ارشيف من :آراء وتحليلات
مساع أميركية لاحتواء خيبة الحلفاء
حدثان قلبا المعادلة السياسية في المنطقة : القرار الأميركي بالعدول عن القيام بضربة عسكرية على سوريا ، والاتصال الهاتفي الذي بادر به الرئيس الاميركي اوباما تجاه الرئيس الايراني روحاني . وهذا التغيير ولد خيبة أمل لدى حلفاء اميركا وشعورا بالأسف والتشكيك حول الموقف الأميركي . لذلك تجھد إدارة الرئيس باراك أوباما في لملمة الوضع السياسي والدبلوماسي المتناثر من حولھا بفعل انھيارات حصلت في علاقاتھا مع حلفائھا في المنطقة وتصدعات حصلت في السياسة الأميركية المتحوّلة الى خيارات جديدة من دون مقدمات. ووجدت الدبلوماسية الأميركية نفسھا مضطرة الى بذل جھود لتصليح الوضع وإعادته الى بيت طاعتها. وجاء التحرك في اربعة اتجاھات : إسرائيل والسعودية والمعارضة السورية و14 اذار .
1-الوزير الأميركي "فوق العادة" جون كيري بذل جھودا فوق العادة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياھو لترتيب الملفين الفلسطيني والإيراني.
في الملف الإيراني الذي يشكل أولوية مطلقة و "ھاجسا كابوسا" لدى نتنياھو، بدا التباين واضحا بينموقف أميركي يطالب طھران بإثبات الطابع السلمي لبرنامجھا النووي وليس أكثر من ذلك، وبين موقف إسرائيلي يصر على تفكيك إيران برنامجھا بالكامل بحيث لا تعود تملك قدرات تسلح نووي. واعتبر نتنياھو أن إيران يجب ألا تملك أجھزة طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم، معتبرا أن إبرام صفقة جزئية تبقي ھذه القدرات لإيران، يشكل "صفقة سيئة".
أما في الملف الفلسطيني ، فإن كيري أخفق في الحصول على أجوبة واضحة ونھائية من نتنياھو بخصوص التنازلات المستعد لتقديمھا لدفع اتفاق دائم مع الفلسطينيين ... ويبدو أن كيري اصطدم بغضب نتنياھو من الموقف الأميركي في الملف الإيراني وأن دفء العلاقات بين إيران وأميركا وبدء المفاوضات حول البرنامج النووي دفعا نتنياھو الى إبداء المزيد من التصلب في مواقفه من المفاوضات والتسوية مع الفلسطينيين.
ووفق تقارير وتحليلات إسرائيلية، فإن نتنياھو يرى أن كل الجھود التي بذلھا في السنوات السابقة لتعبئة المجتمع الدولي و "تجنيده" ضد إيران وتبيان الخطر الوجودي لقنبلتھا النووية على إسرائيل وضرورة الانتقال من العقوباتغير الكافية الى الخيار العسكري، كل ھذه الجھود على وشك أن تتبخر. وبعد تراجع خيار الھجوم العسكري على إيران، إستنادا الى العبرة الأميركية في سوريا، فإن الھدف الأساسي لنتنياھو بات إقناع الأميركيين بخطورة تخفيف العقوبات عن إيران قبل التوصل الى اتفاق نھائي معھا. وفي رأيه أن إيران إذا استطاعت التخلص من العقوبات من غير أن تتخلى
عن مشروعھا النووي فإن ھذا يعني أن على إسرائيل الاستعداد من الآن للتعايش مع "إيران نووية" وأيضا مع دور إقليمي متعاظم لإيران في المنطقة بدءا من العراق وسوريا ولبنان.
2-الوزير "كيري" تحرك أيضا في اتجاه معالجة الأزمة المتفاقمة مع المملكة السعودية ولم يتمكن بعد من احتواء "الغضب" وتھدئة الخواطر والقلق المتنامي لدى السعوديين الذين يخشون الاستعداد الكبير لدى إدارة أوباما للوثوق بالرئيس الإيراني حسن روحاني . كما تأخذ السعودية على واشنطن تلكؤھا في دعم المعارضة السورية وتراجعھا عن شن ضربة عسكرية على سوريا .
ويرى السعوديون أيضا أن واشنطن التي لا تريد أن تحارب ارتأت أن مصلحتھا باتت في إرضاء إيران ومباركة دعمھا لنظام الأسد بصرف النظر عما يعنيه انتصارھما إقليميا وعما سيترتب عن ذلك الانتصار لجھة مصالح حلفاء أميركا في المنطقة .
3- اتخذ وزير الخارجية الأميركي جون كيري من مؤتمر أصدقاء سوريا في لندن "منصة اعتذار" لما سببه القرار الأميركي بالعدول عن القيام بضربة عسكرية على سوريا من خيبة أمل وشعور بعدم اليقين حول واقع الالتزام الأميركي بدعم المعارضة السورية.
وفي وقت كان كيري يؤكد في لندن على التزام الإدارة الأميركية بدعم المعارضة السورية المعتدلة وإبعاد المتطرفين عنھا، كان السفير الأميركي في سوريا روبرت فورد يجتمع مع قادة المعارضة السورية في اسطنبول لإقناعھم بتغيير موقفھم من المشاركة في "جنيف 2" استنادا الى نتائج مؤتمر لندن ...
الأميركيون يبذلون جھودا حثيثة لإقناع "الائتلاف المعارض" بالانخراط في العملية السياسية الانتقالية . وقد نجحت باقناع بعض الاطراف في المشاركة لكن السعودية شجعت اطرافا اخرى على التمرد لاحراج اميركا .
4-لم تؤدِ التطورات الدولية والإقليمية الأخيرة الى تحريك الوضع في لبنان وكسر حلقة الجمود والانتظار، لا بل زادت الوضع تعقيدا وارتباكا وأغرقته أكثر في حالة الانتظار والترقب ما يضفي على الصورة الداخلية مزيدا من التشوشوالغموض نتيجة الاختلاف الحاصل في القراءة السياسية لھذه المتغيّرات والمعطيات الاستراتيجية الجديدة ومدى انعكاسھا وتأثيرھا على لبنان :
فريق 14 اذار يتصرف على أن الوضع الدولي والإقليمي ما زال مفتوحا على متغيّرات ومفاجآت. واعتبر هذا الفريق ان الاتفاق بين أميركا وروسيا حول سوريا لا يعني ترجيح وتكريس بقاء الأسد وإنما أدخله في مسار ودوامة التدخلات الخارجية التي لا بد وأن تنتھي الى إحداث تغيير في سوريا وإن تطلب الأمر وقتا وجھدا... وفي ھذه القراءة أن حزب لله في ھذه المرحلة الانتقالية ليس لديه إلا إبقاء الوضع اللبناني معلقا الى حين جلاء التفاوض الإيراني الأميركي . ولذلك لا يعود أمام المستقبل وحلفائه إلا الانتظار والثبات على الموقف وعدم تقديم تنازلات تكرس سيطرة حزب الله . وهذا الفريق ما زال يراهن على أن السعودية ليست في موقع ضعيف وإنما ھي في موقع ھجومي وتملك أوراقا وقدرة وتستند الى ما ورد من توجيهات سعودية في محاضرة الأمير تركي الفيصل - رئيس المخابرات السعودية والسفير السعودي في واشنطن سابقا - وما جاء فيها يجسد ملامح خطة :
-تحذيره من أن لبنان بات على حافة حرب أھلية .
-إشارته الى ضربة إسرائيلية محتملة لإيران .
-تحذير إيران من التدخل في شؤون الدول ذات الغالبية الشيعية مثل البحرين والعراق .
- تراجع الأميركيين عن وعودھم بدعم المعارضة السورية بالسلاح وعن وجوب تقديم القيادة الإيرانية للمحاكمة .
هذه الخطة ترجمها فريق 14 اذار إلى هجوم وتحويل لبنان الى ساحة ضغط وورقة ابتزاز بيد السعودية في لحظة عتب على اميركا دون ان تصل الى خروج على بيت الطاعة الاميركي .
من جهة اخرى يتابع فريق 8 اذار التطورات مع ترقب حيال اتجاھات وسياسات السعودية المصدومة من الانفتاح الأميركي على إيران ولدى الرياض شعور أن أوباما باع سوريا على طاولة بوتين ومن الممكن أن يبيعھا على طاولة روحاني... والخشية الآن أن تترجم السعودية إحباطھا على الساحة اللبنانية حتى يكون لبنان جائزة ترضية للسعودية لتعويض ما خسرته في سوريا .