ارشيف من :آراء وتحليلات
العلاقات الألبانية ـ اليونانية والتناقضات الحادة
إن جميع التطورات السياسية والعسكرية والاقتصادية، المحلية والاقليمية، في منطقة "الشرق الاوسط الكبير" (بالتصنيف الاميركي) وامتدادها الطبيعي شبه جزيرة البلقان، لا تنفصل ابدا عن المخطط الاستراتيجي الاميركي العالمي المرسوم للمنطقة، والذي ينقسم الى شقين مترابطين: الاول ـ العمل بهدوء على المدى القريب والمتوسط والبعيد لانشاء "كبريات" اقليمية ثلاث هي: تركيا الكبرى في الوسط، كردستان الكبرى الى الجنوب، وألبانيا الكبرى في الشمال. واخيرا ايجاد نوع من "الاتحاد" او "الحلف الاسلامي" بين هذه الكبريات وباكستان، برعاية اميركية، ودفع هذا "الحلف" العتيد بوجه روسيا والتصادم معها. والشق الثاني للاستراتيجية الاميركية الراهنة هو تمزيق وإضعاف ومحاصرة وإفقار جميع الدول والشعوب الأخرى في هذا الاقليم، وتحديدا الشعوب العربية والايرانية والمسيحية الشرقية والأوروبية الشرقية.
ضمن هذا السياق العام ينبغي فهم خلفيات تمزيق يوغوسلافيا السابقة، و"الربيع العربي" المزعوم، وإفقار وإضعاف اليونان وتكبيلها بالديون الخارجية.
وضمن هذا السياق أيضا ينبغي النظر الى العلاقات الألبانية ـ اليونانية الراهنة. وقد قام مؤخرا نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية اليوناني ايفانغيروس فينزيلوس على رأس وفد يوناني بزيارة رسمية الى تيرانا واجتمع الى رئيس الوزراء الالباني الاشتراكي إيدي راما وهيئة من الوزراء الألبان ذوي الصلة بالعلاقات بين البلدين. وأخذت الصور الرسمية التذكارية التي لا تنقصها الابتسامات. ولكن المراقبين أجمعوا على أن الزيارة كانت فاشلة. وخلف الابتسامات الكاذبة في الصور التذكارية الرسمية كانت تختفي التناقضات الحادة. والبروتوكول الدبلوماسي الصارم هو الوحيد الذي أنقذ الزيارة من ان تنتهي بفضيحة سياسية بين الوفدين المتفاوضين. وقد ساءت العلاقات بشكل خاص بين البلدين منذ ان احتل ايدي راما موقع رئيس الوزراء الالباني بعد ان فاز حزبه الاشتراكي في انتخابات حزيران 2013، ومنذ 20 سنة الى اليوم لم تبلغ العلاقات الالبانية ـ اليونانية هذا المستوى من السوء.
وكانت العلاقات سيئة منذ عهد رئيس الوزراء السابق سالي بيريشا. وكان الكثيرون يتوقعون انها ستتحسن بمجيء الاشتراكيين الى السلطة. ولكن حدث العكس. فالحزب الاشتراكي الذي يرأسه إيدي راما كان في سنة 2009، وكان لا يزال في المعارضة، قد تقدم بطلب الى المحكمة الدستورية بطلب الغاء الإتفاق الذي عقد مع اليونان في نيسان من تلك السنة، والمتعلق بتحديد المناطق الحدودية ذات الأهمية الاقتصادية بين البلدين. وأكد الاشتراكيون حينذاك ان الجزر اليونانية الصخرية الصغيرة الواقعة شمالي جزيرة كورفو ليس لها رفوف مسطحة وبالتالي من غير الصحيح الموافقة على اعطاء اليونان منطقة اقتصادية أكبر مما يحق لها فعلا. وفي كانون الثاني 2010 اصدرت المحكمة الدستورية الألبانية قرارا بالغاء الاتفاق حول المناطق الاقتصادية بين البلدين.
هذا امر واضح، حسبما اعلن ديتمير بوشاتي، وزير الخارجية الالباني، بعد اجتماعه مع زميله اليوناني، وطرح فعليا مسألة اعادة التفاوض مع اليونان، ولكن ليس بدءا من الصفر، وإنما أن يؤخذ بالاعتبار أن الجزر الصخرية اليونانية الصغيرة شمالي جزيرة كورفو ليس لها رفوف مقابل الجانب الالباني، حسبما قررت المحكمة الدستورية الالبانية.
فينيزيلوس وراما
من وجهة النظر هذه سيكون من الصعب جدا، اذا لم يكن مستحيلا، التوصل على هذا الاساس الى اتفاق بين البلدين حول المناطق ذات الاهمية الاقتصادية. كما ان موقف الحكومة الالبانية يبدو عدائيا جدا فيما يتعلق بمسألة "التشاميين" (أقلية اتنية اغلبهم مسلمون، تقول البانيا انهم البانيون، وتقول السلطات اليونانية انهم من اصول تركية، وكانوا قد تعاونوا مع ايطاليا والمانيا النازية ضد اليونان في الحرب العالمية الثانية، ويقطنون في منطقة أيبير على الحدود مع البانيا). وقد بدا هذا الموقف العدائي بوضوح في تصريح وزير الخارجية الالباني. وقال ان المسألة تمثل عنصرا مهما على جدول الاعمال الدبلوماسي لليونان. واضاف انه حسب رأي الجانب الالباني "آن الاوان لرؤية الواقع، وللتغلب على احدى العقبات التاريخية، المتبقية من ماضي العلاقات بين البلدين".
وطالب الوزير الالباني ان تلغي اليونان قانون حالة الحرب مع ألبانيا وان تعترف بحقوق التملك للاقلية الالبانية (التشامية) حسب القانون الدولي. (وكانت الحكومة اليونانية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية قد صادرت املاك "التشاميين" الذين تعاونوا مع المحتلين الايطاليين والالمان وفروا الى البانيا بعد هزيمة دول المحور وتحرير اليونان. وبعد نهاية الحرب الباردة عاد قسم كبير من هؤلاء الى اليونان واتخذوا اسماءً يونانية، ولكنهم الان يطالبون باملاكهم القديمة بناءً على اسمائهم القديمة وصكوك ملكية تعود الى ايام الحكم العثماني).
وجوابا على ذلك قال فينيزيلوس "ان حالة السلام بين البلدين تم اعلانها من قبل مجلس الوزراء اليوناني سنة 1987". وذلك هو الواقع. ولكن هذا لا يرضي الجانب الالباني، اذ ان قرار مجلس الوزراء اليوناني برئاسة اندرياس باباندريو حينذاك لم يعرض على مجلس النواب لتحويله الى قانون، كما أنه لم يجر توقيع اي اتفاق يوناني ـ الباني حول مسألة اقامة العلاقات السلمية بين البلدين. وهذا ما لم تسمح به الاحداث السياسية في تلك الفترة، اذ ان حكومة اندرياس باباندريو كانت قد خسرت الانتخابات في حزيران 1989 وحلت محلها في اذار 1990 الحكومة اليمينية برئاسة كونستانتينوس ميتسوتاكيس. وبالمقابل كان قد بدأ في البانيا سقوط نظام "الاشتراكية الواقعية" برئاسة رامز عاليا، وانتهى في انتخابات 1992 باستبعاد الشيوعيين السابقين عن السلطة بالرغم من انهم كانوا قد كسبوا الانتخابات البرلمانية في 1991. ان احتمالات فتح الحدود بين البلدين، والمشكلات الناشئة عن العلاقات غير المستقرة بينهما، كانت على الدوام تدفع الحكومات اليونانية منذ عشرين سنة الى الان، لان لا تتحمل المسؤولية السياسية عن النتائج المترتبة عن الغاء قانون حالة الحرب بين البلدين. كما انه من المؤكد ان جواب فينيزيلوس حول ملكية "التشاميين" لم يرض الالبانيين، ولم يكن فيه اشارة الى علاقات الصداقة بين البلدين. وهو قد قال: "منذ 1986، كل من يريد ان يدافع عن شيء ما تجاه اليونان، والقوانين السارية فيها، له كل الحق ان يلجأ الى المحكمة الاوروبية لحقوق الانسان في ستراسبورغ، اما الطلب بحد ذاته فلا يمكن ان يكون اطارا للتعاون".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل
ضمن هذا السياق العام ينبغي فهم خلفيات تمزيق يوغوسلافيا السابقة، و"الربيع العربي" المزعوم، وإفقار وإضعاف اليونان وتكبيلها بالديون الخارجية.
وضمن هذا السياق أيضا ينبغي النظر الى العلاقات الألبانية ـ اليونانية الراهنة. وقد قام مؤخرا نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية اليوناني ايفانغيروس فينزيلوس على رأس وفد يوناني بزيارة رسمية الى تيرانا واجتمع الى رئيس الوزراء الالباني الاشتراكي إيدي راما وهيئة من الوزراء الألبان ذوي الصلة بالعلاقات بين البلدين. وأخذت الصور الرسمية التذكارية التي لا تنقصها الابتسامات. ولكن المراقبين أجمعوا على أن الزيارة كانت فاشلة. وخلف الابتسامات الكاذبة في الصور التذكارية الرسمية كانت تختفي التناقضات الحادة. والبروتوكول الدبلوماسي الصارم هو الوحيد الذي أنقذ الزيارة من ان تنتهي بفضيحة سياسية بين الوفدين المتفاوضين. وقد ساءت العلاقات بشكل خاص بين البلدين منذ ان احتل ايدي راما موقع رئيس الوزراء الالباني بعد ان فاز حزبه الاشتراكي في انتخابات حزيران 2013، ومنذ 20 سنة الى اليوم لم تبلغ العلاقات الالبانية ـ اليونانية هذا المستوى من السوء.
وكانت العلاقات سيئة منذ عهد رئيس الوزراء السابق سالي بيريشا. وكان الكثيرون يتوقعون انها ستتحسن بمجيء الاشتراكيين الى السلطة. ولكن حدث العكس. فالحزب الاشتراكي الذي يرأسه إيدي راما كان في سنة 2009، وكان لا يزال في المعارضة، قد تقدم بطلب الى المحكمة الدستورية بطلب الغاء الإتفاق الذي عقد مع اليونان في نيسان من تلك السنة، والمتعلق بتحديد المناطق الحدودية ذات الأهمية الاقتصادية بين البلدين. وأكد الاشتراكيون حينذاك ان الجزر اليونانية الصخرية الصغيرة الواقعة شمالي جزيرة كورفو ليس لها رفوف مسطحة وبالتالي من غير الصحيح الموافقة على اعطاء اليونان منطقة اقتصادية أكبر مما يحق لها فعلا. وفي كانون الثاني 2010 اصدرت المحكمة الدستورية الألبانية قرارا بالغاء الاتفاق حول المناطق الاقتصادية بين البلدين.
هذا امر واضح، حسبما اعلن ديتمير بوشاتي، وزير الخارجية الالباني، بعد اجتماعه مع زميله اليوناني، وطرح فعليا مسألة اعادة التفاوض مع اليونان، ولكن ليس بدءا من الصفر، وإنما أن يؤخذ بالاعتبار أن الجزر الصخرية اليونانية الصغيرة شمالي جزيرة كورفو ليس لها رفوف مقابل الجانب الالباني، حسبما قررت المحكمة الدستورية الالبانية.
فينيزيلوس وراما
وطالب الوزير الالباني ان تلغي اليونان قانون حالة الحرب مع ألبانيا وان تعترف بحقوق التملك للاقلية الالبانية (التشامية) حسب القانون الدولي. (وكانت الحكومة اليونانية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية قد صادرت املاك "التشاميين" الذين تعاونوا مع المحتلين الايطاليين والالمان وفروا الى البانيا بعد هزيمة دول المحور وتحرير اليونان. وبعد نهاية الحرب الباردة عاد قسم كبير من هؤلاء الى اليونان واتخذوا اسماءً يونانية، ولكنهم الان يطالبون باملاكهم القديمة بناءً على اسمائهم القديمة وصكوك ملكية تعود الى ايام الحكم العثماني).
وجوابا على ذلك قال فينيزيلوس "ان حالة السلام بين البلدين تم اعلانها من قبل مجلس الوزراء اليوناني سنة 1987". وذلك هو الواقع. ولكن هذا لا يرضي الجانب الالباني، اذ ان قرار مجلس الوزراء اليوناني برئاسة اندرياس باباندريو حينذاك لم يعرض على مجلس النواب لتحويله الى قانون، كما أنه لم يجر توقيع اي اتفاق يوناني ـ الباني حول مسألة اقامة العلاقات السلمية بين البلدين. وهذا ما لم تسمح به الاحداث السياسية في تلك الفترة، اذ ان حكومة اندرياس باباندريو كانت قد خسرت الانتخابات في حزيران 1989 وحلت محلها في اذار 1990 الحكومة اليمينية برئاسة كونستانتينوس ميتسوتاكيس. وبالمقابل كان قد بدأ في البانيا سقوط نظام "الاشتراكية الواقعية" برئاسة رامز عاليا، وانتهى في انتخابات 1992 باستبعاد الشيوعيين السابقين عن السلطة بالرغم من انهم كانوا قد كسبوا الانتخابات البرلمانية في 1991. ان احتمالات فتح الحدود بين البلدين، والمشكلات الناشئة عن العلاقات غير المستقرة بينهما، كانت على الدوام تدفع الحكومات اليونانية منذ عشرين سنة الى الان، لان لا تتحمل المسؤولية السياسية عن النتائج المترتبة عن الغاء قانون حالة الحرب بين البلدين. كما انه من المؤكد ان جواب فينيزيلوس حول ملكية "التشاميين" لم يرض الالبانيين، ولم يكن فيه اشارة الى علاقات الصداقة بين البلدين. وهو قد قال: "منذ 1986، كل من يريد ان يدافع عن شيء ما تجاه اليونان، والقوانين السارية فيها، له كل الحق ان يلجأ الى المحكمة الاوروبية لحقوق الانسان في ستراسبورغ، اما الطلب بحد ذاته فلا يمكن ان يكون اطارا للتعاون".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل