ارشيف من :آراء وتحليلات
’اسرائيل’ تعترف: لن ننتصر على حزب الله حتى عام 2025
قبل ما يقرب من ثلاثة أعوام، وبتاريخ 22/01/2010، توقّع الوزير الصهيوني، يوسي بيليد، اندلاع ما أسماه "حرب لبنان الثالثة" على الحدود الشمالية مع حزب الله. بيليد، الذي شغل في حينه مقعداً في "المجلس الوزاري المصغر" للشؤون الامنية والسياسية، والمتطلع على التقديرات والاستعدادات العسكرية لجيش الاحتلال الاسرائيلي حيال لبنان، بنى تقديراته على ان "طريقة تصرف "اسرائيل" وحزب الله تدل على انهما يسيران نحو المجابهة المحتومة، وان الحرب حتمية".
ولم يكن بيليد، هو المسؤول الصهيوني الوحيد، الذي تحدث عن الحرب وإمكانات نشوبها. سبقه واعقبه، جملة من التصريحات والمواقف، التي دلت على "قرب وشيك" لوقوع الحرب، وكما يذكر المتابعون، تفنن وزير الحرب في حينه، ايهود باراك، في استعراض تكتيكات المواجهة العسكرية مع حزب الله واستراتيجياتها، والتي اكد فيها انها لن تكون كما الحرب الماضية، وان "اسرائيل ستنتصر فيها".
ورغم ان كثيراً من "استعراض القوة" والتهديدات الصهيونية كان مركزاً تحديداً على ايجاد او تعزيز الردع تجاه حزب الله، ربطاً بالمتغيرات الداخلية في لبنان والمنطقة، وسعياً من "تل ابيب" الى منع او تأجيل أي مواجهة ترى ان المتغيرات والتطورات الاقليمية قد تتسبب بها، وعلى رأسها تطورات الملف النووي لايران، والحرب المشتعلة في سوريا، منذ ثلاث سنوات، الاّ ان "تل ابيب" واصلت استعراض تهديداتها، بشكل يومي واسبوعي.
مع ذلك، كان في لبنان من تلقّف التصريحات والمواقف الصهيونية، طوال السنوات الماضية، وبنى عليها احلاماً وكأن "طبق السلطة"، في اعقاب اي اعتداء اسرائيلي، بات في متناول اليد.
وكيفما اتفق، مرت السنوات والحرب لم تقع. اسباب امتناع الحرب وموانعها، عديدة ومتشابكة ولعل مسبباتها أكثر من ان تحصى، في مقابل توثب ومصلحة واندفاع "اسرائيل" لشنها. الاّ ان السبب الاكثر بروزاً لمنع الحرب، والذي لا يمكن القفز من فوقه، هو قدرة المقاومة في لبنان على تدفيع "تل ابيب" الثمن، والاّ لا مكان لفاعلية أي سبب آخر قادر وحده، على منع اعتداء "اسرائيل" على لبنان، في ظل توثب لا يخفيه مسؤولو "تل ابيب".
في مؤتمر جامعة "بن غوريون" قبل ايام، تحدث كبار مسؤولي الكيان الصهيوني، من سياسيين وعسكريين، وعلى رأسهم رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ورئيس أركان الجيش، بني غانتس، اضافة الى عدد آخر من المسؤولين والخبراء. وكان عنوان المؤتمر لافتاً، ويرتبط باستشراف الحرب إن وقعت، في العام 2025. ورغم ما ورد فيها من مواقف عنجهة وتعالٍ، الاّ انها اشارت، بصورة او بأخرى، الى تسليم "تل ابيب" بأن التهديدات التي ترصدها في لبنان والمنطقة، بدءاً من حزب الله مروراً بسوريا وصولاً الى العراق وايران، باقية حتماً حتى حينه، وبعبارة أدق، "اسرائيل" تسلم مسبقاً بانها ستفشل طوال هذه المدة في ازالة التهديدات عنها، بل وتنظم مؤتمرات لكبار القوم، للحديث عن المواجهة بعد عشرات السنين.
