ارشيف من :آراء وتحليلات
العدوان الأميركي المرتقب على سوريا
الأزمة السورية مقبلة في الآتي من الأيام على مرحلة نوعية بفعل القرار الأميركي الانخراط مباشرة في الصراع الدائر في سوريا وعليها منذ ما يزيد على العامين.
إن جلاء دلالات هذا القرار وأبعاده وتداعياته المحتملة أو المتوقعة يتطلب استدعاء بعض الحقائق والوقائع المتصلة بالأزمة السورية.
إن البعد الداخلي للأزمة السورية لا يشكل إلا نزراً يسيراً من أبعادها، وهو مع الوقت تحول إلى مجرد ستارة للأسباب الحقيقية للصراع الدائر في سوريا، ولأنه بهذه الركاكة سرعان ما اختفى من التداول لمصلحة الأسباب والدوافع والأهداف الحقيقية، والتي من أبرزها:
أ ـ توجيه ضربة استراتيجية لمحور المقاومة في المنطقة من خلال نقل سوريا من موقعها الحالي إلى الموقع النقيض.. الاستهداف المباشر هنا هو لإيران قاعدة هذا المحور ولحزب الله رأس حربة هذا المحور في مواجهة العدو الإسرائيلي.
هنا تتطابق المصلحة الإسرائيلية ـ السعودية ـ الأميركية إلى الحد الأقصى، بل ولدرجة يصح معها الحديث عن حلف صهيوني ـ وهابي في مواجهة هذا المحور، وهو الحلف نفسه الذي هلل لضرب حركة الأخوان السنية في مصر.
ب ـ تركيا التي تنظر إلى سوريا كحاجز أساسي بالمعنى الجغرافي والاستراتيجي سيحول دون مد نفوذها باتجاه المشرق العربي. وإذا أخذنا رهان تركيا على حلفها الموضوعي مع أخوان مصر، يمكن أن ندرك حجم الرهان التركي الذي يريد الإمساك بالمغرب العربي من خلال مصر والمشرق العربي من خلال تركيا.
ج ـ الصراع الكبير على مخزون الطاقة في المنطقة ببعديه النفطي والغازي، حيث تؤكد كل الدراسات وجود مخزون كبير منه في لبنان وسوريا. لنتصور للحظة واحدة أن يكون هذا المخزون تحت سيطرة وإدارة دول وحكومات محسوبة على خط المقاومة، فأي قدرات وإمكانات سيكون في متناول هذا الخط. أضف إلى ذلك الاشتباك الدولي ـ الإقليمي القائم حول مصادر وخطوط الطاقة خصوصاً بين الغرب والصين وروسيا.
هنا أيضاً ثمة تطابق كبير في المصالح بين الكيان الإسرائيلي النظام السعودي والولايات المتحدة.
د ـ من نافل القول، إن النظام السعودي يشعر منذ مدة أنه يكاد يكون وسط كماشة: طرفها الأول محور المقاومة بقاعدته إيران، وطرفها الثانية الأخوان المسلمون بقاعدتهم تركيا أولاً ومصر ثانياً. وذلك في وقت بالغ الدقة بالنسبة لنظام متهالك يمر في مرحلة انتقالية حرجة في ما يعني ترتيب توازنات السلطة.
ولذا كان طبيعياً أن يهلل النظام السعودي لسقوط الأخوان في مصر، وأن يندفع بكل قوته لتوجيه ضربة استراتيجية لإيران والمقاومة انطلاقاً من سوريا.
هـ ـ إن كلاً من روسيا والصين كانتا تخوضان مواجهة في سوريا لا تقف عند حدود الدفاع عن مصالح عينية مباشرة، وإنما تتجاوزها إلى تحديد سمات نظام دولي يكسر أحادية التحكم الأميركي فيه داخل مجلس الأمن وخارجه.
و ـ إن محور المقاومة إجمالاً يخوض في سوريا حرباً دفاعية بامتياز في مواجهة محاولات استهدافه وكسره.
ز ـ لقد بدا واضحاً، وتحديداً منذ معركة القصير المشهورة، أن ميزان الصراع في سوريا بدأ يميل بأرجحية واضحة لمصلحة محور المقاومة، لتجيء في ما بعد معركة درع العاصمة لتوجه أول ضربة قاسية لخطة الرياض المدعومة إسرائيلياً وأمريكياً من أجل تعديل توازن القوى، وإلحاق هزيمة بالنظام من خلال الوصول إلى العاصمة دمشق.
ح ـ بدا واضحاً مؤخراً وجود حقيقتين لا غبار عليهما: الأولى، إن الرهان على الأدوات لإلحاق هزيمة بالنظام ليس ممكناً، بل العكس هو الصحيح. والثانية، إن إلحاق هزيمة بالحلف الغربي ـ السعودي ـ الإسرائيلي ـ التركي أكثر من ممكنة بل باتت موضوعية، يضاف إليها أن تداعيات هذه الأزمة بدأت تضغط بقوة على مجمل محيطها والمعنيين بها بدءاً من تركيا ولبنان والأردن ومروراً بالعراق وليس انتهاءً بالنظام السعودي.
بناءً على ما تقدم، يمكن الخروج بالدلالات والأبعاد التالية:
أولاً: إننا إزاء مرحلة يتحول فيها الصراع في سوريا من حرب بالوكالة إلى حرب بالأصالة، ما يعني ضمنياً أن الوكلاء المعتمدين من قبل الغرب لم يعد بالإمكان الرهان عليهم، وأن الأزمة بلغت حداً بات يشكل تهديداً للحجم الكبير من الاستثمارات السياسية والمادية التي وضعها الحلف الغربي ـ السعودي ـ الإسرائيلي ـ التركي في سوريا، وهي خسارة استراتيجية لن تكون تداعياتها أقل من تداعيات عدوان تموز 2006 على المقاومة في لبنان.
ثانياً إن توقيت القرار الأميركي للانخراط المباشر في الصراع كاشف عن ما تقدم، وما أعلنه أوباما عن هدف العدوان الأميركي على سوريا يؤكد أن واشنطن تخوض هناك معركة كسر عظم، وأن كل ما سبق إعلانه لا يعدو أكثر من مجرد مناورات ولعب وأكاذيب وأضاليل.
فواشنطن لا تستطيع أن تتحمل هزيمة بهذا الحجم في سوريا لا بالنسبة لها، ولا بالنسبة لحلفائها.
ثالثاً: إن القرار الأميركي بشن عدوان على سوريا يضع معادلة توازن الردع المتبادل القائمة في المنطقة ودولياً محل اختبار عملي لأول مرة، وهو اختبار دقيق وحساس لا يحتمل أي شكل من أشكال المغامرة، أو الرهانات غير المحسوبة.
رابعاً: إن الهدف الرئيسي للحلف الصهيوني مع الوهابية السياسية (التي لها تعبيراتها المختلفة) هو تقويض كل مشروع وطني تحرري بمعزل عن الحاملين لهذا المشروع، سواء أكانوا وطنيين أو يساريين او قوميين أو إسلاميين سنة أو شيعة لا فرق، هكذا كان حال هذا الحلف في التصدي للمشروع القومي في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وهكذا حاله اليوم مع المشروع الإسلامي ببعديه السني والشيعي. وكل ذلك إفساحاً بالمجال لصعود طبقة سياسية جديدة من الحكام مصاغة ومطبوخة في الغرف المظلمة لهذا الحلف.
خامساً: إننا إزاء عدوان متدحرج قد يكون بيد الأميركي تحديد نقطة بداياته، إلا أن خطه البياني أو نتائجه المتنوعة فضلاً عن تداعياته، وتحديد نقاط نهاياته، لن يكون بيده حكماً.
إن الأشهر القادمة ستكون الأصعب، خصوصاً من الآن وحتى الربيع المقبل، والحصيلة النهائية للعدوان الأميركي ستضعنا أمام صورة جديدة للواقع في المنطقة، بل والعالم.