ارشيف من :ترجمات ودراسات
"التحوّل الثالث"... المناورة الأكبر في تاريخ "إسرائيل"
المحرر الاقليمي + صحيفة "الوطن" السورية
قامت إسرائيل أواخر الشهر الماضي وأوائل شهر حزيران 2009 الحالي بتنفيذ أكبر مناورة عسكرية في تاريخها ولمدة خمسة أيام.
فما خلفيات وأبعاد هذه المناورة؟ وما الرسائل التي تريد إسرائيل توجيهها من خلالها؟
لاشك في أن المناورات هي إجراء تقليدي في أي جيش الهدف منها محاكاة جو المعركة واختبار مدى استيعاب القطعات والتشكيلات العسكرية لمهامها وللتدريبات النظرية التي تلقّتها على مدار العام، إلا أن هذه المناورة من حيث حجمها، تشترك فيها الدولة العبرية بمؤسساتها العسكرية والأمنية والمدنية جميعها، ومن حيث توقيتها، وفي ضوء تسلّم اليمين المتطرّف للحكم في إسرائيل بقيادة (نتنياهو) وشريكه الأساسي «ليبرمان» تؤكد أن الجهات المعنية مباشرة من هذه المناورة لبنان وإيران، وعندما نقول لبنان معني بذلك، يعني أن المقاومة الوطنية اللبنانية ممثلة بحزب الله هي الهدف الأول التي تصوّب إسرائيل أسلحتها نحوه، فإسرائيل حتى الآن لم تتمكن من استيعاب هزيمتها أمام المقاومة في حرب تموز عام 2006، ولم تصدّق بعد أن هيبة وسطوة الردع التي تميزت بها من خلال أسطورة جيشها الذي لا يُقهر قد تدهورت، وخاصة أن الحرب الأخيرة على غزة لم تُرمّم الثقوب الكبيرة في تلك القدرة (أي قدرة الردع)، بل لا نبالغ إذا قلنا إنها زادتها عمقاً واتساعاً عندما لم يتمكن الجيش الإسرائيلي على مدى أكثر من عشرين يوماً من القضاء على حماس أو إسقاط سلطتها، وبقيت صواريخ المقاومة تطلق من غزة على المستوطنات الإسرائيلية، الأمر الذي يشير إلى أن إسرائيل قد تفكر في مغامرة جديدة في لبنان تستهدف فيها مقاومته الوطنية، وما يعزز مثل هذا الشك أن المقاومة وضعت نفسها في حالة تأهب كامل وجاهزية تامة لمواجهة أي احتمال والرد على أي عدوان، وقد حذر سماحة السيد حسن نصر الله الأمين العام للحزب إسرائيل علناً من أن أي فرق عسكرية إسرائيلية قد تجتاح الأراضي اللبنانية ستدمر مهما كان عددها ومهما كانت أسلحتها، من جهة أخرى فإن تقارير أمنية إسرائيلية تفيد بأن قدرات المقاومة اللبنانية تضاعفت وباتت تشكل تهديداً فعلياً لإسرائيل، ومن ثم لابد من التعامل معها بإجراءات فعالة وسريعة، ومثل هذه التقارير لا شك أنها تعتبر مؤشراً إلى تزايد احتمالات العدوان وخطورة المناورة.
أما الجهة الأخرى المعنية بالمناورة فهي إيران، فالخطاب السياسي لإسرائيل يوضح أن حكومة الثنائي «نتنياهو - ليبرمان» وضعت في مقدمة أولوياتها ما تسميه البرنامج النووي الإيراني الذي يتم الحديث عنه من قبل هذه الحكومة بشكل علني ليل نهار حتى إن هذا البرنامج كان في مقدمة الموضوعات التي بحثها نتنياهو مع الرئيس الأميركي باراك أوباما أثناء زيارته الأخيرة إلى واشنطن في 18/5/2009 هذا إضافة إلى أنباء تسربت قبل الزيارة تفيد بأن رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي قام بزيارة سرية إلى واشنطن ناقش خلالها وأثناءها مسألة وطرق ضرب المنشآت النووية الإيرانية، وخاصة أن الإدارة الأميركية ترفض هذه الضربة لاعتبارات متعددة، مفضلة إتباع الطرق الدبلوماسية تجاه هذا الأمر حتى نهاية العام الحالي ويقال حسب الأنباء التي سربت حول هذا الموضوع إن إسرائيل اقترحت على الولايات المتحدة أن تكون الضربة العسكرية لإيران كلاسيكية تساعدها على التفاوض مع إيران من موقع القوة ودون اللجوء إلى تقديم تنازلات أميركية لها.
علاوة على ذلك فإن إسرائيل تعتبر أن حزب الله في لبنان هو الذراع الإيرانية الطويلة على حدودها الشمالية من خلال القوة الصاروخية الضاربة التي يمتلكها والتي سيكون لها تأثير كبير على أي عمل عسكري قد تفكر به إسرائيل على إيران والمقاومة نفسها. وفي اللقاء الذي تم مؤخراً في الولايات المتحدة بين الرئيس الأميركي «أوباما» وبين «نتنياهو» لم يتزحزح الأخير قيد أنملة عن رؤيته المتشددة تجاه إيران والقائمة على أن إيران لا تشكل تهديداً إستراتيجياً لإسرائيل فحسب بل تشكل تهديداً كيانياً أو وجودياً لها، وهذا الكلام يعني في لغة السياسة الاستعداد لشن حرب، وقد تكون هذه المناورة مقدمة لذلك أو ضوءاً أخضر لها.
لا شك أن التردد الأميركي حتى الآن حول هذه الضربة قد يجعل إسرائيل تفكر بأنها إذا ما أقدمت عليها تكون قد فقدت الدعم الأميركي في هذا الأمر، إلى جانب ظهور اعتبارات واحتمالات غير محسوبة أيضاً، إلا أن الرأي الغالب في إسرائيل الذي تغذيه القيادات المتطرفة فيها هو أن الولايات المتحدة كانت على الدوام إلى جانب إسرائيل في حروبها مع العرب شاءت أم أبت، بمعنى أن إسرائيل ستورط الإدارة الأميركية وتجرّها إلى هذه الحرب.
من هنا يمكن القول إن مناورة «التحول» الثالث - كما أطلقت عليها إسرائيل حيث سبقتها مناورتان، قد تكون مقدمة لمغامرة إسرائيلية جديدة تضاف إلى مغامرات سابقة جرت في السنوات الثلاثين الماضية لم تكن في أغلبيتها لمصلحة إسرائيل، وبشكل خاص مغامراتها مع المقاومة في المنطقة.
باختصار إن مثل هذه المناورات الاستراتيجية التي تُجرى في مناطق حافلة بمعطيات وأسباب التفجر تحمل معها مخاطر كبيرة وقد تكون مقدمة لحرب استباقية، ولكنها حرب من نوع آخر لم تعرفه المنطقة من قبل من حيث نتائجها وتداعياتها، ولهذا فإن المقاومة اتخذت جميع الإجراءات المناسبة لمواجهة أي عدوان محتمل، وهي قادرة على ردّ الصاع صاعين لو فكر المغامرون في إسرائيل بتنفيذ أي اعتداء تحت حجج ومسوّغات أصبحت مكشوفة.