ارشيف من :آراء وتحليلات
الولايات المتحدة... قفزة إضافية نحو الانهيار
الولايات المتحدة تتجه بسرعة نحو وضع بات من الأولى لها فيه أن تعمل على تدارك انهياراتها الداخلية، بدلاً من السعي إلى تعزيز نفوذها في هذه أو تلك من مناطق العالم.
عندما تجد الولايات المتحدة نفسها مجبرة، تحت ضغط الفشل الذي أحاق بسياساتها في الشرق الأوسط، على نقل ثقلها السياسي والعسكري إلى منطقة آسيا الباسيفيكي، ثم يضطر رئيسها إلى إلغاء جولة هامة كان يعتزم القيام بها في تلك المنطقة، فإن ذلك لا يمكن إلا أن يكون مؤشراً على أن الولايات المتحدة تتجه بسرعة نحو وضع بات من الأولى لها فيه أن تعمل على تدارك انهياراتها الداخلية، بدلاً من السعي إلى تعزيز نفوذها في هذه أو تلك من مناطق العالم.
لقد ألغى باراك أوباما زيارتين كان يعتزم القيام بهما إلى كل من ماليزيا والفيليبين، وأتبع ذلك بإلغاء المشاركة في اثنتين من كبريات القمم التي تجمع رؤساء عشرات البلدان التي تشكل، حسب تعبير أوباما نفسه، أكبر منطقة ناشئة في العالم، والتي تراهن الولايات المتحدة عليها من أجل توفير فرص العمل لمواطنيها عبر الترويج لصادراتها إليها وتدعيم نفوذها فيها.
أما سبب هذا العطل الخطير في برنامج أوباما فهو فشل الولايات المتحدة، هذه المرة، في السباق مع الزمن. ففي الأول من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، حلت السنة المالية الجديدة، 2013-2014، من دون أن يتمكن الكونغرس ـ بعد أن أمضى أشهراً في مفاوضات مضنية ـ من إقرار موازنة لتلك السنة. وكانت النتيجة الفورية لذلك خروج أكثر من 800 ألف موظف فيدرالي من سوق العمل إلى سوق البطالة المسماة "إجازة بغير راتب". ويشتمل هذا العدد على نسبة كبيرة من الموظفين في البيت الأبيض والكونغرس ووزارة الخارجية والبنتاغون. كما ستتأخر نتيجة لهذا الوضع رواتب الجنود، إضافة إلى إغلاق المتنزّهات والمتاحف والحدائق العامة وغيرها من المرافق السياحية التي يؤدي إغلاقها إلى خسائر تقدر بعشرة مليارات دولار في الأسبوع.
وإذا ما استمر هذا الوضع حتى منتصف الشهر الحالي، فإن الولايات المتحدة ستكون عاجزة، في 17 أكتوبر/ تشرين الأول عن رفع سقف الدين الضروري لتغطية الإنفاق العام، وستواجه بالتالي استحقاق الإفلاس. والمعروف أن سقف الدين الحالي قد بلغ 16.7 تريليون دولار، أي ما يعادل 108 بالمئة من الناتج المحلي، وهو الأمر الذي يعتبر مؤشراً هاماً من المؤشرات التي يعتبرها مراقبون كثيرون مظهراً من مظاهر الانهيار الأميركي المتسارع. والمعروف أيضاً أن الإنفاق الأميركي يتم، منذ أيار/مايو الماضي، عن طريق إجراءات استثنائية تسمح باستدانة 60 مليار دولار شهرياً، وأن الاستمرار في الاستدانة لم يعد ممكناً من دون الاتفاق على رفع سقف الدين العام.
اوباما ألغى زيارتين إلى الخارج والمشاركة في قمتين !
والمعروف أن الرئيس أوباما قد وضع إقرار قانون الرعاية الصحية في طليعة أولويات ولايته الأولى، وأن الجمهوريين واجهوا إقرار هذا القانون بمعارضة شديدة. وخلال المعركة الرئاسية الأخيرة، أعلن مرشحهم للرئاسة، ميت رومني، بأنه سيعمل على إلغاء هذا القانون فور وصوله إلى البيت الأبيض في حال فوزه في الانتخابات.
ويستفيد من هذا القانون حوالي 30 مليون شخص ما زالوا غير مشمولين بأي تغطية صحية، رغم إنفاق الحكومة لتريليونات الدولارات سنوياً على تأمين الرعاية الصحية للمواطنين، وفي وقت تؤكد فيه الإحصاءات أن الولايات المتحدة هي الأولى في العالم لجهة حجم الإنفاق في المجال الصحي، لكنها من أكثر دول العالم تأخراً في مجال توفير الرعاية الصحية لجميع مواطنيها.
الانفاق عن طريق الاستدانة لم يعد ممكناً
وفي هذا المجال، أكد تقرير نشرته منظمة الصحة العالمية عام 2004 أن الرعاية الصحية في الولايات المتحدة هي الأغلى في العالم، لكنها لا توفر الرعاية للمحتاجين، ما يتسبب بموت 18 ألف شخص سنوياً. غير أن دراسة أجرتها جامعة هارفرد بينت أن عدد الضحايا يزيد عن 44 ألف شخص سنوياً.
الواضح إذاً أن المشكلة هي على صلة بالفساد والهدر اللذين تستفيد منهما شركات خاصة تعمل في المجال الصحي وفئات نافذة في الجهاز الإداري، وأن الفقراء الأميركيين هم الذين يدفعون الثمن من جيوبهم وأرواحهم. الفقراء الأميركيون وحدهم؟ من المنتظر أن تسجل أسعار الفائدة ارتفاعاً حاداً وأن تنهار قيمة الدولار. ما يعني أن الولايات المتحدة مهددة بأزمة مالية قد تتجاوز بتداعياتها السلبية أزمة العام 2008. وأن أضراراً جسيمة قد تلحق بالبلدان الفقيرة، على ما أكده رئيس البنك الدولي جيم يونغ كيم.