ارشيف من :آراء وتحليلات

زيارة فاشلة لنتنياهو.. واستسلام ضمني امام ايران النووية

زيارة فاشلة لنتنياهو.. واستسلام ضمني امام ايران النووية

نتيجة زيارة رئيس الحكومة الصهيونية، بنيامين نتنياهو، الى الولايات المتحدة، هي "فاشل". حيث تبين ان نوايا التقارب الغربية تجاه ايران، هي اكبر واشمل، من ان تحتويها المقاربة الاسرائيلية والتحذيرات الصادرة عن "تل ابيب". فالغرب لا يمكن ان يقدم مصالح اسرائيل على مصالحه، حتى ولو كان المقابل هي "اسرائيل" نفسها، التي يجري التعامل معها في واشنطن باعتبارها احدى الولايات الاميركية.

زيارة فاشلة لنتنياهو.. واستسلام ضمني امام ايران النووية

بحسب تعبير صحيفة هآرتس "وصل نتنياهو الى الحفل (في نيويورك) وكل المدعوين كانوا قد رحلوا، وبقي عليه فقط، أن يتعامل مع الكراسي الفارغة". أما صحيفة "معاريف" فأشارات الى أن "قلة من الزعماء انصتوا بالفعل الى ما قاله نتنياهو". وفي الخط العريض، وفي صدر صفحتها الأولى، في أعقاب القائه خطابه وتهديداته ضد ايران من على منبر الجمعية العمومية للامم المتحدة، كتبت "هآرتس" تقول إن "نتنياهو بدى كأنه هادم للافراح، وثمة شك في ما إذا كان أحد ما في القاعة صدق بأن "اسرائيل" تتجه للهجوم (العسكري) على ايران".
وكانت "اسرائيل" قد اعلنت رفضها "للتقارب" بين ايران والغرب، وتحديداً بينها وبين الولايات المتحدة لحل الخلاف النووي، من اللحظة الاولى التي انطلق فيها الحديث عن مرونة غربية تجاه ايران، وعن نية فتح مسار تفاوضي مباشر بين واشنطن وطهران.
الكوة التي فتحت في جدار العلاقات الاميركية الايرانية، والتي عدت في الغرب "فتحاً" غير مسبوق، رأت فيها "تل ابيب" انها "فتح" كارثي، قد يمحي من الوجود كل ما قامت به ضد ايران خلال السنوات، بل والعقود الماضية. الرد الاسرائيلي كان واضحاً ومباشراً من خلال وضع اربعة شروط و"الا لا مجال للاتفاق مع ايران". حيث أرادت "تل ابيب" ان تضع هذه الشروط امام المحاور الاميركي، قبل أن تكون مخصصة للمحاور الايراني، علها في ذلك تنهي مسار التقارب، وتعود به سريعاً الى مسار المواجهة، بما يشمل العقوبات وتشديدها، وربما ايضاً، الخيارات العسكرية ضد ايران.
وجاءت شروط "اسرائيل"، على لسان بنيامين نتنياهو، كالآتي:
1- وقف تخصب اليورانيوم على مختلف مستوياته وإغلاق تام لمنشأة "فوردو" بالقرب من مدينة قم.
2- تفكيك كل اجهزة الطرد المركزي المتطورة، والتي ركبت اخيراً، في كل المنشآت النووية الايرانية.
3- اخراج كل كميات اليورانيوم المخصب من ايران باتجاه دولة ثالثة.
4- اغلاق مفاعل المياه الثقيلة في مدينة أراك، والذي تقول "اسرائيل" بأنه يعمل على انتاج سلاح نووي من مادة البلوتونيوم.
الا أن الامور خرجت عن الامكان. حيث وجدت "تل ابيب" حائط صد غربي، لا يستمع، ولا يريد ان يستمع للشروط الاسرائيلية. فتراجع خطابها الى الوراء، ووجد تعبيراته في تصريحات اطلقها نتنياهو لاحقاً، شدد فيها على ضرورة مواصلة العقوبات على ايران، في الوقت الذي تبدأ فيه المفاوضات معها، بل وايضا تشديدها.
المقاربة الاسرائيلية الحالية، تشدد على هذا المنحى، اضافة طبعاً، لحملات العلاقات العامة التي يديرها نتنياهو وحاشيته، ضد الصورة الايرانية المتشكلة حديثاً في الغرب، والمتغلغلة حتى الاعماق في عواصم القرار الغربية وعلى رأسها واشنطن. وما بين انهاء كل ما يرتبط بالنووي الايراني، وبين المطالبة بضرورة الابقاء على العقوبات، فارق كبير جداً.
أكثر من ذلك. فقبيل توجه نتنياهو الى الولايات المتحدة، لالقاء كلمته في الجمعية العمومية وايضاً للقاء الرئيس الاميركي، باراك اوباما. ركزت حاشية نتنياهو على ضرورة أن يصدر عن اوباما موقف يتناول وضع خط احمر واضح امام البرنامج النووي الايراني، على شاكلة سقف تخصيب او كمية يورانيوم مخصبة او غيره، وان لم تلتزم به ايران وتجاوزته، فإن الولايات المتحدة ستتحرك عسكرياً ضد ايران. وبحسب التسريبات التي تداولها الاعلام العبري، كان يقدر أن يصدر عن اوباما تصريح كهذا، الا أن الواقع، أظهر النقيض.
ويبدو انه بعد خطاب نتنياهو في الامم المتحدة ولقائه اوباما، اتضح لدى "تل ابيب" محدودية التأثير في الموضوع النووي، ومحدودية القدرة على فرملة الاندفاعة الاميركية نحو المسار التفاوضي مع ايران. فتحولت المقاربة الاسرائيلية من منع التفاوض، الى منع الانحدار أكثر نحو تنازل اميركي امام طهران، مع الامل بتحصيل "شيء ما"، كنتيجة للحملة الدعائية الاسرائيلية في واشنطن.
من هنا، وضمن ادراك محدودية القدرة على التأثير، ورغم كل الاندفاعة الدعائية الاسرائيلية، وجد المراقبون في خطاب نتنياهو تحولاً اساسياً، وربما جوهرياً، أجبر عدد من الخبراء الاسرائيليين على التوقف امامه، وبحسب تعبير القناة العاشرة العبرية "سمعت رسالة اخرى من كلام رئيس الحكومة، وهي تغيير، او ليونة، فيما يتعلق بالخط الاحمر تجاه ايران، قياساً بالخطاب الذي القاه في العام الماضي امام الجمعية العامة للامم المتحدة"، وبحسب القناة "تحدث نتنياهو عن الفصل بين خطين: الخط الاحمر الاسرائيلي الموضوع في السنوات الماضية، حيال كل القدرة النووية الايرانية بكاملها، وبين الخط الاحمر الجديد، الذي اضطر نتنياهو للقبول به، وهو منع ايران فقط من خلال التحرك العسكري، في حال قررت بالفعل الانتقال الى مستويات عسكرية باتجاه القنبلة النووية، أي ليس تفكيك البرنامج النووي الايراني، بل العمل على منع ايران من الحصول على قدرات عسكرية نووية".
ومقاربة نتنياهو الجديدة، رغم ما يقوم به اعلامياً ودعائياً، تشير الى ان "اسرائيل"، كما الولايات المتحدة، استسلمت للارادة الايرانية، وسلمت بما حصلت عليه طهران في الواقع، ويبقى فقط، أن تحصل على اقرار منهما، او بتحديد افضل، على اقرار اميركي، بأن حقها وحقوقها التي استحصلت عليها، هي حقوق معترف فيها، ولا يمكن التراجع عنها.
وفي الواقع، أشار نتنياهو بصورة غير مباشرة الى اقرارين، غير مسبوقين من قبل "تل ابيب". اولهما هو التأكيد على أن الخيارات العسكرية مخصصة فقط، للحؤول دون العسكري الايراني النووي، وليست واردة تجاه الملف النووي والقدرة النووية برمتها، بما يشمل استمرار ايران في تخصيب اليورانيوم، بشكل عام.
أما بما يتعلق بالحراك الاسرائيلي للآتي، فيمكن رصد نقطتين اثنتين:
اولاً: مهما حدث، ومهما كان شكل ومضمون المفاوضات مع ايران، ستحرص "تل ابيب" على أن لا تظهر اي خلاف استراتيجي، يفوق ابعاداً تكتيكية، بينها وبين البيت الابيض، حتى مع قيامها بما يلزم، للضغط على الرئيس الاميركي، ضمن لعبة التحريض بواسطة اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، كي يكون أكثر تشدداً مع ايران، وعرقلة أي اتفاق لا يرضيها، علماً أن كل اتفاق، لن يرضيها مع ايران. بمعنى أن الخلاف مع اميركا، سيكون أسوأ لمصلحة "اسرائيل"، من أي مقاربة اخرى، مهما كانت أثمانها، مع ايران.
وضمن هذا الاطار، بدأنا نشهد، وسنشهد، على منسوب مرتفع من التصريحات والمواقف الاسرائيلية، التي تركز على "وحدة المقاربة" بين "تل ابيب" وواشنطن حيال البرنامج النووي الايراني، والعمل على "تكبير" النقاط المشتركة، وعلى "تصغير" النقاط الخلافية، بغض النظر عن تجاذبها ومستوياتها الواقعية، ومن بينها التركيز على أن كل من الجانبين، يسعيان الى هدف واحد، وهو منع ايران من امتلاك السلاح النووي، علماً أن هذا القاسم المشترك، يعد تراجعاً اسرائيلياً كبيراً جداً.
ثانيا: تأكيد المقاربة الاسرائيلية العلنية، على ضرورة الامتثال وعدم تجاوز سقف الحد الادنى الذي لا يمكن لاسرائيل ان تتعايش معه في مرحلة التفاوض مع ايران، وهو عدم ازالة او تقليص العقوبات المفروضة على الايرانيين، الا بعد انتهاء المفاوضات، والوصول الى نتائج مرضية من قبلها. بمعنى طلب الامتناع عن "بادرات حسن نية"، مهما كان مستواها.
وهذه المقاربة تفسر اصرار نتنياهو على ضرورة تشديد العقوبات على ايران خلال مرحلة المفاوضات، وهو مطلب يدرك جيداً بأن واشنطن لا يمكن ان تلبيه او ان تمتثل له، لكن من شأنه بحسب تقديرات نتنياهو، أن يحول دون تقليص مقدر للعقوبات على ايران، خلال فترة المفاوضات معها، والمقصد الاسرائيلي في هذا الاطار، هو طلب الكثير للحصول على أقل منه.
2013-10-02