يقولون "ان تجريب المجرب حماقة".
خامسا:يمكن ان يتحجج بعض المتحمسين لفكرة الاستعانة بواشنطن لمكافحة الارهاب، بوجود اتفاقية امنية واتفاقية ضمن اطار استراتيجي بين العراق والولايات المتحدة تلزم الاخيرة بمساعدة العراق في مجال التسليح والتدريب، وفي التصدي للاعتداءات الخارجية في حال التعرض لها، وهذا صحيح، رغم وجود قدر غير قليل من التحفظات والاعتراضات على أصل مثل تلك الاتفاقيات، التي غالبا ما يتم عرضها لاستفتاء شعبي عام، قبل البت بها من قبل اية جهة متنفذة في منظومة الدولة، الا ان كل شيء لا بد ان يخضع لحسابات الفائدة والضرر، او الربح والخسارة.
هل ستنجح الطائرات الاميركية من دون طيار في مكافحة الارهاب
سادسا: من يضمن ان الطائرات المقاتلة بدون طيار وغيرها من المنظومات التي طالب بها الوزير زيباري الولايات المتحدة، ان لا تستخدم للتجسس على العراق، وعلى اطراف اقليمية اخرى، وربما تصب في جانب منها لصالح بعض الجماعات الارهابية، فمتى ما ضمنا ان واشنطن تقف بالكامل بوجه تنظيم القاعدة، بعيدا عن اية حسابات خاصة، فحينذاك من الممكن الوثوق بجدوى اقحامها، او فتح الأبواب لها، لتساهم في مكافحة ارهاب القاعدة وغيرها، وبالتالي يكون الطلب منا بالمساعدة في مكافحة الارهاب مقبولا ومعقولا.
ويبقى التساؤل قائما... من لم يستطع او لم يرغب في القضاء على تنظيم القاعدة عندما كان يتحكم بالارض والسماء في العراق، كيف له ان يقوم بذلك بعد ان تغير الواقع؟ ويبدو ان ما ذهب اليه النائب في البرلمان العراقي وعضو لجنة الامن والدفاع البرلمانية مظهر الجنابي واقعي ومنطقي الى حد كبير، اذ يقول "ان دخول الاميركيين مرة اخرى للعراق قد يسفر عن انعاش الفتنة الطائفية او انشاء اخرى بديلة تدمر الشعب..". ولعل الطلب العراقي بالمساعدة الاميركية، يعكس خطورة الوضع الامني في العراق، انطلاقا من عدة اسباب، مثل تأثيرات الوضع السياسي المتأزم، واختراقات تنظيم القاعدة وحزب البعث المنحل للمؤسسة الامنية والعسكرية، واستشراء الفساد الاداري والمالي فيها، وتعدد ولاءات منتسبي تلك المؤسسة ـ ضباطا ومراتب ـ على أسس حزبية وقومية وطائفية. بيد ان الطائرات المقاتلة بدون طيار والمستشارين والخبراء والمدربين الاميركيين لا يمكن ان يحلوا ايا من تلك العقد. وما ينبغي الالتفات اليه بهذا الشأن هو أن اجهزة مخابرات اجنبية وعربية واقليمية ربما كان لها دور فيما يجري في العراق من تداعيات وانهيارات امنية، وربما كان لها ايضا دور في خلط الاوراق، وفي تأزيم المشهد السياسي، وطبيعي ان كل ذلك لا يمكن ان تكون واشنطن بعيدة عنه، او غافلة حياله، وما كشفه السفير الاميركي الاسبق في العراق كريستوفر هيل مؤخرا عن الدور السعودي في دعم الارهاب وتأجيج الفتنة الطائفية دليل واحد من بين كم كبير من الادلة والبراهين الدامغة التي لا يرقى اليها الشك.
الحل الحقيقي لمشكلة الارهاب اعادة النظر بكافة الخطط الامنية
وترى قوى سياسية عراقية ان الحل الحقيقي للمشكلة الامنية في العراق، يكمن في جملة امور، من بينها:
ـ اعادة النظر بكافة الخطط والسياقات العسكرية والامنية.
ـ استبدال القياداة الامنية والعسكرية التي اثبتت التجربة عدم كفاءاتها واخلاصها وولائها الوطني.
ـ تفعيل الجهد الاستخباراتي في تعقب وملاحقة الجماعات الارهابية، واحباط مخططاتها قبل ان تصل الى مرحلة التنفيذ. -تفعيل مبادرات المصالحة الوطنية، وكل الخطوات التي من شأنها تجسير الهوة بين القوى السياسية، والتركيز على نقاط التوافق والالتقاء وتجنب نقاط التقاطع والافتراق.
وهذه الخطواتـ والاجراءاتـ لا تحتاج في اطارها العام الى قدرات قتالية وامكانيات تسليحية، مع اهمية توفرها من خلال القنوات والمسالك السليمة، وعدم تكرار التجارب السابقة السلبية، وتجنب السير في نفس الطرق التي ادت الى كوارث، والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين
ومن المفيد هنا ان نشير الى جملة حقائق ومعطيات من شأنها ان تساهم في رسم وصياغة معالم وملامح الموقف والتوجه الصحيح:
اولا: ما بين دخول الولايات المتحدة الاميركية للعراق وخروجها منه، اتسم المشهد العام بكثير من الارتباك والفوضى، حيث الارهاب بشتى أشكاله وأساليبه وصوره، والاحتقان والتأزم السياسي، وتعطل دينامية التطور والنهوض بمجالاته الصناعية والاقتصادية والعلمية والحياتية المختلفة، الى جانب استفحال الكثير من الظواهر والمظاهر السلبية. ومن دون شك، كان للولايات المتحدة دور كبير ومحوري في كل ذلك، لانها كانت تسيطر على الارض، وتتحكم بمسارات الحراك السياسي، وتوجه ايقاعات الوضع الاقتصادي بعناوينه المختلفة.
