ارشيف من :آراء وتحليلات
من وراء الفتنة في لبنان ولأية أهداف؟
يقول تقرير أمني استخباري غربي نشرته صحيفة السفير قبل شهرين من الآن، وأعادت التذكير به مؤخراً، ما يلي:
- إن إدارة الصراع السني - الشيعي في لبنان، وتقنين الصدامات المذهبية فيه، واقتصارها على جبهات متباعدة، لن تصمد أكثر من شهر أو شهرين على الأكثر، قبل أن تتحول إلى انفجار عام وواسع.
- إن قراراً إقليمياً عربياً، تقف وراءه قطر والسعودية، يسعى إلى الاقتصاص من حزب الله بعد تدخله في سوريا، وإن العمل جارٍ على تدفيعه ثمن خسارة الاستثمارات القطرية السياسية والعسكرية في سوريا.
أهمية هذا التقرير تنبع من الآتي:
أولاً: أن مصدره الاستخبارات الغربية التي على علاقات تحالفية وثيقة بالاستخبارات الخليجية والأنظمة التي تعمل لمصلحتها، ما يؤكد مصداقيته وصدقيته.
ثانياً: ما يؤكد صدقية التقرير أيضاً هو انطباق توقعاته على أرض الواقع.
ثالثاً: إن التقرير صريح في تسمية الأشياء بأسمائها لجهة ذكر أسماء الأنظمة الساعية لتفجير الأوضاع في لبنان، وإفلات التنازع السياسي السني - الشيعي من عقاله إلى حدود الفتنة العمياء، ذلك في سياق تحويل لبنان وسوريا إلى ساحة مواجهة واحدة متفاعلة، وبالتالي الإطاحة بالحياد النسبي الذي كان يتمتع به.
هذه النتائج تؤكدها أي قراءة سياسية موضوعية، استناداً إلى الآتي:
- منذ شهرين تقريباً وضع النظام السعودي يده بالكامل على ملف الأزمة السورية على حساب كل من قطر وتركيا اللتين فشلتا في تحقيق أي انجاز يذكر.
ومع استلام الرياض للملف السوري وحتى قبله وبعده، شرعت في شن هجوم أمني وإعلامي وسياسي واقتصادي لا هوادة فيه في مختلف الجبهات المعنية مباشرة بالأزمة السورية:
- العراق الذي يشهد مذبحة أمنية حيث لا يمضي يوم إلا ويسقط فيه عشرات الضحايا بتفجيرات انتحارية أو بواسطة سيارات مفخخة، دفعت مؤخراً المسؤولين العراقيين إلى تحميل الرياض المسؤولية المباشرة عنها.
- الأردن الذي يشهد ملكه حملة ضغوط قوية لحمله على التجاوب مع متطلبات التحضير لعمل عسكري واسع ينطلق من محافظة درعا، كونها الأقرب إلى العاصمة دمشق. وفي هذا السياق التقارير الأمنية والصحفية أكثر من أن تعد، والتي تؤكد وجود تدريبات تشرف عليها المخابرات الأمريكية والإسرائيلية لتشكيل قوات نخبة قادرة على عزل منطقة الجنوب، وتحويلها إلى منطقة آمنة، وبغطاء جوي غربي.
- لبنان، حيث تشهد حملة مركبة من قبل أدوات الرياض في لبنان، وفق الآتي:
أ - حملة تحريض وتجييش مذهبي لا هوادة فيها، تتجاوز شد العصب إلى توفير كل الظروف الملائمة، وتهيئة التربة الخصبة، للفتنة المذهبية، بحيث لا ينقصها إلا إشعال عود ثقاب هنا وهناك.
ب - ممارسة ضغوط أمنية لإرباك خطوط تحركات المقاومة في مختلف المناطق اللبنانية.
ج - الضغط اقتصادياً واجتماعياً ونفسياً على البيئة الحاضنة للمقاومة من خلال تعاون أمريكي - خليجي، مترجم في إجراءات وقرارات متنوعة.
د - إعادة تحريك ملف المحكمة الدولية بالتزامن مع وضع اسم حزب الله على لوائح الإرهاب.
هـ - فرط حكومة ميقاتي لفتح الطريق أمام فرض حكومة أمر واقع تستثني حزب الله.
و - استهداف المقاومة في قلبها من خلال استهداف ناسها وجمهورها.
ز - إطلاق صواريخ باتجاه الكيان الإسرائيلي في توقيت مشبوه يراد منه استدعاء هذا الكيان لشن حرب على لبنان، تكمل الحرب الأمنية والسياسية والإعلامية والاقتصادية ضد حزب الله.
ح - أخيراً وليس آخراً دفع الصدام السياسي بين الوهابية - السياسية والسلفية - الوهابية في لبنان وما يمثل حزب الله سياسياً وطائفياً إلى حافة الانفجار الشامل من خلال الآتي:
- تفجير سيارة مفخخة في منطقة شعبية مكتظة بالسكان لإسقاط أكبر عدد من الشهداء، ولرفع درجة الغضب والتوتر إلى أقصاها، ما يسهل إفلات الأمور من عقالها، في ظل المعرفة العامة بالجهة المخططة والمنفذة والمسهلة.
- تفجير سيارتين في طرابلس، وفي وقت فاصل قريب جداً. لقد جرى اختيار زمان ومكان الإنفجارين بعناية. الزمان يوم الجمعة وتحديداً عقيب انتهاء وقت الصلاة. والمكان مسجدان محسوبان على شيخين سلفيين لهما كلمتهما في الشمال. يضاف إلى ما تقدم الحرص على إسقاط أكبر عدد من الشهداء المدنيين وتحديداً من المصلين. الأهداف واضحة هنا حيث المطلوب: أ - إظهار الإنفجارين في طرابلس وكأنهما رد على انفجار الضاحية لتحميل حزب الله المسؤولية. ب - رفع منسوب العصبية المذهبية إلى حد الانفجار الدموي، وبما يسهل من تفجير الفتنة المذهبية. ج - إقحام لبنان في أتون الحرب المذهبية التي يعمل النظام السعودي على تأجيجها من العراق إلى سوريا فلبنان.
كخلاصة يمكن القول، وبدون تردد إن هناك قراراً كبيراً سعودياً تحديداً، وبإدارة مباشرة من رئيس مخابراتها الدموي بندر، لجعل لبنان ساحة ملحقة بساحة الصراع في سوريا، وإن النظام السعودي لن يتورع عن استخدام أي شيء لتعديل التوازنات في سوريا لمصلحته حيث لا يريد إخفاقاً يماثل إخفاق قطر وتركيا.
ولعل من دفع هذا النظام للإسراع في تنفيذ أجندته الأمنية - الفتنوية هو الضربة القاصمة التي تلقتها خطته العسكرية المنسقة مع كل من أمريكا والكيان الصهيوني والنظام والأردني لعزل جنوب العاصمة، وبما يؤسس لاحقاً للانقضاض على العاصمة، خصوصاً في ظل التسابق المتسارع مع المواعيد الخاصة بانعقاد جنيف 2.
إنها الحرب مرة أخرى بين الحلف الأمريكي - الوهابي وحلف محور حركات التحرر العربية والمقاومة والممانعة، وهي حرب ستكون مكلفة، والنصر فيها يحتاج إلى صبر، ومعرفة الأماكن التي يجب إلحاق الهزيمة بهذا الحلف.