ارشيف من :آراء وتحليلات

خلافات الرياض ـ واشنطن إلى العلن

خلافات الرياض ـ واشنطن إلى العلن
شكل التراجع الأميركي عن قرار توجيه ضربة عسكرية لسوريا على خلفية ما عرف بتسوية السلاح الكيميائي محطة أولى لخروج الخلاف السعودي ـ الأميركي إلى العلن، ثم شكل الانفتاح الأميركي ـ الإيراني المتبادل، ومن ضمن توجه جديد مشترك يهدف إلى طي صفحة الملف النووي، محطة ثانية لإذكاء الغضب والانفعال السعودي، وخروجه عن عقاله إزاء واشنطن.

والحقيقة أن الغضب السعودي يظهر تضاد في حسابات الرهانات والمصالح بين واشنطن والرياض إزاء سوريا وإيران ومن خلالهما إزاء المنطقة. ويمكن القول هنا، أنه لم تبرز العدائية السعودية إزاء سوريا وإيران بهذه الدرجة والحدية، وإلى العلن، كما هو حالها اليوم، والتي يبدو أن المسؤولين المباشرين عنها هما وزير الخارجية سعود الفيصل، ورئيس جهاز الاستخبارات بندر بن سلطان، اللذين يلعبان دوراً مركزياً اليوم في إدارة الشأن السعودي الخارجي على الأقل، وذلك في ظل ضعف دور الملك بفعل وضعه الصحي، وبفعل صراعات النفوذ والسيطرة التي تتناتش اليوم أجنحة العائلة المالكة على خلفية من يرث الملك عبد الله.

إن ضيق صدر النظام السعودي من السياسة الأميركية إزاء سوريا وإيران أخذ يعبر عن نفسه في أكثر من صورة وملف، وإن كان البارز فيها مؤخراً ما خرج إلى العلن من خلافات حول التحضيرات الخاصة بمؤتمر جنيف ـ 2 وموعد انعقاده.

لقد عمل النظام السعودي في سوريا على مسارين: الأول الإمساك بالائتلاف الوطني السوري المعارض، والتحكم بقراره السياسي. والثاني، حسم الوضع الميداني لمصلحة مجموعاته المسلحة.

الناظر في مواقف الائتلاف السوري المعارض، وفي مواقف المجموعات المسلحة الدائرة في الفلك السعودي، من مسألة المشاركة في مؤتمر جنيف ـ 2 يلحظ بسهولة الدور الاعتراضي والمعرقل للنظام السعودي لعقد هذا المؤتمر في الوقت القريب المضرورب له، فهو ـ من جهة ـ دفع أدواته لإعلان رفضها المشاركة ما لم يحسم مسبقاً مصير الرئيس الأسد السياسي في سوريا، ما يعني عملياً تجويف الوظيفة الحوارية لهذا المؤتمر والغرض منه.

كما أن النظام السعودي يدرك أن مطلبه هذا مرفوضاً جملة وتفصيلاً من موسكو وطهران والنظام السوري نفسه، حيث يصرون على أن يكون بت مصير الأسد السياسي بيد الشعب السوري نفسه ومن خلال الانتخابات.

وما زاد في طين النظام السوري بلة هو إدراكه لوجود تراجع نسبي غربي في ما يعني هذه النقطة تحديداً، حيث وافقت واشنطن على تمديد قسري لولاية الأسد لمدة سنتين على الأقل بذريعة الحاجة إليه لتنفيذ الاتفاق الخاص بالتخلص من المخزون السوري للسلاح الكيميائي.

كما أن ما أعلنه كيري مؤخراً لجهة أن مصير الأسد السياسي لن يبت قبل المفاوضات، وإنما سيترك لها، فيه أكثر من إشارة إلى أن هذا المصير ليس مبتوتاً نهائياً عند الأميركيين أنفسهم.

هذا التباين الأميركي ـ السعودي من الأزمة السورية عموماً ومؤتمر جنيف ـ 2، هو الذي يقف وراء السقف العالي لبيان مؤتمر أصدقاء سوريا الذي انعقد في لندن مؤخراً، حيث أكد على أن لا محل للأسد في مستقبل سوريا، وعلى ضرورة تشكيل حكومة انتقالية ذات صلاحيات كاملة وشاملة بما فيها للمؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية.

