ارشيف من :آراء وتحليلات
مشهد العراق الأمني.. أحداث ووقائع مقلقة!
لم يستطع محمود وكاع الجبوري، ذلك الرجل العجوز الذي أنهكته الدنيا تحمل صدمة استشهاد خمسة من ابنائه على ايدي الجماعات الارهابية المسلحة، وسقط على الارض منهارا من هول تلك الصدمة! وصرخ بعد ان القى بنفسه على نعوش ابنائه الخمسة "اعطوني سلاحا اريد ان اقتل نفسي، اريد ان اكون سادسهم لا اريد الحياة بعد فراقهم".. لكنه عاد بعد ان استرد انفاسه ليقول "اقسم بالسماء والدين والارض اني لن ارتاح ولن تغفو لي عين الا بعد الانتقام لدماء اولادي الذين قتلوا بأياد قذرة دمرت العراق وشعبه وارادت للاسلام الدمار فقتلت الشعب على الهوية شيعة واكرادا وتركمانا بذريعة العمالة"!. وسأل من هو العميل؟ ومن يدمر ويقتل؟ ومن يسمح بهدم المنازل والعائلات وزيادة الارامل والثكالى واليتامى غير هؤلاء المجرمين؟".
وعائلة محمود وكاع الجبوري كانت تقطن في محافظة الموصل، وقد تركت منزلها هناك بعد ان تلقت تهديدات عديدة من جماعات ارهابية مسلحة، لذلك قرر الاب وبعد التشاور مع ابنائه اختيار محافظة كركوك كمكان لاقامة مؤقتة حتى تتغير الظروف ويكون متاحا لهم العودة الى منزلهم.
الارهاب يضرب يوميا في العراق
ويبدو ان الجماعات الارهابية التي وجهت التهديدات لعائلة وكاع لم تكتف بإرغامهم على ترك منزلهم ومنطقتهم، بل انها كانت تفكر بأبعد واكثر من ذلك، أي ان نيتها كانت تتمثل بتصفية ابناء ذلك الشيخ الكبير، وبالفعل حصل ذلك، والحجة على ما يبدو هي انهم كانوا يعملون بنظام العقود مع شركات لتشييد الابنية، وبحسب منطق الجماعات الارهابية فإن تلك الشركات تعمل في خدمة الدولة والحكومة، فهي بالتالي عميلة ومأجورة.
ان الفاجعة التي حلت بالرجل الكبير الطاعن في السن محمود وكاع الجبوري ليست إلا نموذجا أو مثالا من بين مئات أو الاف النماذج والأمثلة على الارهاب الدموي التكفيري والصدامي ضد المدنيين الأبرياء من ابناء الشعب العراقي، الذي اجتاح العراق بعد سقوط نظام صدام، واستشرى واستفحل خلال الاعوام 2005 و 2006 و 2007، بدعم واسناد وتمويل من جهات خارجية عديدة في مقدمتها المملكة العربية السعودية.
فكثير من التقارير الخاصة والعامة، اوردت خلال الاعوام العشرة الماضية أرقاما وحقائق ومعلومات لا يرقى لها الشك عن طبيعة الدور السعودي بدعم وتمويل الارهاب، واكثر من ذلك ان كبار الساسة السعوديين لا يتحرجون ولا يترددون في الاعتراف والاقرار بأن السعودية تسعى الى افشال العملية السياسية في العراق، واسقاط الحكومة القائمة بسبب توجهها وهويتها الطائفية، مثلما يرون ويفترضون ذلك.
وفي عام 2005 وبعده، كتبت صحف اميركية وبريطانية عديدة تقارير ودراسات ومقالات أوضحت فيها أن المملكة العربية السعودية تعد اكبر الممولين للارهاب في العراق، وبنفس المعنى تحدث مستشار الأمن الوطني السابق موفق الربيعي قبل بضعة ايام، وتحدث غيره، ومن بينهم السفير الاميركي السابق في العراق كريستوفر هيل.
ويتذكر الكثيرون ان تسريبات ظهرت في عدد من وسائل الاعلام العراقية وغير العراقية بعد تولي بندر بن سلطان رئاسة جهاز المخابرات السعودي في حزيران/يونيو من العام الماضي، عن توجهه الى العمل وبالتعاون مع اجهزة مخابرات اقليمية لاعادة تفعيل موجة الارهاب التكفيري في العراق!.
ويمكن للمراقب ان يشخص حقيقة انه منذ تربع بندر على قمة هرم المؤسسة الأمنية في السعودية، ارتفع مؤشر العمليات الارهابية في العراق، ليس هذا فحسب، بل إنه خلال الشهور القلائل الماضية عادت مظاهر الارهاب التي سادت خلال عامي 2005 و 2006 الى البروز مجددا، وبنفس المدن والمناطق التي كانت في وقت من الاوقات قواعد ومنطلقات للجماعات الارهابية التابعة لتنظيم "القاعدة" وبقايا حزب البعث المنحل.
ففي فترة زمنية قصيرة شهدنا عمليات قتل بطريقة همجية بشعة طالت افراد عوائل بكاملها تنتمي للمذهب الشيعي في منطقة اللطيفية جنوب العاصمة بغداد، وفي محافظة نينوى، وفي قضاء ابو غريب، وفي محافظة ديالى، والى جانب عمليات القتل، راحت المنشورات التهديدية تنتشر في تلك المدن والمناطق، الأمر الذي دفع عشرات او مئات العوائل الى ترك منازلها، وخصوصا ما حصل لابناء المكون الشبكي في محافظة نينوى، مضافا الى ذلك استهداف موظفي الدولة، لا سيما المسؤولين الحكوميين.
وعمليات القتل والتهديد والتهجير هذه لم تأت من فراغ، وإنما هناك جهات تخطط وتمول وتشجع، وهي ذات الجهات التي ما فتئت تحاول ان تأتي على كل ما تحقق من أمور ايجابية في العراق خلال الاعوام العشرة المنصرمة.
جدول يبين جنسيات الارهابيين في العراق
ولا تنفصل العمليات الارهابية المتتابعة بالسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة في بغداد ومحافظات عراقية أخرى عن مظاهر التهديد والتهجير والقتل على الهوية، اذ ان الموجه والمخطط والمنفذ واحد، وكل منها تكمل الاخرى من حيث الاهداف والدوافع، مثلما يؤكد ذلك ساسة ومثقفون عراقيون كثيرون.
بعبارة اخرى ان تلك الفواجع والكوارث والمآسي لا تقع عبر الاختطاف والقتل، او هجمات الجماعات المسلحة على هذا المنزل او ذاك فحسب، بل ان عمليات التفجيرات بالسيارات المفخخة والاحزمة والعبوات الناسفة والقصف بقذائف الهاون وصواريخ الكاتيوشا غالبا ما تخلف كوارث ومآسي وفواجع مؤلمة للغاية حينما تحصد ارواح عوائل بكاملها ولا تبقي منها الا فردا واحدا ربما يكون شخصا كبيرا في السن او طفلا صغيرا.
ان الجماعات الارهابية ليس في اجندتها هدف سوى جعل كل العراقيين شيعة كانوا ام سنة، عربا او اكرادا او تركمانا او كلدوأشوريين، مسلمين ام مسيحيين، يواجهون نفس ما واجهه الشيخ الطاعن في السن محمود وكاع الجبوري، وقصة هذا الشيخ التراجيدية المؤلمة ليست سوى غيض من فيض الاجندات والمشاريع التدميرية والتخريبية التي تدار وتوجه في مجملها من الخارج، وينبغي علينا ان نلتفت الى حقيقة مهمة في اطار قراءة الواقع الاقليمي قراءة شاملة، وهي ان اندحار الجماعات الارهابية في سوريا، وفشل مشاريع الاسقاط الخارجية التي راهنت عليها السعودية وتركيا وقطر واطراف اخرى، دفعت بعض او كل تلك الاطراف الى التعويض عن خسارتها في سوريا بالتحرك في العراق، وتحريك ادواتها الارهابية ـ الاجرامية لتعيد توسيع مشاهد الرعب والفواجع في شمال البلاد وجنوبها ووسطها على السواء.
وعائلة محمود وكاع الجبوري كانت تقطن في محافظة الموصل، وقد تركت منزلها هناك بعد ان تلقت تهديدات عديدة من جماعات ارهابية مسلحة، لذلك قرر الاب وبعد التشاور مع ابنائه اختيار محافظة كركوك كمكان لاقامة مؤقتة حتى تتغير الظروف ويكون متاحا لهم العودة الى منزلهم.
الارهاب يضرب يوميا في العراق
ويبدو ان الجماعات الارهابية التي وجهت التهديدات لعائلة وكاع لم تكتف بإرغامهم على ترك منزلهم ومنطقتهم، بل انها كانت تفكر بأبعد واكثر من ذلك، أي ان نيتها كانت تتمثل بتصفية ابناء ذلك الشيخ الكبير، وبالفعل حصل ذلك، والحجة على ما يبدو هي انهم كانوا يعملون بنظام العقود مع شركات لتشييد الابنية، وبحسب منطق الجماعات الارهابية فإن تلك الشركات تعمل في خدمة الدولة والحكومة، فهي بالتالي عميلة ومأجورة.
ان الفاجعة التي حلت بالرجل الكبير الطاعن في السن محمود وكاع الجبوري ليست إلا نموذجا أو مثالا من بين مئات أو الاف النماذج والأمثلة على الارهاب الدموي التكفيري والصدامي ضد المدنيين الأبرياء من ابناء الشعب العراقي، الذي اجتاح العراق بعد سقوط نظام صدام، واستشرى واستفحل خلال الاعوام 2005 و 2006 و 2007، بدعم واسناد وتمويل من جهات خارجية عديدة في مقدمتها المملكة العربية السعودية.
فكثير من التقارير الخاصة والعامة، اوردت خلال الاعوام العشرة الماضية أرقاما وحقائق ومعلومات لا يرقى لها الشك عن طبيعة الدور السعودي بدعم وتمويل الارهاب، واكثر من ذلك ان كبار الساسة السعوديين لا يتحرجون ولا يترددون في الاعتراف والاقرار بأن السعودية تسعى الى افشال العملية السياسية في العراق، واسقاط الحكومة القائمة بسبب توجهها وهويتها الطائفية، مثلما يرون ويفترضون ذلك.
وفي عام 2005 وبعده، كتبت صحف اميركية وبريطانية عديدة تقارير ودراسات ومقالات أوضحت فيها أن المملكة العربية السعودية تعد اكبر الممولين للارهاب في العراق، وبنفس المعنى تحدث مستشار الأمن الوطني السابق موفق الربيعي قبل بضعة ايام، وتحدث غيره، ومن بينهم السفير الاميركي السابق في العراق كريستوفر هيل.
ويتذكر الكثيرون ان تسريبات ظهرت في عدد من وسائل الاعلام العراقية وغير العراقية بعد تولي بندر بن سلطان رئاسة جهاز المخابرات السعودي في حزيران/يونيو من العام الماضي، عن توجهه الى العمل وبالتعاون مع اجهزة مخابرات اقليمية لاعادة تفعيل موجة الارهاب التكفيري في العراق!.
ويمكن للمراقب ان يشخص حقيقة انه منذ تربع بندر على قمة هرم المؤسسة الأمنية في السعودية، ارتفع مؤشر العمليات الارهابية في العراق، ليس هذا فحسب، بل إنه خلال الشهور القلائل الماضية عادت مظاهر الارهاب التي سادت خلال عامي 2005 و 2006 الى البروز مجددا، وبنفس المدن والمناطق التي كانت في وقت من الاوقات قواعد ومنطلقات للجماعات الارهابية التابعة لتنظيم "القاعدة" وبقايا حزب البعث المنحل.
ففي فترة زمنية قصيرة شهدنا عمليات قتل بطريقة همجية بشعة طالت افراد عوائل بكاملها تنتمي للمذهب الشيعي في منطقة اللطيفية جنوب العاصمة بغداد، وفي محافظة نينوى، وفي قضاء ابو غريب، وفي محافظة ديالى، والى جانب عمليات القتل، راحت المنشورات التهديدية تنتشر في تلك المدن والمناطق، الأمر الذي دفع عشرات او مئات العوائل الى ترك منازلها، وخصوصا ما حصل لابناء المكون الشبكي في محافظة نينوى، مضافا الى ذلك استهداف موظفي الدولة، لا سيما المسؤولين الحكوميين.
وعمليات القتل والتهديد والتهجير هذه لم تأت من فراغ، وإنما هناك جهات تخطط وتمول وتشجع، وهي ذات الجهات التي ما فتئت تحاول ان تأتي على كل ما تحقق من أمور ايجابية في العراق خلال الاعوام العشرة المنصرمة.
جدول يبين جنسيات الارهابيين في العراق
بعبارة اخرى ان تلك الفواجع والكوارث والمآسي لا تقع عبر الاختطاف والقتل، او هجمات الجماعات المسلحة على هذا المنزل او ذاك فحسب، بل ان عمليات التفجيرات بالسيارات المفخخة والاحزمة والعبوات الناسفة والقصف بقذائف الهاون وصواريخ الكاتيوشا غالبا ما تخلف كوارث ومآسي وفواجع مؤلمة للغاية حينما تحصد ارواح عوائل بكاملها ولا تبقي منها الا فردا واحدا ربما يكون شخصا كبيرا في السن او طفلا صغيرا.
ان الجماعات الارهابية ليس في اجندتها هدف سوى جعل كل العراقيين شيعة كانوا ام سنة، عربا او اكرادا او تركمانا او كلدوأشوريين، مسلمين ام مسيحيين، يواجهون نفس ما واجهه الشيخ الطاعن في السن محمود وكاع الجبوري، وقصة هذا الشيخ التراجيدية المؤلمة ليست سوى غيض من فيض الاجندات والمشاريع التدميرية والتخريبية التي تدار وتوجه في مجملها من الخارج، وينبغي علينا ان نلتفت الى حقيقة مهمة في اطار قراءة الواقع الاقليمي قراءة شاملة، وهي ان اندحار الجماعات الارهابية في سوريا، وفشل مشاريع الاسقاط الخارجية التي راهنت عليها السعودية وتركيا وقطر واطراف اخرى، دفعت بعض او كل تلك الاطراف الى التعويض عن خسارتها في سوريا بالتحرك في العراق، وتحريك ادواتها الارهابية ـ الاجرامية لتعيد توسيع مشاهد الرعب والفواجع في شمال البلاد وجنوبها ووسطها على السواء.