ارشيف من :ترجمات ودراسات

نتنياهو يحول لاءاته إلى خط دفاع سياسي

نتنياهو يحول لاءاته إلى خط دفاع سياسي

كتب المحرر العبري
لسنا من الذين يصفون الخلاف الأميركي الإسرائيلي بأنه حالة مصطنعة، كجزء من تكتيك سياسي لتحسين صورة الإدارة الأميركية الجديدة رغم انه بالتأكيد سوف يوظف في هذا السياق.

في المقابل، ينبغي أن لا نكون من الذين يراهنون على الإدارة الأميركية، وعلى نزاهة واستقامة باراك اوباما الذي يحاول أن يسوق نفسه، كما لو انه منقذ ومخلص لمنطقة الشرق الأوسط. 

وعليه، لا بد من وضع التباين الأميركي الإسرائيلي في سياقه الصحيح، لإعطائه حجمه الطبيعي والبناء عليه بما يتناسب:

الواضح ان توجهات الإدارة الأميركية الجديدة لم تأت إلا على أنقاض وفشل استراتيجية إدارة بوش، في العراق وافغانستان وباكستان وفلسطين ولبنان الأمر الذي فرض واقعا استراتيجيا مغايرا لما كانت تخطط له الولايات المتحدة. ثم توج ذلك بأزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة تركت آثارها على العالم بأسره.

هذا الواقع فرض على الإدارة الأميركية الجديدة اتخاذ مواقف أكثر حزما إزاء مسيرة التسوية على المسار الفلسطيني، جراء محدودية الخيارات ولم يأت نتيجة مراجعة نقدية مجردة حول عدالة الموقف الأميركي أو جراء تفاعل المسؤولين الاميركيين مع الظلم والتنكيل الذي مارسته إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني. وانما بفعل رؤية أميركية، مبنية على المستجدات الإقليمية، حددت أن استمرار الواقع السياسي القائم في المنطقة مضر جدا بالمخططات الأميركية وبإستراتيجيتها لمواجهة التحديات وفق سلم أولويات الإدارة الأميركية.

على خط مواز، افرز الحراك الداخلي الإسرائيلي، خارطة سياسية يمينية أكثر تشددا في القضايا الفلسطينية. وأدى هذا التزامن بين حكومة يمينية في إسرائيل وإدارة أميركية أكثر واقعية في مقاربة التحديات وتشخيص نقاط الضعف والقوة للولايات المتحدة، إلى حصول نوع من التجاذب بين الطرفين الأميركي والإسرائيلي.

لكن إلى جانب ما تقدم ينبغي التأكيد على حقيقة:

ان رفض نتنياهو حتى الان الاعلان بشكل مباشر عن موافقته على دولة فلسطينية تقوم إلى جانب إسرائيل، كأساس للحل السياسي مع السلطة الفلسطينية، ليس ناتجا عن موقف ايديولوجي نهائي، على الاقل بعد التغيرات التي شهدها اليمين الاسرائيلي خلال العقد الاخير سواء فيما يتعلق بمسيرة التسوية أو بالدولة الفلسطينية. لأن نتنياهو يدرك انه في نهاية المطاف لا يمكن التوصل إلى تسوية سياسية بدون اقامة دولة فلسطينية. اضف إلى حقيقة عدم وجود تعارض بين معظم التيارات السياسية اليهودية حول القيود السياسية والأمنية، الواجب فرضها على الدولة الفلسطينية المفترضة.
إن رفض نتنياهو الأساسي يعود إلى خشيته من أن يكون إعلانه الموافقة على دولة فلسطينية بمثابة ثمن إسرائيلي لبضاعة لن يحصل عليها، جراء ضعف السلطة وتنامي قوة المقاومة خاصة بعدما تمكنت من إحكام قبضتها على قطاع غزة وبعد صمودها السياسي في مواجهة العدوان الإسرائيلي الأخيرة.
يسجل لنتنياهو انه تمكن من تخفيض السقف العربي المؤمل إزاء التنازلات المطلوب تقديمها إلى مستوى الموافقة على دولة فلسطينية، والتي يعلم ضمنا انه لا مفر منها كأساس للتسوية بعدما كان من المفترض أن تصبح من الماضي في أعقاب خارطة الطريق وتفاهمات انابوليس ابان حكومتي شارون واولمرت، والى مستوى تجنيد حملة عالمية من اجل الضغط على إسرائيل من اجل إيقاف توسيع البناء في المستوطنات، وحصر التجاذبات في هاتين القضيتين حتى أصبح أي تراجع إسرائيلي، في أي منها، يبدو كما لو انه "انجاز تاريخي" المطلوب من الإدارة الأميركية أن تحصل في مقابله على تنازل عربي. وبذلك تمكن نتنياهو من تحويل لاءاته من هاتين القضيتين إلى خط دفاع سياسي، يحمي فيها القضايا الأكثر جوهرية للطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، إزالة المستوطنات، الانسحاب إلى حدود ال67، تقسيم القدس بين شرقية وغربية وسيادة فلسطينية على المسجد الأقصى، حق العودة للاجئين الفلسطينيين. وبدلا من أن يُطلب من إسرائيل مواقف أكثر قربا للحد الأدنى الذي يمكن السلطة الفلسطينية من تسويقه في صفوف الشعب الفلسطيني، تمحور السجال حول مواقف يفترض أنها أصبحت من الماضي (الدولة الفلسطينية) واستمرار البناء في المستوطنات.

2009-06-09