ارشيف من :آراء وتحليلات

ضغوطات داخلية وخارجية فرضت قبول تسوية

ضغوطات داخلية وخارجية فرضت قبول تسوية
بعد أن ظن الجميع أن الأوضاع في تونس سائرة نحو التصعيد، وبعد خروج التظاهرات المطالبة باستقالة الحكومة في المناطق الداخلية إثر إعلان الأمين العام لاتحاد الشغل حسين العباسي عن فشل الحوار الوطني، وبعد أن بدأ كثير من التونسيين بسحب أموالهم من البنوك وشراء المؤن، فاجأ رئيس حركة "النهضة" راشد الغنوشي الجميع بإعلانه عن قبول خارطة طريق المنظمات الأهلية الراعية للحوار. وتتضمن هذه الخارطة استقالة الحكومة خلال أسابيع ثلاثة من بدء الحوار الوطني واستئناف المجلس التأسيسي لأشغاله على أن لا يتعدى دوره إتمام الدستور والقانون الانتخابي.
ضغوطات داخلية وخارجية فرضت قبول تسوية
التظاهرات ..احد الاساليب التي اقنعت الغنوشي
راشد الغنوشي قبل نيابة عن حزبه مقترحات اتحاد الشغل للخروج من الأزمة، كتابة، ووقع على وثيقة تلزمه وتلزم حزبه وذلك إثر لقاء جمعه مع العباسي بحرص من رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفي بن جعفر. ويتداول في الكواليس أن جهات خارجية هي التي ضغطت على زعيم حركة "النهضة" ليقبل بشروط المنظمات الأهلية الراعية للحوار، فشركاء تونس الاقتصاديون والدول المانحة تشترط التوافق لتدفق السيولات المالية والاستثمارات على الخضراء التي يعيش اقتصادها صعوبات كبيرة.

رئيس الحكومة

وبذلك فإن حكومة علي العريض تعيش بحسب أغلب المحللين أيامها الأخيرة وستتحول قريبا إلى حكومة تصريف أعمال في انتظار تشكيل الحكومة الجديدة التي ستقود البلاد خلال ما تبقى من مرحلة انتقالية وستشرف على الانتخابات القادمة. ويرجح أغلب الخبراء والمحللين أن يتم تكليف عبد الكريم الزبيدي رئاسة الحكومة الجديدة إذ يلقى هذا الرجل قبولا لدى أغلب الفرقاء باعتبار حاجة البلاد لصاحب كفاءة وخبرة في العمل السياسي. والزبيدي شغل منصب وزير الصحة في عهد الرئيس المطاح به زين العابدين بن علي كما نال حقيبة الدفاع في حكومتي قائد السبسي وحمادي الجبالي ونجح في مهامه ونال رضا الجميع وهو رجل التوافق بامتياز إذ يحظى بالقبول من قبل طرفي الصراع.
ضغوطات داخلية وخارجية فرضت قبول تسوية
حكومة علي العريض ..حكومة تصريف اعمال
لكن على ما يبدو أن الزبيدي يرفض تولي هذا المنصب وقد جنح إلى الاعتكاف واعتزال الحياة العامة بعد أن استقال من وزارة الدفاع منذ أشهر معدودات ليخلفه وزير غير متحزب وهو أحد أشهر رجال القانون في تونس رشيد الصباغ. وإذا تواصل رفض الزبيدي للترشيح فإن راضي المؤدب ينطلق بحظوظ وافرة لترؤس الحكومة التونسية القادمة وفقا لتسريبات من كواليس اجتماعات حركة "النهضة" والمعارضة. وراضي المؤدب هو رجل اقتصاد مشهود له بالكفاءة وتونس بحاجة اليوم وأكثر من أي وقت مضى إلى اقتصادي قادر على وضع الخطط الكفيلة للخروج بها من أزمتها. لكن ما ينقص المؤدب هو افتقاده للخبرة في العمل الحكومي إذ لم يسبق له أن عُيّن على رأس وزارة سواء قبل الثورة أو بعدها.

ألغام

ويتفق أغلب المحللين على أن ما ينتظر الفرقاء السياسيين من عقبات أكثر مما تم تجاوزه. إذ من المنتظر أن تشهد تسمية الوزراء في الحكومة القادمة خلافات كبيرة، وسيتم الاعتراض من هذا الفريق وذاك على بعض الوزراء الذين تشترط فيهم الكفاءة والحيادية، أي الوقوف على مسافة واحدة من فريقي المعارضة والموالاة. كما يتوقع خبراء أن لا تلتزم حركة النهضة بالموعد المحدد لاستقالة الحكومة وهو ما سيعيد الجميع إلى المربع الأول لأن مغادرة كراسي الحكم في بلد لم يعرف الديمقراطية منذ العصر القرطاجي (ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد) ليس بالأمر الهين.

ويتوقع أيضا أن يتواصل الخلاف بين الفرقاء حول بنود الدستور وخصوصا تلك المتعلقة بالحريات، وحول تركيبة الهيئة المستقلة التي ستشرف على الانتخابات القادمة. كما قد يتعطل الحوار الوطني بسبب ملف الرئاسة الأولى، ففي حين تطالب بعض أطياف المعارضة بتغيير رئيس الجمهورية (الذي أدخل مؤخرا تونس في أزمة ديبلوماسية مع مصر كانت في غنى عنها بعد أن ساهم في وقت سابق في توتر العلاقات مع الشقيق السوري) لم تحرك حركة "النهضة" ساكنا بشأن هذا الملف والتزمت الصمت، كما أن الرئيس المرزوقي مصر على عدم تسليم مفاتيح قرطاج إلا إلى رئيس منتخب في استحقاق انتخابي بعد إتمام الدستور. ويرى أكثر من محلل أن هذه الملفات العالقة قادرة على نسف التوافق الذي ابتهج به الجميع وتحفظ عليه البعض الآخر.
2013-10-01