محاضرة الجنرال بني غانتس، كانت لافتة. من قرأ مقتطفات من أقواله في المؤتمر، وربطها بمواقف سابقة صدرت عنه، يرى فيها تناقض كبير، إن لجهة الرؤية والمفاهيم واستشراف المستقبل، او لجهة الاقرار غير المباشر بإنعدام القدرة على ازالة التهديدات، رغم كونه شدّد في المقابل، على ما أسماه "جاهزية الجيش لاي تهديد وفي كل الجبهات".
و"تل ابيب"، منذ ان توقفت الاعمال العدائية في أعقاب حرب الـ33 يوماً عام 2006، كانت تعد بانها باتت جاهزة للحرب المقبلة، وانها لن تقع في "اخطاء" الحرب السابقة. ووعد مسؤولوها بالنصر، وعبارة "النصر السريع والحاسم والذي لا لبس فيه"، الصادرة عن بني غانتس نفسه، ترددت سنوات، واستخدمها معظم الخبراء في "اسرائيل". لكن ما قيل في محاضرات الايام الماضية في "بار ايلان"، انهى هذا المصطلح تماماً، وربما اخرجه من التداول.
من جهة "اسرائيل"، يمثل حزب الله تهديداً مركباً:
اولاً: تهديد تعاظم القوة واستمرار تراكمها، كماً ونوعاً، بدءاً من الاسلحة التي خبرتها "اسرائيل" في حروبها الماضية مع لبنان، وصولاً الى السلاح الدقيق والنوعي، الذي من شأنه ان يبدأ وينهي المعركة، بصورة لم تعهدها من قبل، مع قدرة على اصابة أي نقطة وأي هدف، عسكري او استراتيجي، على كامل رقعة فلسطين المحتلة الجغرافية.
وحديث غانتس وغيره من المسؤولين السياسيين والعسكريين، عن حرب مقبلة مع حزب الله تشهد على هذا النوع من السلاح، دليل على فشل واقرار بفشل مسبق يمتد حتى عام 2025.
ثانياً: تهديد أصل وجود السلاح في لبنان، واستخدام وجوده، لا استخدامه الفعلي، في منع اي اعتداء على لبنان، قد ترى "اسرائيل" ان مصلحتها الاقدام عليه. هدوء السنوات السبع الماضية، دليل على فاعلية هذا التهديد ونجاعته، مع ادراك "اسرائيل" بان ارادة استخدامه، في حال الضرورة، موجودة بالفعل. وذلك رغم كل ما يقال كيدياً من قبل بعض القوى اللبنانية، التي يمكن ان نسميها بـ"الكارهة للذات" والمرتهنة كلياً للارادة الخارجية على حساب المصلحة اللبنانية الخاصة.
ثالثاً: تحول حزب الله الى لاعب اقليمي مؤثر في اقرار وفرض معادلات او اجهاضها. وهذا الدور كان فاعلاً وكبيراً جداً في لبنان، وايضاً في الساحة السورية، كما ترصد "تل ابيب"، واستطاع مع حلفائه ان يمنع تشكيل جديد للمنطقة، يصب في المصلحة الغربية والاسرائيلية.
والسؤال الاسرائيلي الكبير هو: ما الذي يمكن القيام به، او امكن القيام به، لمنع هذا الدور واجتثاث هذا التهديد، الذي لم يعد تهديداً محلياً، بل بات وتجذر، كتهديد اقليمي متصل من بيروت وغزة، الى بغداد وطهران، مروراً بدمشق؟
واذا كانت "تل ابيب" لم، وأيضاً لن، تقف على المنابر لتقول انها فشلت في المواجهة مع حزب الله، لكنها في الامس، قالت ذلك بصورة غير مباشرة.
اولاً: تحدث بني غانتس عن حرب عام 2025، ستكون مغايرة كلياً لكل ما اختبره الاسرائيليون، وان منظمة كحزب الله، ليست دولة، ستمتلك قدرات دقيقة جداً وغير مسبوقة وبإمكانها ان تلحق اضرارا بـ "اسرائيل" اكثر من اي حرب مرت عليها.