لقد حاولت لندن، ولشراء مشاركة الائتلاف الوطني السوري المعارض، رفع السقف السياسي إلى الحد الذي يضع صعوبة كبيرة أمام انعقاده في الموعد المضروب له. هذا السقف العالي استدعى رداً سريعاً من موسكو التي وجدت فيه تحريفاً للمضمون الفعلي لجنيف ـ 1، وعودة إلى القراءة الغربية له.

وكان قد سبق للرئيس الأسد أن أعلن بوضوح في مقابلته الأخيرة مع محطة الميادين التلفزيونية عن نيته الترشح للرئاسة في الانتخابات المقبلة، وتالياً عدم استعداده للتنازل عن هذا الحق.

كما أن إيران ما زالت حتى الآن ترفض تقييد الموافقة على مشاركتها في مؤتمر جنيف ـ 2، بأي شرط مسبق لا سيما الشرط الأميركي الذي يدعوها إلى إعلان موافقتها على بيان جنيف ـ 1 كشرط مسبق لتوجيه دعوة إليها. والتحفظ الإيراني الأساسي هنا على بند تشكيل حكومة انتقالية ذات صلاحية كاملة، والتي قد يتذرع بها للإطاحة بالأسد.

باختصار، يمكن القول أن الغرب عموماً يظهر جدية وتصميماً شكليين ـ على الأقل ـ للدفع باتجاه عقد جنيف ـ 2، استناداً إلى اعتبارين أساسيين: الأول، تنفيذاً لما تم التفاهم عليه مع موسكو والقاضي بأن تبذل واشنطن والدول الأوروبية الأساسية جهداً كبيراً لإقناع المعارضة بالذهاب إلى جنيف ـ 2. والثاني، تنفيذاً للخلاصة السياسية الجديدة التي خرج بها الغرب جرّاء إعادة تقويمه للمراحل التي بلغتها الأزمة السورية، ومفادها أن أي حل عسكري غير ممكن، بل ستكون له تداعيات غير قابلة للاحتواء كلما طال عامل الوقت، وبالتالي لا سبيل إلا سبيل الحل السياسي، كما أن الغرب يدرك مدى ترابط أزمات المنطقة، والموقع المركزي للأزمة السورية في سياق هذه الأزمات، ما يعني أنه بدون معالجة هذه الأزمة، فإن المنطقة ستبقى عرضة لانفجارات واسعة لا أحد يريدها.

وإذا كان ما تقدم يظهر وجود خلاف ليس بسيطاً بين النظام السعودي وواشنطن حول الأزمة السورية وملف العلاقات مع إيران، إلا أن ما شاهدناه مؤخراً ليس له من تفسير سوى أحد احتمالين:

الأول، أن واشنطن لا ترغب حتى الآن في بذل الضغوط المطلوبة لحمل أدواتها الإقليمية للانصياع لمطلب عقد جنيف ـ 2، وذلك لكونها ما زالت ترى عدم إمكان تحقيق ما تصبوا إليه، ولأنها تريد استخدام الأزمة السورية كورقة ضغط في وجه حلفائها وخصومها معاً لابتزازهم في ملفات أخرى، وبالتالي هي غير متضررة من المواقف التصعيدية التي صدرت مؤخراً، بل يمكن لها أن توظفها كورقة في لعبة التفاوض المفتوحة مع روسيا وإيران، كما يمكن لها توظيف اندفاعتها باتجاه روسيا وإيران في وجه الرياض.

الثاني، أن ما يجري هو انعكاس لضعف القبضة الأميركية، ولتراجع إمكاناتها، لا سيما وأنها ليست هي من يملك الأرض، وإنما حلفاؤها، إضافة إلى امتلاكهم أوراق أخرى يمكن لعبها في وجه الإدارة الأميركية، ما يدفعها إلى أخذها بعين الاعتبار.

في الخلاصة يمكن القول، أن مصير جنيف ـ 2 ما زال دونه صعوبات هائلة على حد تعبير وزير الخارجية البريطاني، وبالتالي فإن مصير انعقاده في الموعد المضروب له ما زال محفوفاً بعلامات استفهام كبيرة، ما يعني بدوره أن لعبة الكباش الناري والسياسي ستبقى مفتوحة، لا سيما وأن طاولة المفاوضات أوسع بكثير مما يتصور البعض، وإن كان الملف السوري هو أحد وجوهها.
2013-10-25