ارشيف من :آراء وتحليلات

’كلام الناس’ يغيب ... انها ظاهرة الارتهان

’كلام الناس’ يغيب ... انها ظاهرة الارتهان

لا شك ان ظاهرة ارتهان الاعلام والاعلاميين في لبنان والعالم لمراكز قوى مالية او سياسية او غيرها هي ظاهرة معروفة .
عرفتها الولايات المتحدة الامركية بكثافة واتخذت مع وزير الخارجية الاميركية الاسبق كيسنجر ابعادا جديدة ومختلفة. المعادلة تبدو بسيطة . يعطي صاحب النفوذ مالا او معلومات فيوظفها الاعلامي ويوجهها لخدمة الاول من خلال صناعة صورته وتبييضها او دعما لسياساته وتبريرا لها . مع تقدم العلاقة يكفي اتصال هاتفي من مسؤول في السلطة ليكتب اي اعلامي بشكل يرضي ذلك المسؤول وكلما ازداد منسوب الرضا كلما ازداد حجم المكاسب والامتيازات التي يحصل عليها من السلطة .


لبنان يشكل تربة خصبة لمثل هذه العلاقات المصلحية. يمكن اعتبار هذا البلد الصغير نموذجا مثيرا للعلاقة بين السلطة السياسية والسطة الاقتصادية ووسائل الاعلام والاعلاميين. يرتهن الاعلام اللبناني لمصادر تمويله. مصادر تخطت حدود الوطن ما دفع الرئيس الاسبق شارل الحلو ليعتبر لبنان البلد الثاني لأصحاب الصحف مع التطور الاعلامي وخاصة المرئي.

ازدادت الظاهرة كما ونوعا، انتقلت من المؤسسات واصحابها الى الاعلاميين الذين حولتهم الشاشات نجوما. مارسيل غانم احدهم وابرزهم .
لا يختلف اثنان على ان الاعلامي مارسيل غانم شكل ظاهرة اعلامية منذ انطلاقته. للوهلة الاولى قد يبدو غانم بعيدا عن حالة الارتهان. يدفع اسلوب غانم المختلف الى تكوين هذا الاستنتاج او الانطباع . فهو لا يتردد في تأنيب ضيوفه السياسيين. يعرف نقاط ضعفهم وهفواتهم وفضائحهم ولا يتردد في اعلانها على الهواء. فتح مارسيل غانم بذلك الباب امام اعلاميين اخرين للانقلاب على موضة غزت الاعلام اللبناني بالتودد غير المبرر وكيل المديح المبتذل للضيوف. من خلال هذا الاداء تخطى مارسيل غانم الكثير مما كان يعتبر خطوطا حمراء اعلامية وسياسية. لكن للاعلامي -الذي يمكن القول انه اصبح اقوى من مؤسسته والذي تربطه علاقات وثيقة وفي بعض الاحيان مريبة بالسياسيين, ويتحدث معهم مع رفع الكلفة - خطوطه الحمر الخاصة به والتي يمكن تصنيفها في خانة العيار الثقيل.

’كلام الناس’ يغيب ... انها ظاهرة الارتهان

عائلة الحريري احداها . كل منتم الى ال الحريري ان كان "سعد" او "بهية" هو محل اهتمام خاص . يداريه مارسيل و يدلعه, يمتنع عن طرح اي سؤال قد لا يعجبه حتى لا نقول يستفزه. غانم الذي يعتبر جزءا اساسيا ورئيسيا من مجموعة سعد الحريري المعنية بتأهيله السياسي والاعلامي مستعد لضرب كل المعايير المهنية اذا كان الضيف من ال الحريري. لا يتردد مارسيل في اجراء مقابلة تم تنسيقها من الالف الى الياء مسبقا مع سعد الحريري لتعويمه وتجميله وتسويقه اعلاميا. يرضى مارسيل لرضا ال الحريري ويغضب لغضبهم . اتخذت الامور في المرحلة الاخيرة منحى جديدا. بدا الاعلامي اللبناني الابرز وقد حسم موقفه السياسي. هو مع فريق 14 اذار وعدو لمن عاداه . خلال الحلقات الاخيرة لبرنامجه خرج مارسيل عن تحفظه النسبي وترك محاولاته البائسة لاظهار نفسه بمظهر المتوازن، فقرر بما لا يقبل اللبس خوض المعركة الاعلامية لـ"14 آذار" في لبنان.

ليس بعيدا عن ال الحريري يتشكل الخط الاحمر الثاني ولكن هذه المرة على المستوى الاقليمي. السعودية، المملكة التي تمنع المرأة من قيادة السيارات تبدو عند مارسيل واحة للديمقراطية. حرية الرأي والتعبير تتوقف وتنتهي عند السعودية التي يرفض مارسيل رفضا تاما اي نقد او حتى غمز من قضية يعتبر احد ما او امير او شيخ في السعودية انها تسيء للعائلة المالكة. يتبنى مارسيل بشكل واضح سياسات السعودية. بتماه غريب عجيب يقارب غانم الملف السوري. منذ اللحظة الاولى تبنى مارسيل سياسة السعودية تجاه سوريا: النظام ساقط لا محالة. رغم كل المعطيات والتطورات التي كانت تؤشر على عكس ذلك حافظ واظهر مارسيل حالة الانكارالسعودية المنشأ. نفس الامر تكرر مع العدوان الاميركي. استضاف غانم احمد الجربا وتعاطى معه كساكن قصر المهاجرين العتيد فالعدوان قادم وحتمي . لطالما اطلق الضحكات والقهقهات لانتقادات وحتى شتائم توجه الى ايران لان هذا يرضي قاطني القصور السعودية. اما على المستوى اللبناني فقد فتح هواءه لادوات المملكة المحلية ( الداعية الشهال وبلال دقماق والشيخ الاسير).

الخط الاحمر الثالث هو الهيئات الاقتصادية وتحديدا المصارف. مع ضيوفه اصحاب المال والاعمال نكون مع شخص مختلف. الصوت العالي ينخفض، حالة الاستعلاء امام السياسيين العاديين تتحول الى حالة تواضع قد تصل الى شيء يشبه التذلل. تغيب الاسئلة النقدية. يغيب "كلام الناس" ويضيع صوتهم وتسقط تجربة كان يمكن ان تشكل حالة مختلفة في الاعلام اللبناني والعربي لولا داء الارتهان الذي اصاب كثيرين ومن بينهم مارسيل غانم .

2013-09-26