ارشيف من :آراء وتحليلات

استحقاق الانتخابات الرئاسية في سوريا: سقف زمني للتسويات... أم لتمديد الأزمة

استحقاق الانتخابات الرئاسية في سوريا: سقف زمني للتسويات... أم لتمديد الأزمة
من يتأمل في حال ومآل الأزمة السورية يخرج بجملة من الملاحظات الأساسية، أبرزها:

أولاً: ثمة نشاط في الاتصالات الروسية ـ الأميركية ملحوظ، حيث يتوالى انعقاد الجلسات الحوارية أو التفاوضية بين وزيري خارجية البلدين.

تتمحور هذه الاتصالات ـ بعيد تجاوز مسألة السلاح الكيميائي وطي صفحة الضربة العسكرية ـ حول ملف جنيف ـ 2 وكيفية توفير شروط انعقاده في أقرب وقت ممكن، حيث الموعد المضروب هو منتصف شهر تشرين الثاني، وهو موعد لا يبدو مضموناً، حيث سرعان ما شكك به ممثل الأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي، وهو تشكيك في محله لأكثر من اعتبار، أهمها الآتي:

أ ـ إن المعارضة السورية لم تعلن موافقة جازمة وواضحة على المشاركة، فهي ما زالت تضع شروطاً مستحيلة من قبيل حسم مسألة تنحي الرئيس الأسد مسبقاً، وهذا الشرط هو في الحقيقة غربي عموماً، وخليجي تحديداً، حيث ربط النظام السعودي ذهاب المعارضة السورية في الخارج ببت مصير الأسد مسبقاً، وهذا ما رفضه الروس، في حين أظهر الأميركيون استعداداً للقبول بتمديد مؤقت للأسد، الذي أصر بدوره بحسب بعض المعطيات على دورة كاملة، وأن يترك مصيره السياسي للانتخابات.

استحقاق الانتخابات الرئاسية في سوريا: سقف زمني للتسويات... أم لتمديد الأزمة
استحقاق الانتخابات الرئاسية في سوريا: سقف زمني للتسويات... أم لتمديد الأزمة

وفي هذا السياق كانت دعوة وزير الخارجية السوري المعارضة إلى التكلم بصوت واحد مؤشراً واضحاً على أن هذه المعارضة ما زالت معارضات وبعيدة عن التوافق سواء على سقف سياسي مشترك، أو وفد مشترك.

ب ـ إن خلاصة ما يتجمع من تسريبات ومواقف علنية للأميركيين والخليجيين والمعارضة السورية، يظهر وجود تمايزات ليست بالسهلة في كيفية مقاربة الأزمة السورية:

1 ـ الخليجيون يريدون حسم مصير الأسد مسبقاً، بينما الأميركيون قطعوا خطوة إلى الأمام، لجهة إظهار الاستعداد للقبول بتمديد مؤقت.

2 ـ الأميركيون تجاوزا مسألة إعادة النظر في هيكلية الجيش السوري والأجهزة الأمنية، باتجاه الاكتفاء بتغيير يطال فقط بعض القيادات، وذلك ربطاً بالتصدي للمجموعات التكفيرية والإرهابية، ولأن الجيش والأجهزة الأمنية يبقيان ضمانة أساسية لمنع انهيار الأمور نحو الفوضى في حال حلهما، وبما يفتح الطريق لاندلاع عملية تصفية حساب أهلية وطائفية ودينية على أوسع مدى.

في المقابل، يريد الخليجيون حل المؤسستين العسكرية والأمنية، وإعادة هيكلتهما بما ينسجم مع موقع ودور سياسي جديد لسوريا، ومن خلال فتح الطريق لضم المجموعات المسلحة المحسوبة عليهما لصفوف هذا الجيش.

استحقاق الانتخابات الرئاسية في سوريا: سقف زمني للتسويات... أم لتمديد الأزمة
استحقاق الانتخابات الرئاسية في سوريا: سقف زمني للتسويات... أم لتمديد الأزمة

3 ـ الأميركيون يريدون دوراً رئيسياً للائتلاف العسكري برئاسة إدريس، بينما السعوديون يعملون على إضعافه لمصلحة ائتلاف المجموعات العسكرية التكفيرية المنضوية اليوم تحت لواء جيش الإسلام بقيادة زهران علوش الذي يديره مباشرة رئيس جهاز الاستخبارات السعودية بندر بن سلطان.

لا يظهر الأميركيون هنا اعتراضاً قوياً في وجه السعوديين لاعتبارات تتعلق بالحاجة إلى تمويلهم للحرب في السعودية، ولكون ورقة التكفيريين يمكن استخدامها في المفاوضات مع الروس والإيرانيين من أجل تليين مواقفهما.

إذا أضفنا إلى ما تقدم حجم الانفعال والغضب السعودي من تراجع واشنطن عن حربها المباشرة ضد سوريا، ومن ثم تفاجؤها بالتقارب الأميركي ـ الإيراني، يظهر لدينا أن مهمة واشنطن مع حلفائها لن تكون سهلة أبداً في ما يتعلق بدفعها لترتيب عقد جنيف ـ 2، وذلك على العكس تماماً من روسيا التي لا تجد عقبات تذكر.

ثانياً: إن واحدة من العقبات التي حالت حتى الآن دون عقد جنيف ـ 2 هو التوافق على أسماء الدول والوفود المشاركة. ومن المعروف أن واشنطن كانت حتى الأمس القريب ترفض مشاركة إيران، إلا أنها مؤخراً لينت من موقفها حيث وضعت شرطاً لهذه المشاركة لا يبدو صعباً وهو إعلان طهران قبولها باتفاق جنيف.

وربما يعود ذلك إلى عاملين: الأول، رغبة واشنطن في تحسين علاقاتها مع طهران. والثاني، إدراكها العميق أنه لا يمكن تجاوز دورها في أي اتفاق لاحق.

وفي مطلق الأحوال، من الطبيعي أن لا تنظر الرياض بعين الرّضا لهذا التطور، حيث ترى فيه تناقضاً جوهرياً مع الأهداف الاستراتيجية لوظيفة الحرب على سوريا,

ثالثاً: ثمة خلاف ما زال بارزاً بين واشنطن وموسكو حول وفد المعارضة، حيث تصر الأولى على حصرها بـ "الائتلاف الوطني السوري" وبالتالي استبعاد باقي فصائل المعارضة الأخرى من هيئة تنسيق وتيار بناء الدولة، والهيئة الكردية العليا.

رابعاً: الخلاف أيضاً ما زال قائماً حول الأسماء التي يجب أن تغطي المرحلة الانتقالية، إضافة إلى توصيف ماهية هذه المرحلة.

خامساً: من الواضح، أن هناك محاولات حثيثة تجري في مناطق هيمنة المجموعات المسلحة لإعادة رسم توازناتها العسكرية، من خلال عملية ضم وفرز تتم بالنار:

ـ المجموعات الإرهابية التكفيرية المحسوبة على النظام السعودي في مقابل داعش المحسوبة على القاعدة وأخواتها.

ـ المجموعات الإرهابية نفسها المحسوبة على الرياض في مقابل الجيش السوي الحر.

لا يمكن عزل هذه الصراعات عن محاولات كل طرف إقليمي تحسين أوراقه لحجز موقع له على الطاولة لاحقاً، ولتأكيد قدرته على أداء بعض المهمات والوظائف لمصلحة الخارج، وبالتالي تقديم نفسه كبديل لما يطرح، خصوصاً في ما له صلة بالتصدي لفصائل "القاعدة" وأخواتها.

كخلاصة يمكن القول، أن عقد اتفاق جنيف ـ 2 ما زالت دونه عقبات حقيقية تتصل بتوازنات الصراع، وتعقيدات حسابات المصالح لكل الأطراف المعنية، ولذا من المتوقع أن تبقى الأزمة السورية مفتوحة على المزيد من التجاذبات السياسية المرتبطة بدورها بالمزيد من المواجهات الميدانية، والتي سترتفع حماوتها مع الوقت خصوصاً مع كل مرة تدخل فيها المفاوضات مرحلة أو مراحل متقدمة، ومع ملاحظة أن استحقاق الانتخابات الرئاسية في سوريا هو العام المقبل، فإن هذا الاستحقاق سيشكل موعداً مفصلياً وسقفاً زمنياً إما لإنجاز التسويات، أو لتجاوزها نحو فرض وقائع ومعطيات جديدة.
2013-10-10