ارشيف من :آراء وتحليلات

في سوريا ترتسم معالم العالم الجديد... عالم الشعوب!

  في سوريا ترتسم معالم العالم الجديد... عالم الشعوب!

لا شك بأن الكيان الصهيوني يجني فوائد كبرى من حالة التشرذم والصراعات التي تشهدها الساحات العربية، خصوصاً في أجواء ما يسمى بـ "الربيع العربي". لكن ذلك لا يخفي الواقع المتمثل بأن الواقع العربي لم يكن، منذ العام 1948 وما قبله، أقل طواعية لمتطلبات المشروع الصهيوني.

صحيح أن التعاطي العربي مع القضية الفلسطينية قد استفاد منذ بداية الخمسينات من حالة النهوض القومي والإرتفاع الكبير في منسوب التوق للتحرير من قبل ما كان يسمى بالدول التقدمية، وعلى مستوى الحشد الجماهيري الكاسح في العالم العربي، وكذلك على مستوى الثورة الفلسطينية في أواخر الستينات.

 ولكن هزيمة الخامس من حزيران 1967، وبعدها حرب العام 1973 قادتا، سواء اعتبرنا هذه الأخيرة انتصاراً أو هزيمة،  إلى حالة الاستسلام العربي شبه الشامل أمام الكيان الصهيوني، وذلك من خلال توقيع اتفاقيات السلام من قبل مصر والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية، ولجوء معظم الدول العربية إلى إقامة علاقات مباشرة أو غير مباشرة مع الكيان الصهيوني، بل حتى إلى الدخول معه في تحالفات استراتيجية مكشوفة إلى هذا الحد أو ذاك، ضد قوى التحرر في المنطقة، وتحديداً ضد محور المقاومة المكون من إيران وسوريا والمقاومتين، اللبنانية والفلسطينية.

ومع هذا، فإن الظروف الحالية بالذات تسمح بالقول، رغم كل التقدم الذي حققه المشروع الصهيوني بمساعدة وتواطؤ عربيين على مستوى التوسع والاستيطان والتهويد، ورغم ضخامة القوى الضاربة التي يمتلكها المحور الإسرائيلي ـ العربي المدعوم من الغرب، ورغم الأوضاع الكارثية التي تعيشها بلدان الثورات العربية، إن كفة الصراع قد بدأت تميل بشكل واضح لمصلحة محور المقاومة في المنطقة.

  في سوريا ترتسم معالم العالم الجديد... عالم الشعوب!
الدعم الاجنبي والتمويل للمسلحين ...

والأكيد أن الفضل الأكبر في نشوء هذا الوضع إنما يعود إلى صمود سوريا، البلد العربي الوحيد الذي لم يتلوث بمعاهدات الصلح المنفرد وأعمال التطبيع مع الكيان الصهيوني، والذي تجري معاقبته لهذا السبب بالذات بهذه الحرب الكونية المدمرة التي تدور رحاها فوق الأرض السورية منذ ثلاثين شهراً.

والأكيد أيضاً أن صمود سوريا قد استفاد من الدعم الفعال الذي تقدمه الجمهورية الإسلامية وكلٌّ من روسيا الاتحادية والصين الشعبية والإسهام المحدود من قبل المقاومة اللبنانية وبعض فصائل المقاومة الفلسطينية. وبفضل هذا الصمود بات من الممكن القول بكل ثقة بأن النسخة الأميركية ـ الإسرائيلية من مشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير قد بدأت تخلي المجال لانبثاق شرق أوسط جديد وكبير وقابل للتمدد عالمياً بالانسجام الكامل مع طموحات ومصالح شعوب المنطقة والعالم بأسره.

فبعد مرور ثلاثين شهراً من الحرب الكونية المتعددة الأشكال والجنسيات والمدعومة من قبل ما يسمى بـ "أصدقاء سوريا"، على جميع مستويات التدريب والتسليح والاستخبارات والدعاية والديبلوماسية، وإرسال ما يزيد عن 180 ألف مقاتل من المرتزقة والتكفيريين  للقتال في سوريا، لجأت الولايات المتحدة، في محاولة قصوى لاستباق الهزيمة التي بدأت بوادرها تنعكس على جميع الأطراف المحلية والمهاجرة والإقليمية والدولية المتلبسة بالحرب الإجرامية على سوريا، لجأت إلى حشد أساطيلها وأعلنت نيتها توجيه ما أسمته بـ "الضربات المحدودة".

وبغض النظر عن الأسباب التي أدت إلى هذا التراجع، فإن هذا الحدث قد شكل هزيمة كبرى لأعداء سوريا، وهذه الهزيمة انعكست اضطراباً وتضعضعاً واقتتالاً على مستوى جميع الأطراف المشاركة بشكل أو بآخر في الحرب على سوريا، من السفاحين الذين يعيثون فساداً، بهمجية لا نظير لها في التاريخ، في القرى والمدن السورية، إلى الوصوليين المتمرغين في فنادق اسطنبول، إلى تهاوي أنظمة مرسي وحمد وأردوغان، وصولاً إلى تزلزل الأرض تحت أقدام السلطات الحاكمة في الخليج  وبلدان الغرب.
 
  في سوريا ترتسم معالم العالم الجديد... عالم الشعوب!
المقاتلون الاجانب .. أحد اشكال الدعم

إن الهزيمة التي لحقت بالولايات المتحدة وحلفائها وأدواتها حتى لمجرد التهديد بالعدوان، تعطي فكرة عن ضخامة الهزيمة التي كانت ستحيق بها في حال تجرؤها على مهاجمة سوريا. ومن الطبيعي لتداعيات هذه الهزيمة أن تستمر في دفع الأمور إلى المزيد من التدهور على مستوى جميع أطراف الحلف المعادي لسوريا.

يكفي للتحقق من ذلك، تذكر ما أسفرت عنه تحقيقات وكشوفات لجنة فينوغراد بعد فشل الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006، وهي الحرب التي دقت المسمار الذي نفذ عميقاً في تابوت الكيان الصهيوني، ومقارنته بأشكال الاضطراب والتضعضع والجدل والاتهامات والاتهامات المضادة التي تعصف بجميع أطراف الحرب على سوريا من تل أبيب إلى واشنطن مروراً ببقية العواصم العربية والإقليمية والغربية، من دون أن ننسى دخول عصابات "الثوار السوريين" في حروب مفتوحة ضد بعضهم البعض.








2013-09-24