وهو اقرار غير مباشر، بان تراكم القوة كماً ونوعاً، سيتواصل ويتعزز أكثر مع مرور الايام والسنوات، حتى تاريخه، وبمعنى آخر، ستفشل "اسرائيل" في منع هذا التعاظم، المرتقب ان يكون اكبر واشمل واكثر ايلاماً لاعداء حزب الله، وعلى رأسهم "تل ابيب".
ثانياً: يتحدث غانتس عن ان قدرات حزب الله القتالية، وتحديداً الوسائل القتالية النوعية الدقيقة، قد تنتقل الى أماكن تهديد اخرى في المنطقة، وهو يرى ان هذا السيناريو معقول وليس خيالياً، ويرسم بموجبه سيناريوهات الحرب المقبلة، التي عددها في كلمته، ونشرت وسائل الاعلام معظم ما ورد فيها.
وفي ذلك، ايضاً، اقرار من غانتس، بان تهديد حزب الله، من جهة دقة ونوعية وسائله القتالية، لن يبقى محصوراً في لبنان بل سيمتد لاماكن اخرى، ولا يخفى ان القصد من ذلك هو قطاع غزة تحديداً، التي يرى جيش الاحتلال رابطاً لا ينفك بينها وبين حزب الله، مهما كانت الظروف وعثرات العلاقات بين الجانبين. وهو اقرار اضافي، بأن ما يسميه الصهاينة بـ"الحرب غير المنظورة" لمنع حزب الله وايران من تعظيم قدرات فصائل المقاومة في قطاع غزة، مآلها الفشل، على المدى الطويل.
ثالثاً: في معرض الكلمات التي القيت في المؤتمر، برزت كلمة رئيس مجلس "الامن القومي" السابق، اللواء احتياط غيورا ايلاند، وهو احد الخبراء الاستراتيجيين الاساسيين في الكيان الصهيوني، بما خص الاستراتيجيات العسكرية والتنظير لها، وقد سبق له ان ترأس شعبتي التخطيط والعمليات في جيش الاحتلال، ويعمل حالياً باحثاً اساسياً في مركز ابحاث الامن القومي في "تل ابيب"، ولا يخلو مؤتمر في "اسرائيل"، يبحث في اساليب مواجهة حزب الله، الا وكان احد اهم المحاضرين فيه.
حديث ايلاند كان واضحاً: "لا نصر عسكرياً على حزب الله، ومن يعمل على ذلك، يضيع الوقت لا اكثر". وقد نصح ايلاند في كلمته بالبحث عن استراتيجية مواجهة مع حزب الله، مغايرة للطرق والوسائل العسكرية، وذلك عبر تهديد طرف ثالث، اي الدولة اللبنانية، الامر الذي يكفل، بحسب ايلاند، ان لا تندلع الحرب، لان منسوب الردع سيكون مرتفع، وفي حال وقوعها، ستقلص "اسرائيل" الخسائر التي تقدرها نتيجة هذه الحرب، عبر دفع العالم الى التدخل لمنع الاضرار بلبنان، وبالتالي تقصير مدة الحرب من 33 يوماً الى ثلاثة ايام.
ايلاند نفسه، أشار في محاضرة القاها عام 2012، الى ان القدرة على الحاق الهزيمة بحزب الله معدومة، وبالتالي على "اسرائيل" ان تبحث عما من شأنه ان يمنع الحرب، مشيراً، وكعينة، الى محطة الخضيرة للكهرباء في شمال فلسطين المحتلة، والتي اكد ان استهدافها من قبل حزب الله، سيبقي "اسرائيل" ستة اشهر، على الاقل، في الظلام، وهو ثمن لا يمكن ان تتعايش معه "اسرائيل"، مهما كانت دوافع واسباب حربها على لبنان.
مؤتمر معهد بيغن السادات للدراسات الاستراتيجية، التابع لجامعة بار ايلان، كان واضحاً في كلماته وايضاً لاءاته: "لا يمكن منع تعاظم حزب الله العسكري، ولا يمكن منع انتقال القدرات النوعية الى ساحات تهديد أخرى، ولا يمكن الحاق هزيمة عسكرية بحزب الله، واذا وقعت الحرب فستتسبب بدمار غير مسبوق لـ "اسرائيل".. بل اكثر من ذلك، على "اسرائيل" ان تعمل على منع الحرب، كي تتجنب ويلاتها".
مؤتمر بار ايلان قال كلمته، واعلن انتصار حزب الله حتى من دون حرب مقبلة وعد الصهيانية منذ سبع سنوات بأنها ستكون وشيكة وحاسم. ولاءات بار ايلان، هي ايضاً برسم من يعارض ويعادي، سلاح حزب الله، سواء في لبنان او خارجه.
ولم يكن بيليد، هو المسؤول الصهيوني الوحيد، الذي تحدث عن الحرب وإمكانات نشوبها. سبقه واعقبه، جملة من التصريحات والمواقف، التي دلت على "قرب وشيك" لوقوع الحرب، وكما يذكر المتابعون، تفنن وزير الحرب في حينه، ايهود باراك، في استعراض تكتيكات المواجهة العسكرية مع حزب الله واستراتيجياتها، والتي اكد فيها انها لن تكون كما الحرب الماضية، وان "اسرائيل ستنتصر فيها".
ورغم ان كثيراً من "استعراض القوة" والتهديدات الصهيونية كان مركزاً تحديداً على ايجاد او تعزيز الردع تجاه حزب الله، ربطاً بالمتغيرات الداخلية في لبنان والمنطقة، وسعياً من "تل ابيب" الى منع او تأجيل أي مواجهة ترى ان المتغيرات والتطورات الاقليمية قد تتسبب بها، وعلى رأسها تطورات الملف النووي لايران، والحرب المشتعلة في سوريا، منذ ثلاث سنوات، الاّ ان "تل ابيب" واصلت استعراض تهديداتها، بشكل يومي واسبوعي.
مع ذلك، كان في لبنان من تلقّف التصريحات والمواقف الصهيونية، طوال السنوات الماضية، وبنى عليها احلاماً وكأن "طبق السلطة"، في اعقاب اي اعتداء اسرائيلي، بات في متناول اليد.
وكيفما اتفق، مرت السنوات والحرب لم تقع. اسباب امتناع الحرب وموانعها، عديدة ومتشابكة ولعل مسبباتها أكثر من ان تحصى، في مقابل توثب ومصلحة واندفاع "اسرائيل" لشنها. الاّ ان السبب الاكثر بروزاً لمنع الحرب، والذي لا يمكن القفز من فوقه، هو قدرة المقاومة في لبنان على تدفيع "تل ابيب" الثمن، والاّ لا مكان لفاعلية أي سبب آخر قادر وحده، على منع اعتداء "اسرائيل" على لبنان، في ظل توثب لا يخفيه مسؤولو "تل ابيب".
في مؤتمر جامعة "بن غوريون" قبل ايام، تحدث كبار مسؤولي الكيان الصهيوني، من سياسيين وعسكريين، وعلى رأسهم رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ورئيس أركان الجيش، بني غانتس، اضافة الى عدد آخر من المسؤولين والخبراء. وكان عنوان المؤتمر لافتاً، ويرتبط باستشراف الحرب إن وقعت، في العام 2025. ورغم ما ورد فيها من مواقف عنجهة وتعالٍ، الاّ انها اشارت، بصورة او بأخرى، الى تسليم "تل ابيب" بأن التهديدات التي ترصدها في لبنان والمنطقة، بدءاً من حزب الله مروراً بسوريا وصولاً الى العراق وايران، باقية حتماً حتى حينه، وبعبارة أدق، "اسرائيل" تسلم مسبقاً بانها ستفشل طوال هذه المدة في ازالة التهديدات عنها، بل وتنظم مؤتمرات لكبار القوم، للحديث عن المواجهة بعد عشرات السنين.
محاضرة الجنرال بني غانتس، كانت لافتة. من قرأ مقتطفات من أقواله في المؤتمر، وربطها بمواقف سابقة صدرت عنه، يرى فيها تناقض كبير، إن لجهة الرؤية والمفاهيم واستشراف المستقبل، او لجهة الاقرار غير المباشر بإنعدام القدرة على ازالة التهديدات، رغم كونه شدّد في المقابل، على ما أسماه "جاهزية الجيش لاي تهديد وفي كل الجبهات".