زيباري وكيري في واشنطن
ثالثا: اذا كان من الواضح جدا ان تنظيم القاعدة يعد العنوان الرئيس والابرز للارهاب في العراق، ومعه حزب البعث المنحل، فإن ما هو غير واضح بما فيه الكفاية موقف واشنطن الحقيقي من ذلك التنظيم، لا سيما وان المعروف لكل متابع ان تنظيم القاعدة هو صناعة اميركية ـ سعودية ـ باكستانية، تعود الى آواخر عقد السبعينات من القرن الماضي، حتمتها طبيعة وظروف الصراع بين المعسكر الاشتراكي بزعامة الاتحاد السوفياتي السابق، والمعسكر الرأسمالي بزعامة الولايات المتحدة الاميركية.
رابعا:لا يمكن بأي حال من الاحوال القول بأن الاوضاع الامنية والسياسية في العراق تراجعت وتدهورت بدرجة أكبر بعد انسحاب القوات الاميركية من العراق نهاية عام 2011، وهذه الرؤية تمثل الوجه الاخر لحقيقة ان الاعداد الهائلة من القوات الاميركية لم تفلح طيلة ثمانية اعوام في فرض الامن والاستقرار في العراق، إما لانها عجزت عن فعل ذلك، او انها لم تكن تريد ذلك، وفي كلا الحالتين، هذا يعني ان العودة الى الصيغ السابقة امر لا جدوى منه، ومثلما يقولون "ان تجريب المجرب حماقة".
خامسا:يمكن ان يتحجج بعض المتحمسين لفكرة الاستعانة بواشنطن لمكافحة الارهاب، بوجود اتفاقية امنية واتفاقية ضمن اطار استراتيجي بين العراق والولايات المتحدة تلزم الاخيرة بمساعدة العراق في مجال التسليح والتدريب، وفي التصدي للاعتداءات الخارجية في حال التعرض لها، وهذا صحيح، رغم وجود قدر غير قليل من التحفظات والاعتراضات على أصل مثل تلك الاتفاقيات، التي غالبا ما يتم عرضها لاستفتاء شعبي عام، قبل البت بها من قبل اية جهة متنفذة في منظومة الدولة، الا ان كل شيء لا بد ان يخضع لحسابات الفائدة والضرر، او الربح والخسارة.
هل ستنجح الطائرات الاميركية من دون طيار في مكافحة الارهاب
ويبقى التساؤل قائما... من لم يستطع او لم يرغب في القضاء على تنظيم القاعدة عندما كان يتحكم بالارض والسماء في العراق، كيف له ان يقوم بذلك بعد ان تغير الواقع؟ ويبدو ان ما ذهب اليه النائب في البرلمان العراقي وعضو لجنة الامن والدفاع البرلمانية مظهر الجنابي واقعي ومنطقي الى حد كبير، اذ يقول "ان دخول الاميركيين مرة اخرى للعراق قد يسفر عن انعاش الفتنة الطائفية او انشاء اخرى بديلة تدمر الشعب..". ولعل الطلب العراقي بالمساعدة الاميركية، يعكس خطورة الوضع الامني في العراق، انطلاقا من عدة اسباب، مثل تأثيرات الوضع السياسي المتأزم، واختراقات تنظيم القاعدة وحزب البعث المنحل للمؤسسة الامنية والعسكرية، واستشراء الفساد الاداري والمالي فيها، وتعدد ولاءات منتسبي تلك المؤسسة ـ ضباطا ومراتب ـ على أسس حزبية وقومية وطائفية. بيد ان الطائرات المقاتلة بدون طيار والمستشارين والخبراء والمدربين الاميركيين لا يمكن ان يحلوا ايا من تلك العقد. وما ينبغي الالتفات اليه بهذا الشأن هو أن اجهزة مخابرات اجنبية وعربية واقليمية ربما كان لها دور فيما يجري في العراق من تداعيات وانهيارات امنية، وربما كان لها ايضا دور في خلط الاوراق، وفي تأزيم المشهد السياسي، وطبيعي ان كل ذلك لا يمكن ان تكون واشنطن بعيدة عنه، او غافلة حياله، وما كشفه السفير الاميركي الاسبق في العراق كريستوفر هيل مؤخرا عن الدور السعودي في دعم الارهاب وتأجيج الفتنة الطائفية دليل واحد من بين كم كبير من الادلة والبراهين الدامغة التي لا يرقى اليها الشك.
الحل الحقيقي لمشكلة الارهاب اعادة النظر بكافة الخطط الامنية
ـ اعادة النظر بكافة الخطط والسياقات العسكرية والامنية.
ـ استبدال القياداة الامنية والعسكرية التي اثبتت التجربة عدم كفاءاتها واخلاصها وولائها الوطني.
ـ تفعيل الجهد الاستخباراتي في تعقب وملاحقة الجماعات الارهابية، واحباط مخططاتها قبل ان تصل الى مرحلة التنفيذ. -تفعيل مبادرات المصالحة الوطنية، وكل الخطوات التي من شأنها تجسير الهوة بين القوى السياسية، والتركيز على نقاط التوافق والالتقاء وتجنب نقاط التقاطع والافتراق.
وهذه الخطواتـ والاجراءاتـ لا تحتاج في اطارها العام الى قدرات قتالية وامكانيات تسليحية، مع اهمية توفرها من خلال القنوات والمسالك السليمة، وعدم تكرار التجارب السابقة السلبية، وتجنب السير في نفس الطرق التي ادت الى كوارث، والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين