ارشيف من :آراء وتحليلات

الكونغرس الأميركي وسرقة دور مجلس الأمن الدولي!

الكونغرس الأميركي وسرقة دور مجلس الأمن الدولي!
يعتبر مجلس الأمن الدولي من أهم أجهزة الأمم المتحدة التي تأسست بعد الحرب العالمية الثانية عام 1945، والمجلس هو المسؤول عن حفظ السلام والأمن الدوليين طبقا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. ولمجلس الأمن سلطة قانونية على حكومات الدول الأعضاء لذلك تعتبر قراراته ملزمة للدول الأعضاء (المادة الرابعة من الميثاق). وإذا كان هناك من حاجة لمعاقبة الدول التي تفرط في استخدام السلام أو في الإبادة الجماعية فإن مجلس الأمن هو المخول القيام بمحاسبة هذه الدول، وهذا النظام العالمي متفق عليه منذ تأسيس الأمم المتحدة. إلا أن الولايات المتحدة الأميركية تتصرف بآحادية في معظم الحالات من دون العودة إلى الأمم المتحدة، وتعتبر نفسها مفوضة من العالم كله لمعاقبة الدول التي لا تتوافق معها سياسيا، على اساس ان لديها مجلسا بديلا وهو الكونغرس، فتأخذ بقرار ممثلي الشعب الأميركي في الكونغرس وتطبقه على شعوب العالم!.


المعروف أن الكونغرس في الولايات المتحدة الأميركية أنه يمثل الهيئة التشريعية في نظام الدولة الفدرالي، ويتألف من مجلسين: مجلس الشيوخ الذي يعد اعضاؤه بالمئة عضو يسمى سيناتور، ومدته ست سنوات ويحق لكل ولاية ان تتمثل بعضوين داخل المجلس. ومجلس النواب وعدد اعضائه اربعمائة وثلاثة وخمسون نائبا تحصل كل ولاية على عدد أعضاء بما يناسب عدد سكانها، مدته سنتان وتكون لهذا المجلس وحده سلطة توجيه الاتهام النيابي، ولكل مركز عدد محدد من النواب حسب عدد السكان في كل ولاية.

وعندما نقول هيئة تشريعية يتبادر إلى ذهننا المواضيع ذات الصلة بالشأن الداخلي كموضوع الضرائب، وبعض التعيينات لكبار الموظفين ومناقشة مشاريع القوانين الخاصة بالبلد والتصويت عليها، ومن ثم عرضها على الرئيس للتوقيع عليها. مع العلم ان رؤساء اللجان البرلمانية يتمتعون بصلاحيات واسعة بحيث يمكن ان يرفض رئيس اللجنة اتخاذ اي قرار بشأن أي مشروع حتى ولو كان كافة الأعضاء يؤيدون المشروع. وهناك اهمية كبرى للجان الفرعية في اتخاذ القرار، من خلال استدعاء شهود من خارج المجلس كخبراء في الموضوع الخاص بالمشروع لإبداء رأيهم وتقديم ما يغني المناقشة في مسألة اتخاذ القرار، وبعد ذلك تجتمع اللجنة وتتخذ القرار.

الكونغرس الأميركي وسرقة دور مجلس الأمن الدولي!
الكونغرس الاميركي.. تشريع العدوان!

ومؤخراً كثر الكلام عن الكونغرس الأميركي من خلال ترقب مناقشته لمشروع قانون قدمه الرئيس باراك اوباما لأخذ الموافقة عليه، ولكنه ليس مشروع قانون يُعنى بالشأن الداخلي الأميركي بل يتعلق بقرار عدوان ينوي اوباما شنه ضد سوريا بعد ان اعاد النظر بشن ضربة عسكرية بقرار أحادي الجانب من دون أخذ موافقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن هرباً من المعارضة الروسية والصينية القوية ضد اي ضربة عسكرية لسوريا.

فهل سيكون الكونغرس الأميركي الآن أداة لأوباما لتحقيق ما قد وعد به من معاقبة سوريا؟ وكيف يمكن للكونغرس ان يتجرأ على أخذ قرار بشن حروب على العالم، وسرقة دور مجلس الأمن في ذلك؟

بالعودة إلى دستور الولايات المتحدة الأميركية نرى ان هناك سلطات ممنوحة للكونغرس تتعلق بالشأن الداخلي، إضافة إلى اعلان الحرب المعطوفة على رد العدوان وأمن البحر كما جاء في الفقرة الحادية عشرة من السلطات الممنوحة للكونغرس.

دور اللجنة الخارجية في مجلس الشيوخ في قرار الحرب على سوريا

بعد ان ارسل الرئيس اوباما القرار إلى الكونغرس للتصويت، استدعت لجنة الشؤون الخارجية كلاً من وزير الخارجية جون كيري ووزير الدفاع تشاك هيغل وكذلك رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي للمثول امامها في مجلس النواب، كما هو المعتاد في استدعاء شخصيات يمكن ان يساهموا في اغناء النقاش حول المشروع بحيث يؤدي إما إلى التصويت مع أو ضد. ولكن استدعاء هؤلاء الأشخاص الثلاثة وإظهار الديمقراطية على انها هي السائدة من خلال استمرار الإستماع إليهم لمدة يومين، وظهور الملل لدى بعض المشاركين في الجلسات، يظهر بأن الكونغرس قد أخذ قرارا مسبقا بالموافقة على الضربة العسكرية بأغلبية يمكن ان تكون غير ساحقة. وعدم استدعاء اشخاص يمكن ان يكون لهم رأي مخالف لقرار الضربة قد استُبعد مع ان من واجب اللجنة ان تستمع إلى كافة الآراء حول الموضوع، فلم نرَ استدعاءً لأي شخصية يمكن ان تكون معارضة للضربة العسكرية لتقف اللجنة على رأيها.

ومن هنا فإن الأمر بات واضحا أن الرئيس أوباما لم يكن ليرسل القرار إلى الكونغرس ليعطيه تغطية من ممثلي الشعب إلا لعلمه بأن الكونغرس سوف يفوضه بالأمر، وكذلك اعتماده على الأعضاء النافذين في مجلسي النواب والشيوخ لحشد الدعم لتأييد الضربة العسكرية على سوريا.

الكونغرس الأميركي وسرقة دور مجلس الأمن الدولي!
مجلس الشيوخ ... سيصوت على الضربة

استناداً إلى معلومات إعلامية نقلا عن صحيفة الواشنطن بوست الأميركية فإن هناك اثنتي عشرة مجموعة داخل الكونغرس يمكن ان تؤثر على الموافقة على قرار الضربة العسكرية. ويُنتظر من مجلس الشيوخ ان يصوت بأعضائه المئة كاملة، بينما سيكون هناك معارضة في مجلس النواب بحيث سيعارض 46 نائبا العمل العسكري ضد سوريا وموافقة سبعة عشر نائبا بينما يميل 84 نائبا للموافقة وستون نائبا لم يقرروا بعد.

وليس بالضرورة ان يصوت الديمقراطيون بكامل اعضائهم على القرار كون الرئيس اوباما هو من الحزب الديمقراطي، فهناك ديمقراطيون يعارضون الحرب، كما أن هناك بعض الجمهوريين يؤيدون الحرب والبعض الآخر لا يؤيدها.

إن ما يحكم الموافقة على القرار هو المناقشات الجانبية التي تحصل عادة قبيل أي تصويت، وتبدأ المجموعات بدراسة الجدوى والمنفعة من وراء التصويت بنعم أو لا. وهناك من يسعى مثلا للترشح لولاية أخرى في الكونغرس فيدرس إمكانية التأثير السلبي أو الإيجابي على قراره في التصويب، كزعيم الأكثرية الديمقراطية في مجلس الشيوخ هاري ريد الذي صوت بنعم على الحرب على العراق وكان من أشد المدافعين عن قرار الحرب، ثم أصبح فيما بعد من اشد المنتقدين لها. بينما زعيم الأقلية الجمهورية ميتش ماكونيل عبر عما يشبه الموافقة على التصويت بنعم بعد اجتماعه مع اوباما الأسبوع الفائت، وفي المقابل فإن قيادة الحزب الجمهوري أبدت ترحيبا بالنقاش ولكنها طلبت تزويد الكونغرس مزيدا من المعلومات إذا اراد اوباما ان يحصل على الموافقة.

وتعتبر زعيمة الأقلية الجمهورية في مجلس النواب نانسي بيلوسي من اشد الداعمين للعمل العسكري في سوريا، وبالنسبة لرؤساء اللجان كلجنة العلاقات الخارجية ولجنة الشؤون العسكرية ولجنة الإستخبارات فإن أوباما يوليهم اهتماما خاصة أملا في دعمهم له في اقناع أعضاء لجانهم، وفي ذلك يمكن أن يؤثر رئيس لجنة الإستخبارات في مجلس النواب مايك روجرز (جمهوري) على لجنته بعد ان نجح مؤخراً في اسقاط قرار ينص على حجب التمويل عن وكالة الأمن القومي.

وكذلك يعول اوباما على رئيس لجنة العلاقات الخارجية إيد رويس (جمهوري) وعلى رئيس لجنة الشؤون العسكرية في التأثير على اعضاء لجنتيهما للتصويت على قرار الضربة العسكرية. ويلعب السيناتور جون ماكين (جمهوري) دورا هاما في مناقشات السياسة الخارجية للبيت الأبيض وهو مؤثر جدا داخل الحزب الجمهوري وله تأثير إعلامي أيضا كونه على علاقة وطيدة بأصحاب بعض المحطات الإعلامية التي تستضيفه أكثر من غيره من اعضاء الكونغرس، وقد اعلن موافقته على توجيه ضربة عسكرية ضد سوريا.

الكونغرس الأميركي وسرقة دور مجلس الأمن الدولي!
مجلس النواب .. هناك معارضون للضربة

أما باقي الجمهوريين الذي سيوافقون على شن ضربة عسكرية ضد سوريا فهم ممن يفكرون في ترشيح انفسهم للانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2016، فيعارضون الضربة العسكرية في العلن كي يستخدموها فيما بعد في حملتهم الانتخابية، والتسويق لأنفسهم بأنهم ادعياء سلام عالمي، ومنهم تيد كروز وراند بول وماركو روبيو وبول ريان. كما ان هناك بعض الأعضاء الجمهوريين الذين يمتلكون قدرة على التأثير بصورة شخصية، كالنائب جاستن اماش الأشد معارضة لقرار الضربة العسكرية، والنائب سكوت ريغل الذي لعب دورا مهما في إقناع مئة واربعين نائبا بإلزام اوباما بالرجوع إلى الكونغرس لأخذ الموافقة.

أما زملاء الرئيس اوباما من الديمقراطيين الذين يرغبون في الترشح للرئاسة فإنهم لغاية الآن لم يتخذوا قرارا بشأن الموافقة على الضربة العسكرية أو عدم الموافقة بعد بانتظار هيلاري كلينتون، ما عدا النائبة باربرا لي المناهضة للحرب والتي استطاعت ان تجير توقيع ستين نائبا لإلزام اوباما بالحصول على الموافقة قبل شن اي عمل عسكري ضد سوريا.

ثقة اوباما بالحصول على الموافقة من الكونغرس زادت بعد ان نال من لجنة الشؤون الخارجية الموافقة بنسبة 9 مقابل 7، وبذلك سيظهر بأنه:
-رجل يمارس الديمقراطية بنظر الأميركيين.
-انه ليس ظالما بحسب ما يعتقده بعد ان يُشبع الكلام عن الكيمائي في ما ينقله الإعلام عن تقديمه للأدلة في الكونغرس
-انه مفوض من الكونغرس، ولم يتخذ القرار بمفرده، ما يجعله متوازيا في تحمل المسؤولية مع الكونغرس.

ويضع مشروع القرار بالموافقة على الضربة العسكرية وفق "رويترز" حدا زمنيا وهو ستون يوما للعمل العسكري الأمريكي في سوريا مع الموافقة على تمديده مرة واحدة لمدة ثلاثين يوما بشروط معينة، منها عدم تواجد القوات المسلحة الأميركية على الأرض السورية، ويلزم القرار اوباما بالتشاور مع الكونغرس وعرض استراتيجية التسوية السياسية في سوريا، فهل سينجح بالوصول إلى التسوية السياسية بعد الضربة العسكرية؟ ام ستكون الضربة العسكرية هي نهاية المطاف لمسيرته السياسية وبالتالي لمسيرة الكونغرس الداعم للحرب على شعوب العالم؟ وبالتالي تشكيل نظام عالمي جديد لا وجود لكونغرس اميركي فيه؟ سؤال برسم الأيام المقبلة للإجابة عنه.

2013-09-05