ارشيف من :آراء وتحليلات
الانتخابات الألمانية المقبلة .. مفاجآت وخيبات!
الفيديرالية الألمانية لديها مشاكلها الخاصة التي تقلص مطامحها للاضطلاع بدور قيادي في القارة الاوروبية. ويبدو ان عطلة الصيف هذه السنة ستكون طويلة، والقادة الأوروبيون يمطون بإجازاتهم على الشواطئ وكأنهم ينتظرون أمراً مهما. وهذا الأمر يتعلق طبعا بالانتخابات النيابية الألمانية التي ستجري في أواخر هذا الصيف، والتي يعلق القادة الأوروبيون على نتائجها اهمية كبيرة، قبل الشروع في تطبيق أفكارهم المدرجة في اللوائح الطويلة لإعادة إنهاض اوروبا. ولكن مهما كانت الآمال كبيرة ومهما كان دور برلين هاماً لاوروبا، فإن الانتخابات الالمانية ستحمل المفاجآت، وخيبة امل كبيرة للبعض، حسب تقدير العديد من الخبراء.
زعيمة رغما عنها
خلال السنوات الخمس الأخيرة، كانت ألمانيا مضطرة كي تأخذ على عاتقها دور الزعيمة الأوروبية رغما عنها، وقد ضخّم نفوذها السياسي والدبلوماسي، كي يتطابق مع موقعها الاقتصادي الرئيسي. لقد كانت ألمانيا تقدم الأموال، وتتحقق من وجهة السير وتحددها. وبالنسبة للقادة الأوروبيين الآخرين، المنهكين من الصراع ضد الأزمة، فإن ألمانيا كانت تمثل الأمل الكبير لمعالجة عدم الاستقرار من أسسه. ومع الاعتراف بأن اليونان لا تزال بحاجة الى المساعدة، فقد أدركوا أن الوقت الآن غير مناسب لأن تطرح مواضيع لا تعجب انجيلا ميركيل خاصة والالمان عامة. وهم يفكرون كما يلي "لننتظر انتهاء الانتخابات، وحينئذ يكون امامنا تقدم حقيقي". ولكن لسوء الحظ فإن هذه الامال حول تحقيق تقدم حقيقي هي مبنية على فهم خاطئ لألمانيا والأرجح ان تكون في غير محلها.
فعلى ما يبدو أنه يجري التقليل من أهمية المشكلات السياسية الداخلية في ألمانيا. ان القوة الاقتصادية الألمانية الماثلة للعيان تدفع بقية اجزاء اوروبا للاعتقاد ان المانيا المعاصرة هي الثري العملاق في هذا الوقت.
انجيلا ميركل... توتر بعد نتائج بفاريا
ولكن بالرغم من نجاحاتها فهي لديها مشكلات جدية، ظهرت على السطح اثناء الحملة الانتخابية الراهنة. فالألمان متضايقون من التفاوت في المداخيل، ومن التوقعات الديموغرافية المقلقة، وتقلص التوظيفات، وتردي حالة البنية التحتية، والمشكلات في التعليم العالي وفي التنمية. وبالنظر الى هذه المشكلات من الخارج، فربما لا يبدو ذلك سيئا للغاية، ولكن في المانيا بالذات فهذه المشكلات تبدو كبيرة الى درجة انها تسكب ماء باردا على كل الطموحات للقيام بدور قيادي في القارة الاوروبية.
"روشتة" النجاح
وفي الوقت ذاته فإن الالمان يعتقدون ان نجاحهم الأكيد يعود الى جهودهم الخاصة (ولا سيما بالمقارنة مع جنوب اوروبا). لقد مروا باصلاحاتهم المؤلمة: الرقابة على النفقات الخاصة بالأجور والجهود الأخرى الكثيرة، من أجل أن يؤمنوا القدرة التنافسية لسلعهم العالية الجودة المخصصة للتصدير. وهذا بالنسبة لهم هو سر نجاحهم الخاص، وليس انفاق الأموال، وهذا هو السبب الذي يدفع ألمانيا كي تستمر في الاصرار بأن تماسك الميزانية هو الطريق نحو الازدهار الاقتصادي. ويمكن التأكيد أن ألمانيا قد استفادت من العضوية في منطقة اليورو، ما اعطاها عملة قوية مقدرة بأقل من قيمتها، كما استفادت من الانفجار غير المتوقع للطلب على منتجاتها العالية الجودة في الصين. ولكن من جهة ثانية يمكن أيضا التأكيد أن سياسة التقشف هي علاج يمكن ان يضر بالمريض اكثر مما يفيده. ولكن على كل حال فإن الآمال الكبيرة بأن الكرم الالماني سوف يتحول الى استراتيجية للتنمية، قادرة على تحفيز كل الاقتصاد الأوروبي، سوف تبقى غير مبررة، حتى ما بعد الانتخابات.
