ارشيف من :ترجمات ودراسات
صحيفة "الوطن" السورية : المناورات العسكرية الإسرائيلية رسائل حرب وعدوان أم استعراض للقوة؟
المحرر الاقليمي + صحيفة "الوطن" السورية
قام الجيش الإسرائيلي منذ مطلع العام الجاري بعدد كبير من المناورات بعضها علني والآخر تم بعيداً عن الأضواء، ويؤكد المسؤولون الإسرائيليون أن المناورات الضخمة التي تتم بالأسلحة التقليدية وغير التقليدية تأتي استعداداً لمواجهة المخاطر التي تحدق بإسرائيل.
وقد بدأت إسرائيل بتاريخ 31/5/2009م بمناورة عسكرية هي الأكبر منذ مطلع هذا العام بل هي الأكبر منذ حرب عام 1967م يتم خلالها محاكاة هجمات وقصف جوي مكثف وسلسلة هجمات بالصواريخ وسلسلة هجمات ومناورات تعددت أغراضها وطبيعة القوات المشاركة فيها، علاوة على مشاركة المؤسسات والقطاعات المدنية في هذه المناورات بشكل فاعل، وقد أعلن مسؤولون في وزارة الدفاع الإسرائيلية أن المناورة التي جاءت تحت عنوان «تحول3» تهدف إلى اختبار القدرات على الرد على سقوط قذائف قد تطلق من لبنان وقطاع غزة وصواريخ من إيران أو سورية.
بداية لابد من التذكير أن المناورة العسكرية هي عمل تدريبي لجيش أي دولة، ومن ثم فهو عمل روتيني يتوج العام التدريبي لأي جيش، وهو عمل مركب لمجموع مراحل التدريب المتدرجة بدءاً من مهمة الفرد إلى مهمة التشكيل القتالي المعتمد أساساً في المعركة المتوقعة أو المفترضة في حالتي الحرب الأساسيتين وهما: الدفاع أو الهجوم. وقد تلجأ الدول إلى مرحلة المناورة الشاملة للقوات المسلحة بجميع قواها العسكرية النارية واللوجستية عندما يكون المحيط الجغرافي للدولة عدائياً، أو عندما تكون الدولة ذات طبيعة عدوانية مع محيطها، وهي الحالة الراهنة والدائمة للعلاقة العربية الإسرائيلية مهما بلغت حالات اتفاقيات الهدنة مع الجوار عدداً أو مضامين، لأنها إيقاف مؤقت لحالة الحرب ولو توجتها بعض الدول باتفاقيات سلام مع الجانب الإسرائيلي.
وتجدر الإشارة هنا، إلى أهمية تسليط الضوء على الأهداف على المستويين الداخلي والخارجي التي حدت بصانع القرار في إسرائيل لاتخاذ القرار بالقيام بمثل هذه المناورات التي تكلف خزينة إسرائيل الكثير الكثير.
رسالة إلى الداخل الإسرائيلي: أرادت الحكومة الإسرائيلية تطبيق بعض بنود تقرير لجنة فينوغراد، الذي حمّل الجيش بعض المسؤولية في إخفاق عدوان تموز 2006، عندما تحدث عن عدم الجهوزية الكاملة مع بدء العمليات الحربية، وأيضاً عدم تحضير المستوطنين في الداخل بشكل كافٍ وكامل لهذه الحرب، ومن ثم فإن المناورة أرادت اختبار مدى جهوزية الداخل الإسرائيلي، ومدى تجاوب المستوطنين مع النداءات التي قد تُطلق في مناسبات وحروب قادمة؛ وكل ذلك من أجل تحضير هذا الداخل للمستقبل.
في جانب آخر وأهم، أرادت الحكومة الإسرائيلية من خلال هذه المناورات إعادة ثقة المستوطنين بجيشهم، الذي ظلّ يمثّل أسطورة إلى الماضي القريب، والذي لم تهتز ثقتهم به يوماً كما اهتزت عام 2006، ومن ثم فإن هذه المناورات أرادت إعادة زرع الثقة بقدرة الجيش الإسرائيلي على حماية الكيان، وأيضاً قدرته على توجيه ضربات قاسية ومؤلمة لمن يعتبرهم أعداءه وخصومه؛ وذلك كي ترتفع معنويات هؤلاء المستوطنين، ويطمئنوا إلى قدرة جيشهم ومستقبل كيانهم. ولعلّ في تصريحات قادة هذا الجيش، وفي تهديدات زعماء هذا الكيان، ما يؤكد ذلك ويشير إليه؛ فالمناورات في جزء من أهدافها الداخلية إعادة للثقة إلى المستوطنين، وفي جزء آخر ردُّ الاعتبار لهذا الجيش الذي أخذ بنيانه بالتصدّع بعد هزيمتي لبنان وغزة، بناء على ذلك يمكن فهم أول أهداف المناورة محاكاة للرأي العام الداخلي وإعادة الثقة لمجتمع اهتزت صورة الدولة لديه، والمناورة بمشاركة جميع قطاعات المجتمع الإسرائيلي تعني أن الدولة ما زالت تملك خياراتها في البقاء والهيمنة على محيطها المعادي.
رسالة إلى المحيط الإقليمي: يرى المراقبون في إسرائيل أن هذه المناورات تأتي لتعزيز إسرائيل النووية على مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، ويشير هؤلاء المراقبون إلى أن دوائر صنع القرار في «إسرائيل» تنطلق من افتراض مفاده أن هناك تغيرات كبيرة في قواعد الصراع العربي الإسرائيلي وأهمها تراجع مفهومين إستراتيجيين تاريخيين وهما: الذراع الطويلة للقوة العسكرية الإسرائيلية سلاح الجو في سماء مفتوحة، وجيش بري تحدد وتيرة تقدمه في الأراضي العربية المهمة العسكرية الراهنة دون حساب لقوى عسكرية مواجهة، وهما قاعدتان أسقطتهما مجريات حرب تشرين عام 1973م يضاف إلى ذلك حربان خاسرتان في مواجهة قوى مقاومة مدنية مسلحة في تموز 2006 وكانون الثاني 2009.
ومن هنا فإن الإسرائيليين معنيون بفحص فاعلية السلاح المعد للهجوم، وتحديداً سلاح الجو والتجهيزات التقنية المرافقة، وضمن هذه المناورات قام سلاح الجو الإسرائيلي بسلسلة كبيرة من المناورات والتدريبات العلنية والسرية، فعلى الصعيد العلني، قام سلاح الجو الإسرائيلي بسلسلة مناورات بالقرب من التجمعات السكنية الاستيطانية في فلسطين، وعلى الصعيد السري كشفت وسائل الإعلام الغربية نبأ قيام سلاح الجو الإسرائيلي بعدة مناورات فوق مضيق جبل طارق وفي المحيط الأطلسي، وذلك لتعزيز قدرات إسرائيل الهجومية.
رسالة إلى المجتمع الدولي: يأتي في مقدمة الأهداف الخارجية التي أرادت الحكومة الإسرائيلية تحقيقها من هذه المناورات، محاولة استعادة قوة الردع التي كانت إسرائيل تتمتع بها لعقود خلت، ولا تهدف إسرائيل من هذه المناورات إلى فحص الجوانب الدفاعية في منظومتها العسكرية، بل فحص الجانب الهجومي أيضاً، وتفترض الحكومة الإسرائيلية أنه من الممكن ألا تقوم إيران وحدها بالرد على هجوم يستهدف طهران، بل هناك إمكانية أن يتدخل حزب اللـه وحماس وحتى سورية، فأمن إسرائيل كان يعتمد بشكل كبير على حجم قوة الردع التي يتمتع بها، وهذه نظرية لطالما عمل لها وعليها قادة هذا الكيان، ويكاد يكون السلاح النووي جزءاً أساسياً من هذه النظرية، على حين يُعتبر التفوقُ العسكري الجوي والتكنولوجي والاستخباري جزءاً آخر من هذه المنظومة، إلا أن ما حصل خلال مواجهات ومعارك السنوات الأخيرة، جعل هذا الجيش يفقد هذه المزيّة، ولاسيما ما يتعلق بالأسلحة العادية، لذا فهو شعر بأنه بات بحاجة إلى ضمان أمنه مجدداً؛ من خلال استعادة قوة الردع، التي من خلالها يستطيع فرض هيمنته على بقية المنطقة، ويحفظ أمنه من المخاطر (ملف طهران النووي- سورية- حركات المقاومة حماس وحزب الله)، وذلك في ظل التراجع الميداني الواضح للمشروع الأميركي على الساحة الدولية. والتغيير الصارخ في شكل الإدارة الأميركية، كل ذلك يجعل من هذه المناورة ساحة تجربة حقيقية لحرب قد تكون قريبة، وقد تكون ضرورة جراحية لمستقبل مشروع الدولة اليهودية وفق المساحة التوراتية في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية.