ارشيف من :آراء وتحليلات

تونس : فصل جديد من الصراع بين الحكومة والاعلام !

تونس : فصل جديد من الصراع بين الحكومة والاعلام !
تعيش تونس على وقع أزمة حقيقية بين الحزب الحاكم من جهة ورجال الإعلام من جهة أخرى. حيث بات مثول الصحفيين أمام القضاء وإيداعهم المعتقلات والسجون أمراً مألوفا وظاهرة تثير الإنتباه. فبعد التعيينات التي قامت بها الحركة الحاكمة في البلاد على رأس المؤسسات الإعلامية العمومية والتي كان أساسها الولاء، والتي أثارت سخطا لدى أهل القطاع وسلط عليها موقع "العهد الإخباري" الضوء في تحليل سابق، قامت النيابة العامة باستدعاء ثلاثة صحفيين من ذوي "الأوزان الثقيلة" وإيداع ملفاتهم لدى قضاة التحقيق من أجل أفعال لا ترقى إلى مستوى الجرائم بحسب كثير من المختصين في القانون.

ولعل الجامع بين الإعلاميين المحالين على القضاء هو معارضتهم الشديدة لعملية الإطاحة بنظام دمشق ومساندتهم له، ومشاركة بعضهم في تلك الرحلة الشهيرة التي قام بها صحفيون بمعية عائلات شباب مغرر به سافر إلى سوريا لقتال النظام. وقد شهدت هذه الرحلة اعتذار هؤلاء بإسم الشعب التونسي من النظام عما بدر من هذا الشباب الذي تم تجنيده وإرساله إلى بلاد الشام من قبل جماعات تكفيرية استغلت صغر سنه وجهله بأمور دينه ودنياه.

قانون منسوخ

ولعل الحادثة التي أثارت أكثر من غيرها اهتمام الرأي العام الوطني هي حادثة حبس الصحفي زياد الهاني، ليس لأن الرجل كان من أشرس معارضي بن علي خلال الحقبة السابقة، وليس لأن الهاني عضو ناشط في نقابات إعلامية إقليمية ودولية، بل لأن اعتقاله تمّ من خلال خروقات قانونية. فالهاني كان قد تحدث في قناة "نسمة" الفضائية عن قيام النيابة العامة التونسية بإحالة مصور صحفي على قاضي التحقيق من خلال نص قانوني تم نسخه سنة 1975 بعد إصدار قانون الصحافة الذي تم نسخه بدوره بعد الثورة من خلال مرسوم منظم لعمل الصحفيين ألغى العقوبات البدنية نهائيا واقتصر الأمر حين معاقبة الصحفيين على الخطايا المالية.

تونس : فصل جديد من الصراع بين الحكومة والاعلام !
انضمام الصحافيين للمناهضين للحكومة التونسية
واتهم الهاني النائب العام ليس فقط بجهل القانون وبجريمة احتجاز شخص بدون أي وجه حق، وإنما أيضا بالكذب وبأنه رفقة زملاء له جزء من منظومة فاسدة تستغلها حركة "النهضة" ووزير العدل السابق المحامي نور الدين البحيري. فما كان من النيابة العامة إلا أن استدعت الهاني ومثل الرجل أمام قاضي التحقيق وتم إصدار بطاقة إيداع بالسجن في حقه، واقتحم الأمن مكتب قاضي التحقيق واختطف الهاني رغم الحشود والجماهير من الإعلاميين والمحامين التي كانت تمنع ذلك. وأمام الضغط الذي سلط لاحقا أصدرت النيابة لدى محكمة الإستئناف قرارا بالإفراج عن زياد الهاني لكنه لم ينفذ وقضى الإعلامي التونسي نهاية الأسبوع بالسجن فيما سمي في تونس بـ"الفضيحة" التي جعلت الكل يستنكر وينتقد الحال الذي وصل إليه القضاء في تونس.

وللمرزوقي نصيب..

كما دخلت أيضا على الخط رئاسة الجمهورية وتقدمت بشكوى ضد إعلامي تحدث في برنامج عن راتب يناله رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي من قناة "الجزيرة" القطرية باعتباره متعاونا مع هذه القناة وهو ما يتعارض مع القانون التونسي. فسارعت النيابة إلى استدعاء مدير إذاعة إكسبرس إف إم زهير الجيس ومثل في نفس اليوم مع زياد الهاني أمام قاضي التحقيق، وذلك رغم أن المرزوقي قد تعهد في وقت سابق أنه لن يتقدم بشكوى ضد صحفي ما دام رئيسا للبلاد وأن صدره سيتسع للنقد.

ومن بين المحالين على التحقيق أيضا مدير قناة "الحوار" التونسي الطاهر بن حسين الذي وجهت إليه تهمة التحريض على النظام واستهداف استقرار البلاد بعد أن دعا في قناته التونسيين إلى الإمتناع عن دفع الضرائب تمردا على الحكومة التي لا ترغب في الإستقالة. والطاهر بن حسين هو قيادي في حزب "نداء تونس" الذي يرأسه رئيس الحكومة الأسبق الباجي قائد السبسي وهو ما سيزيد من تأزم العلاقة بين هذا الحزب وحركة "النهضة" وقد يؤثر لاحقا على مساعي الصلح بين الجانبين وعلى الحوار الوطني الذي يقوده الإتحاد العام التونسي للشغل.

معسكر الرحيل

ومثلما أشار موقع "العهد الإخباري" في تحليل سابق، فإن نقابة الصحفيين التونسيين التي كانت طرفا محايدا في الصراع الدائر بين المعارضة والموالاة في تونس انضمت إلى صفوف معسكر الرحيل الذي يطالب باستقالة الحكومة. ونظمت إلى جانب الهيئة الوطنية للمحامين مظاهرة بساحة القصبة (مقر الحكومة) مطالبة باستقالة حكومة علي العريض. ويرى مراقبون بأن الفريق الحاكم بصدد التوسيع في قائمة الأعداء وبأنه فتح على نفسه جبهة كان في غنى عنها ولم يكن هناك مبرر لما حصل خاصة في هذا الظرف الحساس الذي تشهده الساحة السياسية التونسية.

تونس : فصل جديد من الصراع بين الحكومة والاعلام !
الصحافي زياد الهاني ..
ويشار إلى أن البلاد تشهد أيضا جدلا محتدما بعد تسرب وثيقة سرية من وزارة الداخلية تفيد بإعلام وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية السي آي إيه الإستخبارات التونسية بوجود مخطط لاغتيال النائب محمد البراهمي قبل حصول الإغتيال بإحدى عشر يوما، لكن السلطات التونسية لم تحرك ساكنا ولم توفر حراسة للبراهمي. وقد أكد وزير الداخلية صحة الوثيقة وأكد عدم إعلامه بها من قبل الأجهزة الأمنية العاملة معه في الوزارة وهو ما رأت فيه المعارضة دليلا على التقصير الحكومي يوجب الإستقالة الفورية للحكومة، كما دعا فريق من التونسيين إلى فتح تحقيق عن اختراق أجهزة الإستخبارات الأجنبية للبلاد التونسية.
2013-09-17