ان الالمان مهتمون ايضا بالوجهة المؤسسية، التي تتحرك من ضمنها اوروبا. في كل مكان في أوروبا ينظر مثلا الى الاتحاد البنكي بوصفه جزءا رئيسيا من أجل حل الأزمة، ومن اجل تأمين الاستقرار للمشروع الأوروبي ومن أجل التفريق بين ماليات الدول وماليات البنوك. ولكن ألمانيا تتباطأ في هذا الشأن (كما وفي العديد من مناطق الاصلاحات الجوهرية). ان العقبات القانونية والسياسية أمام مختلف القطاعات القادرة على احتمال الاصلاحات، التي لن تعجب الألمان، لن تزول فجأة، اذا تشكل ائتلاف جديد في برلين. إن المانيا معتادة على نهجها البراغماتي البطيء في معالجة الأزمة، ولن يتغير هذا النهج الا إذا عاد عدم الاستقرار الخطير إلى الاسواق.
الدور المتواضع للمسرح العالمي
ومن المتوقع ايضا ان تتحطم ايضا الطموحات الكبيرة لاوروبا حول المسرح الدولي. فإن الفشل في البرلمان لدافيد كاميرون حول التدخل في سوريا كان مفاجأة للجميع، أخذا بالاعتبار الدور الرئيسي الذي تلعبه بريطانيا وفرنسا في السياسة الخارجية لاوروبا. ان قرار المانيا بعدم الانضمام للتدخل لم يكن مفاجأة. ولكن الكثيرين يعتقدون ان اوروبا يمكن ان تكون قوة دولية فقط بمشاركة المانيا، اخذا بالاعتبار حجم نفوذها. وبالرغم من ان اوروبا تحتاج الى المانيا، اذا كانت تريد ان تكون مركز جذب استراتيجيا حقيقيا، فإن المانيا ذاتها تبدو وكأنها ليست مركز جذب، وهي تفضل التجارة على الدبلوماسية. وهذا لن يتغير.
ان القادة الاوروبيين، الذين يتسارع لهاثهم عشية الانتخابات الالمانية، لا ينبغي ان يخلطوا بين امالهم الخاصة حول المانيا وبين رغبات المانيا بالذات، أيا كان الطرف الذي سيكسب الانتخابات يوم الاحد القادم في 22 ايلول الجاري. فالطريق بين تأمين الطاقة وبين الرؤية، اللذين هما ضروريان حسب الجزء الاخر من اوروبا، لاجل حل الازمة من اساسها، هو طريق طويل. ان المانيا بعد الانتخابات سيكون لها نهج مماثل لنهجها قبل الانتخابات: نهج يعتمد على القوانين، حذِر وذو تحفظات نحو المشاريع واللفتات الكبيرة، بصرف النظر عما ستكون عليه توقعات جيرانها الاوروبيين.
مفاجأتان من بافاريا
ان الحزب المشارك لأنجيلا ميركيل (الاتحاد المسيحي الاجتماعي) كسب الاكثرية المطلقة في الانتخابات للبرلمان المحلي في مقاطعة بافاريا الجنوبية الغنية، وبذلك ثبّت ادارته، التي مضى عليها حوالى 60 سنة. فبمعدل 48% تقريبا من الاصوات و101 مقعد من اصل 180 مقعدا في المجلس المحلي، فإن "الاتحاد المسيحي الاجتماعي" اعطى الآمال للمحافظين على النطاق الفيديرالي، بأنهم سيمثلون بشكل جيد في انتخابات 22 ايلول/سبتمبر، التي تأمل فيها ميركيل ان تكسب تفويضا لولاية ثالثة.
ان حزب ميركيل (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) يحكم على النطاق الفيديرالي بمشاركة خاصة من "الاتحاد المسيحي الاجتماعي". وفي كل مكان خارج بافاريا فإن الحزبين يشاركان في الانتخابات في لائحة مشتركة.
اما في بافاريا فاللائحة تشمل "الاتحاد المسيحي الاجتماعي" وحده، ولا يتم بها التصويت لـ"الاتحاد المسيحي الديمقراطي". ولكن في البوندستاغ (البرلمان) في برلين فإن مندوبي "الاتحاد المسيحي الديمقراطي" يمثلون حوالى ربع النواب المحافظين.
ولكن مفاجأة سيئة جاءت ايضا من بافاريا، وهي ان حزبا آخر مشاركا في الائتلاف مع ميركيل، هو "الحزب الديمقراطي الحر"، تعرض لضربة شديدة، اذ انه خسر جميع مقاعده الـ16 في البرلمان المحلي. وهذا يزيد المخاوف حول ما اذا كان هذا الحزب سيستطيع بلوغ عتبة نسبة الـ5% ليحق له الدخول الى البوندستاغ (البرلمان).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل
زعيمة رغما عنها
خلال السنوات الخمس الأخيرة، كانت ألمانيا مضطرة كي تأخذ على عاتقها دور الزعيمة الأوروبية رغما عنها، وقد ضخّم نفوذها السياسي والدبلوماسي، كي يتطابق مع موقعها الاقتصادي الرئيسي. لقد كانت ألمانيا تقدم الأموال، وتتحقق من وجهة السير وتحددها. وبالنسبة للقادة الأوروبيين الآخرين، المنهكين من الصراع ضد الأزمة، فإن ألمانيا كانت تمثل الأمل الكبير لمعالجة عدم الاستقرار من أسسه. ومع الاعتراف بأن اليونان لا تزال بحاجة الى المساعدة، فقد أدركوا أن الوقت الآن غير مناسب لأن تطرح مواضيع لا تعجب انجيلا ميركيل خاصة والالمان عامة. وهم يفكرون كما يلي "لننتظر انتهاء الانتخابات، وحينئذ يكون امامنا تقدم حقيقي". ولكن لسوء الحظ فإن هذه الامال حول تحقيق تقدم حقيقي هي مبنية على فهم خاطئ لألمانيا والأرجح ان تكون في غير محلها.
فعلى ما يبدو أنه يجري التقليل من أهمية المشكلات السياسية الداخلية في ألمانيا. ان القوة الاقتصادية الألمانية الماثلة للعيان تدفع بقية اجزاء اوروبا للاعتقاد ان المانيا المعاصرة هي الثري العملاق في هذا الوقت.
انجيلا ميركل... توتر بعد نتائج بفاريا
"روشتة" النجاح
وفي الوقت ذاته فإن الالمان يعتقدون ان نجاحهم الأكيد يعود الى جهودهم الخاصة (ولا سيما بالمقارنة مع جنوب اوروبا). لقد مروا باصلاحاتهم المؤلمة: الرقابة على النفقات الخاصة بالأجور والجهود الأخرى الكثيرة، من أجل أن يؤمنوا القدرة التنافسية لسلعهم العالية الجودة المخصصة للتصدير. وهذا بالنسبة لهم هو سر نجاحهم الخاص، وليس انفاق الأموال، وهذا هو السبب الذي يدفع ألمانيا كي تستمر في الاصرار بأن تماسك الميزانية هو الطريق نحو الازدهار الاقتصادي. ويمكن التأكيد أن ألمانيا قد استفادت من العضوية في منطقة اليورو، ما اعطاها عملة قوية مقدرة بأقل من قيمتها، كما استفادت من الانفجار غير المتوقع للطلب على منتجاتها العالية الجودة في الصين. ولكن من جهة ثانية يمكن أيضا التأكيد أن سياسة التقشف هي علاج يمكن ان يضر بالمريض اكثر مما يفيده. ولكن على كل حال فإن الآمال الكبيرة بأن الكرم الالماني سوف يتحول الى استراتيجية للتنمية، قادرة على تحفيز كل الاقتصاد الأوروبي، سوف تبقى غير مبررة، حتى ما بعد الانتخابات.
ان الالمان مهتمون ايضا بالوجهة المؤسسية، التي تتحرك من ضمنها اوروبا. في كل مكان في أوروبا ينظر مثلا الى الاتحاد البنكي بوصفه جزءا رئيسيا من أجل حل الأزمة، ومن اجل تأمين الاستقرار للمشروع الأوروبي ومن أجل التفريق بين ماليات الدول وماليات البنوك. ولكن ألمانيا تتباطأ في هذا الشأن (كما وفي العديد من مناطق الاصلاحات الجوهرية). ان العقبات القانونية والسياسية أمام مختلف القطاعات القادرة على احتمال الاصلاحات، التي لن تعجب الألمان، لن تزول فجأة، اذا تشكل ائتلاف جديد في برلين. إن المانيا معتادة على نهجها البراغماتي البطيء في معالجة الأزمة، ولن يتغير هذا النهج الا إذا عاد عدم الاستقرار الخطير إلى الاسواق.
الدور المتواضع للمسرح العالمي
ومن المتوقع ايضا ان تتحطم ايضا الطموحات الكبيرة لاوروبا حول المسرح الدولي. فإن الفشل في البرلمان لدافيد كاميرون حول التدخل في سوريا كان مفاجأة للجميع، أخذا بالاعتبار الدور الرئيسي الذي تلعبه بريطانيا وفرنسا في السياسة الخارجية لاوروبا. ان قرار المانيا بعدم الانضمام للتدخل لم يكن مفاجأة. ولكن الكثيرين يعتقدون ان اوروبا يمكن ان تكون قوة دولية فقط بمشاركة المانيا، اخذا بالاعتبار حجم نفوذها. وبالرغم من ان اوروبا تحتاج الى المانيا، اذا كانت تريد ان تكون مركز جذب استراتيجيا حقيقيا، فإن المانيا ذاتها تبدو وكأنها ليست مركز جذب، وهي تفضل التجارة على الدبلوماسية. وهذا لن يتغير.
ان القادة الاوروبيين، الذين يتسارع لهاثهم عشية الانتخابات الالمانية، لا ينبغي ان يخلطوا بين امالهم الخاصة حول المانيا وبين رغبات المانيا بالذات، أيا كان الطرف الذي سيكسب الانتخابات يوم الاحد القادم في 22 ايلول الجاري. فالطريق بين تأمين الطاقة وبين الرؤية، اللذين هما ضروريان حسب الجزء الاخر من اوروبا، لاجل حل الازمة من اساسها، هو طريق طويل. ان المانيا بعد الانتخابات سيكون لها نهج مماثل لنهجها قبل الانتخابات: نهج يعتمد على القوانين، حذِر وذو تحفظات نحو المشاريع واللفتات الكبيرة، بصرف النظر عما ستكون عليه توقعات جيرانها الاوروبيين.
مفاجأتان من بافاريا
ان الحزب المشارك لأنجيلا ميركيل (الاتحاد المسيحي الاجتماعي) كسب الاكثرية المطلقة في الانتخابات للبرلمان المحلي في مقاطعة بافاريا الجنوبية الغنية، وبذلك ثبّت ادارته، التي مضى عليها حوالى 60 سنة. فبمعدل 48% تقريبا من الاصوات و101 مقعد من اصل 180 مقعدا في المجلس المحلي، فإن "الاتحاد المسيحي الاجتماعي" اعطى الآمال للمحافظين على النطاق الفيديرالي، بأنهم سيمثلون بشكل جيد في انتخابات 22 ايلول/سبتمبر، التي تأمل فيها ميركيل ان تكسب تفويضا لولاية ثالثة.
ان حزب ميركيل (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) يحكم على النطاق الفيديرالي بمشاركة خاصة من "الاتحاد المسيحي الاجتماعي". وفي كل مكان خارج بافاريا فإن الحزبين يشاركان في الانتخابات في لائحة مشتركة.
اما في بافاريا فاللائحة تشمل "الاتحاد المسيحي الاجتماعي" وحده، ولا يتم بها التصويت لـ"الاتحاد المسيحي الديمقراطي". ولكن في البوندستاغ (البرلمان) في برلين فإن مندوبي "الاتحاد المسيحي الديمقراطي" يمثلون حوالى ربع النواب المحافظين.
ولكن مفاجأة سيئة جاءت ايضا من بافاريا، وهي ان حزبا آخر مشاركا في الائتلاف مع ميركيل، هو "الحزب الديمقراطي الحر"، تعرض لضربة شديدة، اذ انه خسر جميع مقاعده الـ16 في البرلمان المحلي. وهذا يزيد المخاوف حول ما اذا كان هذا الحزب سيستطيع بلوغ عتبة نسبة الـ5% ليحق له الدخول الى البوندستاغ (البرلمان).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل