ارشيف من :آراء وتحليلات
30 مليون عبد معاصر في العالم
من المعلوم تاريخيا ان النظام العبودي هو اول نظام استغلالي طبقي في تاريخ المجتمع البشري. وقد ساد النظام العبودي بعد انحلال النظام المشاعي البدائي اللاطبقي. وقد شقت الامبراطورية الرومانية الطريق للنظام العبودي، بقوة السيف. وكانت دولة قرطاجة، الفينيقية في شمال افريقيا، او الاصح كان "الحزب الوطني" القرطاجي بقيادة عائلة برقة (التي برز منها القائد هملقار برقة وابنه المحارب الاسطوري هنيبعل برقة) ـ كان آخر معاقل الدفاع عن نظام المشاعية البدائية التي كانت تقوم على العمل الحر للمنتجين الاحرار، ضمن الاطر العائلية والعشائرية والقبلية. وقد سقطت قرطاجة بتضافر قوة السيف الروماني، خارجيا، وتخاذل وخيانة "الحزب اللاوطني" المشكل من طبقة التجار العالميين وملاكي العبيد في قرطاجة، داخليا. وبعد تدمير قرطاجة، فرضت الامبراطورية الرومانية وطبقات ملاكي العبيد المحلية النظام العبودي في جميع ارجاء العالم القديم. وارسى النظام العبودي الاساس الاجتماعي للتمييز العنصري بين الاقوام والشعوب، التي قسمت الى: اسياد وعبيد. وأبرز وابشع الامثلة على ذلك:
ـ1ـ ان الديانة اليهودية، التي انشقت عن المسيحية وتواطأت مع المستعمرين الرومان على قتل يوحنا المعمدان والسيد المسيح، ادعت ان عصابة قطاعي الطرق والقتلة العبرانيين، المسماة "بني اسرائيل"، هم "شعب الله المختار" وسادة العالم.
ـ2ـ ان جميع الملونين ذوي البشرة السوداء والسمراء الافارقة (الزنوج والاثيوبيين) صار ينظر اليهم كعبيد، وصارت كلمة زنجي او اسود ترادف كلمة "عبد". وللاسف ان عبارة "عبد" بمعنى "زنجي" انتقلت الى اللغة العربية ايضا.
ـ3ـ بعد سقوط دولة نوميديا البربرية (= الامازيغية) جرى استعباد اهلها بكثافة وتشغيلهم في الاعمال الشاقة ومتدنية المهارة. وصارت كلمة "بربري" في القاموس الروماني تعني "همجي".
ـ4ـ بعد تحطيم روما للدول الاغريقية والمقدونية والسلافية في شبه جزيرة البلقان واوروبا الشرقية، واستعباد اهاليها، صارت كلمة "سلاف" (slave) التي تعني بالاصل "سلافي" صارت تعني "عبدا".
وبعد قيام الثورات والحروب القومية والحروب الداخلية (وآخرها الحرب الاهلية في اميركا) تم إسقاط النظام العبودي، وحل محله النظام الاقطاعي، ثم النظام الرأسمالي المعاصر. واستنت القوانين والشرائع التي تمنع العبودية في كافة ارجاء العالم.
ولكن بالرغم من جميع اشكال التقدم الاجتماعي والعلمي والحضاري، فإن النظام الرأسمالي، القائم على استغلال الانسان للانسان، و"الوريث الشرعي" للنظام العبودي، والذي لا يعدو ان يكون شكلا مخففا للعبودية، لا يزال يفسح المجال لوجود الاشكال الفظة من النظام العبودي القديم.
ويوجد الان في العالم حوالى 30 مليون شخص مقيدين بسلاسل العبودية الحديثة. وذلك بالرغم من وجود القوانين التي تمنع العبودية. وهذه هي الخلاصة التي توصلت اليها منظمة Walk Free Foundation (WFF)، التى تعنى بتقديم المؤشر العالمي للعبودية، كما كتبت وكالة الصحافة الفرنسية. وقد تأسست WFF في ايار من السنة الماضية من قبل المحسن ومالك المناجم الكبير الاوسترالي اندريو فوريست. وهي تحظى بدعم شخصيات عالمية عديدة، منها بيل غيتس وريتشارد برنسون.
ويقول المدير التنفيذي لـ WFF نيك غرونو "ان الكثيرين سيتفاجأون حينما يسمعون ان العبودية لا تزال موجودة، بالرغم من انه رسميا وضع حد لها في القرن الـ 19". ويوضح غرونو العناصر التي تتشكل منها العبودية المعاصرة: "يوضع الناس تحت الرقابة بواسطة العنف. ويتم خداعهم او الزامهم بالقيام بالاعمال، التي يكونون فيها مستغلين اقتصاديا. يعيشون بالحد الادنى من المدفوعات لقاء عملهم، واحيانا بدون اية مدفوعات، وليست لديهم حرية ترك العمل".
وهناك اشكال عديدة للعبودية الحديثة ومنها: اعباء الديون المتراكمة، تهريب البشر، الزيجات الاكراهية، بما في ذلك للقصّر، واستغلال عمل الاطفال.
وقد شمل الاستقصاء 162 بلدا، مرتبة حسب المؤشر العالمي للعبودية. وجرت الاحصاءات ضمن ثلاث فئات رئيسية: عدد الاشخاص الذين يعيشون في ظروف عبودية في كل بلد؛ حوادث تهريب الناس من والى الدولة المعينة؛ حجم الزيجات الاجبارية (بما في ذلك للقصّر)، واستخدام الاطفال في الفرق العسكرية.
وحلت في المرتبة الاولى في التصنيف موريتانيا (استنادا الى النسبة لعدد السكان). فإن حالات العبودية الحديثة في هذا البلد تبلغ 151353 شخصا مقابل عدد السكان 3،796 مليون نسمة. والكثير من الاشخاص ورثوا الوضع العبودي من اهاليهم. وتتبعها هاييتي وباكستان. وفي هاييتي يستخدم 10% من الاطفال في العمل الاجباري للاطفال. وفي باكستان هناك 1،8 مليون شخص يخضعون للعمل العبودي. وتتبعها الهند حيث عمل الاطفال والزيجات الاكراهية هي امور اعتيادية.
وتحتل بلغاريا المرتبة 56 على النطاق العالمي والمرتبة 5 في اوروبا. ويبلغ العدد في بلغاريا بتقدير WFF 27739. ويبلغ العدد في رومانيا 24141 شخصا (المرتبة 125 عالميا، و14 في اوروبا). وتأتي في اسفل التصنيف بريطانيا (4426 شخصا)، وايرلندا (321 شخصا)، وايسلندا (22 شخصا).
وفي العدد المطلق للناس الذين يعيشون كعبيد معاصرين تأتي الهند (13،95 مليونا).
ويعيش 72% من العبيد المعاصرين في اسيا و1،82% في اوروبا.
وحسب تقرير للبرلمان الاوروبي فإن 800 الف مواطن في الاتحاد الاوروبي يعملون كعبيد عمل. و25% منهم يتم استغلالهم جنسيا. وتبلغ الارباح من عمل هؤلاء العبيد المعاصرين الاوروبيين اكثر من 25 مليار يورو سنويا.