ارشيف من :آراء وتحليلات

أميركا تواصل التقدم بثبات نحو ’قمة عدم الاستقرار’ في 2020

أميركا تواصل التقدم بثبات نحو ’قمة عدم الاستقرار’ في 2020
يتوقع العالم الاميركي من أصل روسي، الاختصاصي بالنمذجة الرياضية للمسارات التاريخية، بيتر تورتشين أن الولايات المتحدة الاميركية تواصل التقدم بثبات نحو "قمة عدم الاستقرار" في حياتها الاجتماعية ـ الاقتصادية والسياسية، التي، حسب تقديراته، ستصل اليها حوالى السنة 2020.

وهو قد أكد ذلك في أجوبته عن اسئلة مراسل وكالة ايتار ـ تاس الروسية، المتعلقة بأزمة الخزينة والمالية في واشنطن، والناشئة عن المواجهة السياسية الحادة بين جناحي السلطة التشريعية والتنفيذية في الولايات المتحدة الاميركية. وكما هو معلوم، فإن اتفاق التسوية، الذي سمح بتجنب إعلان عجز الدولة الأميركية عن دفع التزاماتها، تم التوصل إليه فقط في ربع الساعة الأخير من 17 تشرين الاول /اوكتوبر الجاري (الموعد النهائي لاتخاذ قرار حول رفع سقف المديونية العامة)، أما الازمة بحد ذاتها، فقد كانت احدى حلقات سلسلة الاضطرابات السياسية المتتابعة في السنوات الاخيرة.

وجوابا عن سؤال هل لا يزال ساري المفعول توقعه حول القمة المنتظرة لعدم الاستقرار المتواصل منذ عدة سنوات، قال تورتشين "للاسف، نعم". واضاف "لا زلنا نتحرك على المسار ذاته".

ومثل هذا التقدير يقدمه خبير، يعمل في جامعة كونيكتيكت، ويقوم بمقاربته على قاعدة ما يسمى النظرية البنيوية ـ الديموغرافية. وهذه النظرية تستكشف خلفيات عدم الاستقرار الاجتماعي ـ السياسي في المجتمعات البشرية وتقول ان اهمها هو النمو السكاني، وزيادة التفاوت في الدخل واعادة انتاج النخب، وكذلك اضعاف الدولة، المعبر عنه بالاخص في تدهور مؤشرات الاقتصاد الكلي (macroeconomic). وحسب تعبير تورتشين فإن "النمو الانفجاري لدين الدولة، هو احد المؤشرات النموذجية على الازمة البنيوية ـ الديموغرافية المستقبلية".

في البداية تحقق الباحث من نماذجه في الأمثلة التاريخية للثورات والحروب الاهلية. ولكنه في السنوات الأخيرة وجه اهتمامه نحو اميركا المعاصرة. وبالرغم من أن الاستنتاج بانها توجد في "حالة ما قبل الازمة" يبدو استناجا متشائما جدا، فمن الصعب جدا الطعن في الحجج التي يقوم عليها هذا الاستنتاج. ويستند تورتشين الى الوقائع المعروفة على نطاق واسع من "انخفاض مستوى المعيشة للفئات الاجتماعية ـ الاقتصادية الدنيا" الى انتقال هذا المسار الى الطبقة الوسطى، الى فقدان قسم كبير من السكان للايمان بـ"الحلم الاميركي"، الى التنامي الديناميكي لعمليات "القتل الجماعي" التي لا تفسير لها، والتي يقوم بها المنبوذون. ويأتي في هذا السياق تزايد الاستقطاب السياسي، الذي ارتفعت حدته خلال الأزمة الاخيرة، حسب مختلف الاراء.

وبالاضافة الى المسارات الأساسية بموجب النظرية البنيوية ـ الديموغرافية، يصف هذا العالم "آليات اخرى لعدم الاستقرار" في اميركا المعاصرة. ومن بينها "دورة "الآباء والابناء" في فترة 40 ـ 60 سنة، والتي كان ارتفاعها الأخير في الاقليم سنة 1970. ونمو "تضخم عدد الشباب"، بحيث ان فئة الاميركيين بعمر 20 ـ 29 سنة سيبلغ عددها بعد سبع سنوات 7 ملايين شخص اكثر مما كانته في سنة 2000. وهكذا وبموجب ما يسمى "دورة كوندراتييف" (الدورة الاقتصادية الكبرى التي تمر بمرحلة صعود وهبوط تتراوح بين 40 ـ60 سنة) ستكون في مرحلة الهبوط في السنوات القليلة القادمة. استنادا الى كل ذلك يستتبع استنتاجه أن اميركا تسير نحو "عدم الاستقرار الاجتماعي ـ السياسي في غضون السنوات العشر القادمة".

أميركا تواصل التقدم بثبات نحو ’قمة عدم الاستقرار’ في 2020

وجوابا عن سؤال هل تمتلك الآن القيادة السياسية الأميركية رؤية شاملة وفهما للوضعية، أجاب تورتشين "كلا، لا اظن". واضاف "ان الجمهوريين يمارسون اللعبة بدهاء أكثر من الديمقراطيين، ولكنهم هم ايضا لا يدركون نتائج أعمالهم. ان تيد كروز (سيناتور جمهوري هو الاول في اميركا من اصل اميركي لاتيني، والده كوبي حارب مع كاسترو ضد دكتاتورية باتيستا، ولكنه هاجر من كوبا سنة 1957) لم يعان أبدا عدم الاستقرار شخصيا، انه حتى لا يسمح لنفسه بالتفكير كيف ستتطور الامور".

ويقصد تشوركين بكلامه السيناتور من تكساس، الذي هو الشخصية المفضلة الآن لدى ما يسمى "حزب الشاي" (تكتل سياسي اميركي جديد يحاول ان يشق طريقه بين الحزبين التقليديين)، الذي يوحد الكثير من الليبيراليين المبدئيين، المحافظين والشعبويين في صفوف المعارضة الجمهورية في أميركا. وحسب رأي المراقبين المحليين، فإن الذي فاز في الأزمة الأخيرة ليس فقط الرئيس باراك اوباما و"حزب السلطة" الخاص به، بل وتيد كروز وحركة "الشاي" الخاصة به. وبالتالي، وحسب رأي تورتشين، فإن هذه الحركة، التي هي "نخبة مضادة" اميركية معاصرة، هي "نتيجة لاعادة انتاج النخبة" في البلاد.

وفيما اذا كانت القيادة الأميركية ستنجح في مواجهة الظاهرات والمسارات السلبية المتنامية، فإن تورتشين يشك في ذلك، ويقول "ان اعادة الدينامية الراهنة الى الوراء هي غير ممكنة. لذلك يقتضي وجود وحدة وطنية ما، وهو ما لا يرى".

وبهذا الصدد، وبموجب النظرية البنيوية ـ الديموغرافية، فإن العرض الفائض في سوق العمل في الولايات المتحدة الأميركية هو ناشئ بالأساس من قبل اللاجئين، وهذا أحد أهم الأسباب الموجبة لعدم الاستقرار الاجتماعي ـ السياسي. والكثيرون في اميركا يعتقدون أن اوباما، الذي يدعم بنشاط نهج توسيع اللجوء الشرعي، إنما يعمل لدعم المواقع السياسية لحزبه، ولكنه ضمنا يضيّع البلاد، وتورتشين يوافق على هذا الرأي، وهو يقول "الان، طبعا، ليس ابدا وقت شرعنة وجود ملايين اللاجئين".

ويعترف قائلا "انا اقول ذلك، بصرف النظر عن أنني أنا شخصيا لاجئ". فهو ابن المنشق السوفياتي الشهير، عالم الفيزياء والسيبرنيتكا فالنتين تورتشين، وهو ولد ونشأ في الاتحاد السوفياتي، والتحق بأبيه في اميركا سنة 1977. وقد تخصص في دراسة المسارات الاجتماعية ـ التاريخية عبر منظار النمذجة الرياضية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل
2013-10-28