ارشيف من :آراء وتحليلات

فلسطين بين التصفية والمقاومة الجديدة

فلسطين بين التصفية والمقاومة الجديدة
يشهد العالم العربي موجة واسعة من الأحداث والمفاجآت والتحولات الكبرى سوف يكون لها انعكاسات مصيرية على معظم البلدان في المنطقة وعلى القضايا الوطنية العالقة لاسيما المسالة الفلسطينية . لذلك تتوجه الانظار باهتمام شديد الى المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، خاصة وأنھا تجري في ظل أوضاع متغيّرة فرضها ما يسمى " الربيع العربي " وتقلبات الحركات الإسلامية حيث بدل البعض منها اولوياته وبالتالي لم تعد فلسطين قبلته.

عقدت حتى الان جولات عدة بين "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية متنقلة بين القدس وأريحا. وقد وصلت المفاوضات الى طريق مسدود، بعدما تمسك الوفد الإسرائيلي بعقد اتفاق انتقالي جديد تبقي بموجبه "إسرائيل" سيطرتھا على الحدود الفلسطينية مع الأردن، وعلى المعابر بين الأردن وفلسطين، وعلى الأغوار التي تشكل 28 في المئة من مساحة الضفة الغربية. كما طالب الوفد ببقاء محطات الإنذار المبكر الإسرائيلية المقامة على سلسلة السفوح الشرقية للضفة. وطالب بإبقاء السيادة الإسرائيلية على المستوطنات في الضفة والمرافق الخاصة بھا.

فلسطين بين التصفية والمقاومة الجديدة
فلسطين بين التصفية والمقاومة الجديدة

بينما الجانب الفلسطيني طالب بأن تكون خطوط عام 1967 ھي الحدود بين الدولتين. ولكن الجانب الإسرائيلي رفض البحث في الحدود، وجعل الأمن محوراً لرسم ھذه الحدود.

السؤال المطروح اليوم وغدا : الى اين ستفضي هذه المفاوضات في ظل الفوضى العربية؟ وهل البيئة الاقليمية والدولية مساعدة لانتاج تسوية عادلة ؟ ام نحن امام مسرحية جديدة لتصفية القضية الفلسطينية ؟

الراعي الأميركى يلعب دور المتفرج : جون كيري وزير الخارجية يسعى الى إنجاز تاريخي بعد خسارته الانتخابات الرئاسية عام 2004 وشاءت الظروف أن يعود وزيراً للخارجية. بينما مارتن انديك - منسق المفاوضات ھو الرئيس السابق للإيباك، أكبر لوبي مؤيد لإسرائيل في واشنطن - في مقدوره المساعدة على التوصل الى تسوية موقتة ولو على الورق، وليس الى حل دائم او تسوية نھائية.

من جهته الرئيس الأميركي باراك أوباما يرغب في تسوية للنزاع، لكنه لا يريد قطعاً توريط واشنطن في نزاعات وحروب في المنطقة. وهو ينتظر دينامية العلاقات الأميركية - الإيرانية التي تؤثر على مواقف أكثر من طرف في المنطقة .

اذا تركنا اميركا وهمومها وتوجهنا الى اسرائيل وھي الطرف الأكثر صعوبة وتعقيداً في ھذه المفاوضات نجد انها تعرف أن العالم العربي في حالة ضعف وارتباك وانشغال، ما يسمح لها بأن تحصن وتحسن علاقاتھا مع دول الخليج ومحاولة انشاء جبهة معهم ضد ايران . كما ان القيادة الحالية في اسرائيل ترضي المناخ السائد في الوسط الإسرائيلي بعد تمدد اليمين المتشدد لأكثر من عقد من الزمن. لذلك الھمّ الأول لرئيس الوزراء بنيامين نتنياھو اليوم ھو إيران النووية. 

إن فكرة " الھولوكوست " النووي تؤرقه كما كتب الصحافي والكاتب الإسرائيلي عكيفا الدار مؤخرا . من هنا تستغل اسرائيل المفاوضات، من اجل توسيع ھامش المناورة والمماطلة الى أقصى الحدود وتأجيل البحث في القضايا الرئيسة مثل القدس والعودة واللاجئين الى مراحل لاحقة دون توتير العلاقة مع واشنطن.

واذا يممنا الطرف باتجاه السلطة الفلسطينية وھي الحلقة الأضعف في ھذه السلسلة نجدها منقسمة مربكة مترددة حائرة .
وللأسف لم تعد حال الانقسام مقتصرة على فلسطين، بل أصبحت سمة الأوضاع العربية في أكثر من مكان: مصر مرسي ومصر السيسي، سوريا الاسد وسوريا القاعدة ، وعراق المالكي وعراق الصحوات والانفصال، وتونس الغنوشى وتونس المعارضة الخ...
ويجدر التذكير بأن إسرائيل سبق أن وقّعت اتفاق سلام مع لبنان سمّي اتفاق 17 آيار 1983 وتمكنت المقاومة من اسقاطه . كما ان اتفاق أوسلو ترنح بفعل الانقسام الفلسطيني والتجاذبات الإقليمية. وتطورات مصر قد تطيح بكامب دايفد . والاردن ينتظر تغيرات تهدد اتفاق وادي عربة.

ولاكتمال المشھد لا بد من الإشارة الى انخفاض منسوب الحماسة لإحياء المفاوضات لدى الشارع الفلسطيني، لا سيما في الضفة الغربية. فالفلسطينيون يعون تماماً صعوبة الوصول إلى حل مقبول يتناول القضايا الأساسية مثل القدس الشرقية والمستوطنات حولھا والعودة وغيرھا. وهناك مخزون للمقاومة الفلسطينية يهدد بانفجار انتفاضة جديدة .

في الخلاصة، اسرائيل لا تستطيع أن تقول لا للراعي الأميركي، و السلطة لا تستطيع وسط الظروف العربية السائدة ان تتخذ موقفا وتحميه. من المتوقع ان تستمر المفاوضات كملهاة من دون نتائج حاسمة، قد تمرَّر تفاهمات أو ترتيب معين من دون تسوية ما يبقي الباب مفتوحا امام تحولات الدول المحيطة بفلسطين.

فلسطين امام مفترق: التصفية اذا ساد عرب التقسيم والتكفير او مقاومة فلسطينية جديدة تتفاعل مع تصاعد جبهة الممانعة والمقاومة في الاقليم.

2013-10-12