و"تل ابيب"، منذ ان توقفت الاعمال العدائية في أعقاب حرب الـ33 يوماً عام 2006، كانت تعد بانها باتت جاهزة للحرب المقبلة، وانها لن تقع في "اخطاء" الحرب السابقة. ووعد مسؤولوها بالنصر، وعبارة "النصر السريع والحاسم والذي لا لبس فيه"، الصادرة عن بني غانتس نفسه، ترددت سنوات، واستخدمها معظم الخبراء في "اسرائيل". لكن ما قيل في محاضرات الايام الماضية في "بار ايلان"، انهى هذا المصطلح تماماً، وربما اخرجه من التداول.
من جهة "اسرائيل"، يمثل حزب الله تهديداً مركباً:
اولاً: تهديد تعاظم القوة واستمرار تراكمها، كماً ونوعاً، بدءاً من الاسلحة التي خبرتها "اسرائيل" في حروبها الماضية مع لبنان، وصولاً الى السلاح الدقيق والنوعي، الذي من شأنه ان يبدأ وينهي المعركة، بصورة لم تعهدها من قبل، مع قدرة على اصابة أي نقطة وأي هدف، عسكري او استراتيجي، على كامل رقعة فلسطين المحتلة الجغرافية.
وحديث غانتس وغيره من المسؤولين السياسيين والعسكريين، عن حرب مقبلة مع حزب الله تشهد على هذا النوع من السلاح، دليل على فشل واقرار بفشل مسبق يمتد حتى عام 2025.
ثانياً: تهديد أصل وجود السلاح في لبنان، واستخدام وجوده، لا استخدامه الفعلي، في منع اي اعتداء على لبنان، قد ترى "اسرائيل" ان مصلحتها الاقدام عليه. هدوء السنوات السبع الماضية، دليل على فاعلية هذا التهديد ونجاعته، مع ادراك "اسرائيل" بان ارادة استخدامه، في حال الضرورة، موجودة بالفعل. وذلك رغم كل ما يقال كيدياً من قبل بعض القوى اللبنانية، التي يمكن ان نسميها بـ"الكارهة للذات" والمرتهنة كلياً للارادة الخارجية على حساب المصلحة اللبنانية الخاصة.
ثالثاً: تحول حزب الله الى لاعب اقليمي مؤثر في اقرار وفرض معادلات او اجهاضها. وهذا الدور كان فاعلاً وكبيراً جداً في لبنان، وايضاً في الساحة السورية، كما ترصد "تل ابيب"، واستطاع مع حلفائه ان يمنع تشكيل جديد للمنطقة، يصب في المصلحة الغربية والاسرائيلية.
والسؤال الاسرائيلي الكبير هو: ما الذي يمكن القيام به، او امكن القيام به، لمنع هذا الدور واجتثاث هذا التهديد، الذي لم يعد تهديداً محلياً، بل بات وتجذر، كتهديد اقليمي متصل من بيروت وغزة، الى بغداد وطهران، مروراً بدمشق؟
واذا كانت "تل ابيب" لم، وأيضاً لن، تقف على المنابر لتقول انها فشلت في المواجهة مع حزب الله، لكنها في الامس، قالت ذلك بصورة غير مباشرة.
اولاً: تحدث بني غانتس عن حرب عام 2025، ستكون مغايرة كلياً لكل ما اختبره الاسرائيليون، وان منظمة كحزب الله، ليست دولة، ستمتلك قدرات دقيقة جداً وغير مسبوقة وبإمكانها ان تلحق اضرارا بـ "اسرائيل" اكثر من اي حرب مرت عليها.
وهو اقرار غير مباشر، بان تراكم القوة كماً ونوعاً، سيتواصل ويتعزز أكثر مع مرور الايام والسنوات، حتى تاريخه، وبمعنى آخر، ستفشل "اسرائيل" في منع هذا التعاظم، المرتقب ان يكون اكبر واشمل واكثر ايلاماً لاعداء حزب الله، وعلى رأسهم "تل ابيب".
ثانياً: يتحدث غانتس عن ان قدرات حزب الله القتالية، وتحديداً الوسائل القتالية النوعية الدقيقة، قد تنتقل الى أماكن تهديد اخرى في المنطقة، وهو يرى ان هذا السيناريو معقول وليس خيالياً، ويرسم بموجبه سيناريوهات الحرب المقبلة، التي عددها في كلمته، ونشرت وسائل الاعلام معظم ما ورد فيها.
وفي ذلك، ايضاً، اقرار من غانتس، بان تهديد حزب الله، من جهة دقة ونوعية وسائله القتالية، لن يبقى محصوراً في لبنان بل سيمتد لاماكن اخرى، ولا يخفى ان القصد من ذلك هو قطاع غزة تحديداً، التي يرى جيش الاحتلال رابطاً لا ينفك بينها وبين حزب الله، مهما كانت الظروف وعثرات العلاقات بين الجانبين. وهو اقرار اضافي، بأن ما يسميه الصهاينة بـ"الحرب غير المنظورة" لمنع حزب الله وايران من تعظيم قدرات فصائل المقاومة في قطاع غزة، مآلها الفشل، على المدى الطويل.
ثالثاً: في معرض الكلمات التي القيت في المؤتمر، برزت كلمة رئيس مجلس "الامن القومي" السابق، اللواء احتياط غيورا ايلاند، وهو احد الخبراء الاستراتيجيين الاساسيين في الكيان الصهيوني، بما خص الاستراتيجيات العسكرية والتنظير لها، وقد سبق له ان ترأس شعبتي التخطيط والعمليات في جيش الاحتلال، ويعمل حالياً باحثاً اساسياً في مركز ابحاث الامن القومي في "تل ابيب"، ولا يخلو مؤتمر في "اسرائيل"، يبحث في اساليب مواجهة حزب الله، الا وكان احد اهم المحاضرين فيه.
حديث ايلاند كان واضحاً: "لا نصر عسكرياً على حزب الله، ومن يعمل على ذلك، يضيع الوقت لا اكثر". وقد نصح ايلاند في كلمته بالبحث عن استراتيجية مواجهة مع حزب الله، مغايرة للطرق والوسائل العسكرية، وذلك عبر تهديد طرف ثالث، اي الدولة اللبنانية، الامر الذي يكفل، بحسب ايلاند، ان لا تندلع الحرب، لان منسوب الردع سيكون مرتفع، وفي حال وقوعها، ستقلص "اسرائيل" الخسائر التي تقدرها نتيجة هذه الحرب، عبر دفع العالم الى التدخل لمنع الاضرار بلبنان، وبالتالي تقصير مدة الحرب من 33 يوماً الى ثلاثة ايام.
ايلاند نفسه، أشار في محاضرة القاها عام 2012، الى ان القدرة على الحاق الهزيمة بحزب الله معدومة، وبالتالي على "اسرائيل" ان تبحث عما من شأنه ان يمنع الحرب، مشيراً، وكعينة، الى محطة الخضيرة للكهرباء في شمال فلسطين المحتلة، والتي اكد ان استهدافها من قبل حزب الله، سيبقي "اسرائيل" ستة اشهر، على الاقل، في الظلام، وهو ثمن لا يمكن ان تتعايش معه "اسرائيل"، مهما كانت دوافع واسباب حربها على لبنان.
مؤتمر معهد بيغن السادات للدراسات الاستراتيجية، التابع لجامعة بار ايلان، كان واضحاً في كلماته وايضاً لاءاته: "لا يمكن منع تعاظم حزب الله العسكري، ولا يمكن منع انتقال القدرات النوعية الى ساحات تهديد أخرى، ولا يمكن الحاق هزيمة عسكرية بحزب الله، واذا وقعت الحرب فستتسبب بدمار غير مسبوق لـ "اسرائيل".. بل اكثر من ذلك، على "اسرائيل" ان تعمل على منع الحرب، كي تتجنب ويلاتها".
مؤتمر بار ايلان قال كلمته، واعلن انتصار حزب الله حتى من دون حرب مقبلة وعد الصهيانية منذ سبع سنوات بأنها ستكون وشيكة وحاسم. ولاءات بار ايلان، هي ايضاً برسم من يعارض ويعادي، سلاح حزب الله، سواء في لبنان او خارجه.