ارشيف من :آراء وتحليلات
أوباما: قرارات مترددة وخطوة الى الوراء
فاجأ أوباما العالم وأدھشه بقراراته المتسرعة والمتناقضة:
بداية فاجأ الرئيس الأميركي العالم باندفاعته في الملف السوري عندما أكد عزمه على توجيه ضربة عسكرية ضد النظام السوري لأنه استخدم السلاح الكيماوي. ھذه الضربة حددت لها مواعيد ثم أرجئت. ثم وبسرعة قرر اوباما تجميد مشروع الضربة العسكرية ضد سوريا. وكمخرج لأزمته، وضع قراره المبدئي بالضربة التأديبية في عھدة الكونغرس. وكأنه تذكر فجأة الصلاحيات ، و اعلن أنه يريد تفويضا وغطاء ومساعدة من الكونغرس كمخرج لمأزق يصعب عليه التقدم أو التراجع من دونه... وباشرت الادارة الاميركية قرع طبول الحرب وعاش العالم لايام على اعصابه يترقب العدوان خلال ساعات .
وفجأة تقدمت روسيا بمبادرة لمراقبة السلاح الكيماوي السوري فتلقفها بسرعة اوباما كمخرج لتخبطه ومأزقه .
ان قرارات اوباما المترددة تعني استمرار "اللاقرار" في موضوع الضربة العسكرية مما شكل صدمة وخيبة لحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة. فإسرائيل لم تعد واثقة من استعدادات أوباما حيال السلاح النووي الإيراني إذا كان تعاطيه على ھذا القدر من التردد والتخبط حيال السلاح الكيماوي السوري. ودول الخليج منزعجة من استمرار حال العجز والتقاعس، والمعارضة السورية محبطة ولا تريد أن تصدق أن ھناك تراجعا أميركيا لا بل تقدم تبريرا لما فعله وتقنع نفسھا أن أوباما خطا خطوة الى الوراء ليتقدم خطوات الى الأمام وليعاود مشروع الضربة العسكرية من موقع داخلي أقوى، وأن تأجيل الضربة ھو بھدف دراستھا بشكل أعمق وتحضير الحلول والبدائل لمرحلة ما بعد انھيار النظام، وأن موقفه يعكس مناورة لتحقيق عدة أھداف مثل الحصول على غطاء سياسي داخلي يخوّله قيادة تحالف دولي ضد الرئيس الأسد مع ممارسة ضغوط على الروس القلقين من تداعيات الضربة العسكرية ... أما خصوم أوباما فإنھم عند رؤيتھم لتعثره وارتباكه زادوا ضغوطھم ورفعوا من وتيرة التحدي والمواقف التي توحي بالارتياح والإمساك بزمام المبادرة... كان السؤال قبل أيام: متى تقع الضربة العسكرية الأميركية بعدما أصبحت مؤكدة وحتمية؟! اليوم السؤال المطروح بقوة: لماذا تراجع أوباما ولم يقدم على تنفيذ تھديده؟، ھذا الموضوع استحوذ على اھتمامات وتعليقات كثيرة والأسباب التي وردت عند مراقبين وخبراء في شؤون السياسة الأميركية والشرق الأوسط ركزت على النقاط التالية في تعداد أسباب مباشرة وغير مباشرة وراء تراجع أوباما:
1-شخصية أوباما السياسية التي تتميّز بالتردد والتراجع عند الضغط .
2-عدم وجود رؤية سياسية واضحة لديه ازاء الأزمة السورية التي قرر الھروب منھا منذ اندلاعھا ولكنھا لاحقته وأوقعته في فخ الخطوط الحمر التي رسمھا.
3-استراتيجية الانكفاء وعدم التورط في حروب خارجية التي طبعت سياسة أوباما في الشرق الأوسط بدلا من استراتيجية الھجوم التي اتبعھا الرئيس السابق جورج بوش. وھذا يعود الى التجربة الأميركية المرة في أفغانستان والعراق، وحتى أنه يرتبط بالأزمة الاقتصادية الأميركية وميل أوباما الى عدم تحمّل مسؤوليات وأكلاف أي حرب جديدة.
4-الموقف البريطاني المفاجئ الناجم عن رفض مجلس العموم البريطاني إعطاء تفويض وغطاء لرئيس الوزراء ديفيد كاميرون. خروج بريطانيا الشريك التقليدي والدائم للولايات المتحدة في كل حروبھا، خذل أوباما وصدمه ... فالغياب البريطاني لا يعوّضه حضور فرنسي خصوصا إذا كانت ألمانيا وإيطاليا أيضا ودول أوروبية أخرى معترضة على قرار الحرب.
5-اتجاه الموقف الروسي الى التصعيد والتھديد بعواقب وخيمة على النظام العالمي وعلى الاستقرار الإقليمي بعدما تيقن الروس من تضعضع الأرضية السياسية والدبلوماسية للضربة العسكرية الأميركية مع إقفال باب مجلس الأمن وحصول تصدّع في الموقف الأوروبي...
6-التھديدات الإيرانية التي أبلغت الى الولايات المتحدة عبر طرق ورسائل جرى إبلاغھا الى سلطان عمان السلطان قابوس الذي زار طھران في مسعى وساطة بين الولايات المتحدة وإيران، والى جيفري فيلتمان الذي زار طھران بصفته مساعدا للأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية ولكنه زارھا واقعيا بصفته موفدا أميركيا خاصا. ولاحقا عملت إيران على توضيح حجم رد فعلھا والمضاعفات الناجمة عن قصف سوريا والتي ستتجاوز حدود سوريا وتطال إسرائيل.
كما حذرت إيران الأميركيين من أن الوضع سيصبح خارج السيطرة وسيكون من الصعب التحكم بمجريات الأحداث وحجم الضربة ومداھا والوضع الذي ينشأ...
التريث الأميركي يساوي حتى الآن تأجيلا للعدوان، و كلما طال أمد التريث كلما ضعفت احتمالات العدوان وتراجعت ، وبالتالي يصبح التأجيل بمثابة إلغاء ... كان في إمكان أوباما الذھاب الى حرب بلا تفويض والعودة الى الكونغرس لاحقا، ولكنه قرر أنه يريد مزيدا من الوقت ليعد ضربته وظروف نجاحھا جيدا أم ليعد إخراجا مناسبا للتراجع؟! و هكذا بعدما أخرج قراره من آليات الأمم المتحدة ومجلس الأمن أدخله في متاھة الانقسامات الداخلية الأميركية و الأوروبية.
العامل المحدد لتراجع اوباما هو مراجعته لحسابات الصراع على قاعدة المصالح وموازين القوى وتوازن الرعب . باختصار لقد نجحت جبهة المقاومة والممانعة بفرض معادلة اما التراجع واما حرب شاملة طويلة الأمد مما يعني تحول سوريا الى فيتنام جديدة. امام هذه المعادلة اختار اوباما التجاوب مع المبادرة الروسية والتراجع خطوة الى الوراء تحضيراً لخطة جديدة مترددة بين الحل السياسي وتحريك التسوية. وفي كل الحالات لم يعد اوباما وحده صاحب القرار.