ارشيف من :آراء وتحليلات
زيارة المالكي .. واشنطن وبغداد .. من يحتاج من؟
تثير زيارة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي للولايات المتحدة الأميركية في هذا الوقت بالذات قدراً غير قليل من الجدل في كلا العاصمتين، بغداد وواشنطن. بعض ذلك الجدل ربما كان معقولا ومقبولا لأنه يرتبط بقراءات سياسية معينة للواقع القائم، وينطوي على البحث عن معطيات ونتائج إيجابية مثمرة، والبعض الاخر من ذلك الجدل ربما يرتبط بطبيعة الحراك السياسي بإطاره التنافسي في كل من بغداد وواشنطن.
ذهب المالكي الى الولايات المتحدة الأميركية بناءً على دعوة رسمية من جو بايدن نائب الرئيس الاميركي، وعموم الأجواء والمناخات السياسية في العراق ليست على مايرام، فمن الخلافات الحادة بين الكتل السياسية المختلفة تحت قبة البرلمان بشأن جملة من القضايا الحساسة، التي من بينها إقرار قانون الانتخابات الجديد، الذي يفترض ان تجري على ضوئه الانتخابات البرلمانية المقبلة في شهر نيسان/ابريل القادم، الى جانب تصاعد وتيرة المواجهات الاعلامية بين الفرقاء، والتي بدت وكأنها انطلاقة مبكرة للحملات الانتخابية، علما بأن المالكي وكتلته البرلمانية ـ ائتلاف دولة القانون ـ من ابرز المستهدفين من قبل اطراف عديدة، وهو ما اشار اليه المالكي صراحة في كلمة له قبل بضعة أيام في احتفالية نظمتها هيئة النزاهة بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد، إلى جانب ذلك فإن الأوضاع الأمنية القلقة الى حد كبير في العاصمة بغداد ومدن ومناطق أخرى عديدة تعكس صورة قاتمة في الكثير من جوانبها وأبعادها وألوانها وملامحها.
ومجمل الأوضاع السياسية والأمنية العامة في العراق، ليست بعيدة عن الأوضاع والمؤثرات الإقليمية وربما الدولية، ولعل معظم محركات الاشكاليات السياسية والأمنية تتمركز في عواصم عربية واقليمية ودولية.
واستقبلت واشنطن المالكي، وهي الأخرى تعيش ظروفا وأوضاعا قلقة ومربكة الى حد كبير، ويبدو الرئيس الأميركي باراك اوباما يواجه تحديات كبرى لا تقل خطورة وحساسية وحراجة عن التحديات التي يواجهها المالكي، فخصومه الجمهوريون وضعوه في زاوية حرجة وضيقة جدا، حينما بدوا مصرين على رفض مشروع رفع سقف الديون الذي يراهن عليه اوباما لتجنيب الاقتصاد الاميركي مخاطر أزمة حقيقية قد تكون أكبر من ازمة الأعوام القليلة الماضية، ولم تقف الأمور عند هذا الحد، بل ان خبير الاتصالات، والموظف السابق في وكالة الأمن القومي الأميركي الهارب من الولايات المتحدة جون سنودن فتح ملفات حساسة ومحرجة جدا للادارة الأميركية، من بينها التجسس على عدد غير قليل من زعماء العالم، من بينهم زعماء دول حليفة وصديقة.
يضاف الى ذلك أن الأزمة السورية، بتفاعلاتها التي خيبت آمال واشنطن وأظهرتها بمظهر العاجز أمام قوى أخرى مثل روسيا والصين وايران، أضعفت الولايات المتحدة وأربكت حساباتها على الصعيدين الداخلي والخارجي.
واذا كان العراق، أو المالكي تحديدا، يواجه مشاكل وتحديات، تحتم عليه البحث عن مساحات اوسع للتحرك، فإنه ليس بالضرورة ان تكون واشنطن ضمن تلك المساحات، وقد يكون ربط البعض تلك الزيارة بالانتخابات البرلمانية المقبلة بعد ستة شهور، والظروف الحرجة التي تحيط بالمالكي، أمرا بعيدا عن الواقع نوعا ما، لا سيما من خلال استحضار توقيت أول زيارة قام بها للولايات المتحدة في تشرين الاول/اكتوبر من عام 2009، أي قبل الانتخابات البرلمانية السابقة ربيع عام 2010 بستة شهور ايضا.
وللعلم فإن المالكي جوبه بحملة انتقادات حادة ولاذعة من قبل عدد من قيادات الحزب الجمهوري في الكونجرس، معتبرين ان سياساته الداخلية هي السبب الرئيسي وراء الأوضاع التي يعيشها العراق، وقد أكد نائب الرئيس جو بايدن أن تلك الانتقادات تأتي في اطار الصراع السياسي بين الديمقراطيين والجمهوريين.
بيد ان طبيعة الدور الأميركي في صياغة مجمل الواقع السياسي العراقي بعد الاطاحة بنظام صدام، تقتضي وجود تواصل، خصوصا أن انسحاب القوات الاميركية من العراق نهاية عام 2011، ارتبط بإبرام اتفاقية أمنية، واتفاقية اطار استراتيجي رتبت التزامات على واشنطن لا تقتصر على الجوانب الأمنية فحسب، وإنما تمتد لجوانب اقتصادية وسياسية وعملية وفنية مختلفة، ولذلك فإنه من الطبيعي جدا ان تكون اتفاقية الإطار الإستراتيجي واحدا من أبرز الموضوعات التي بحثها المالكي في واشنطن مع كبار صناع القرار فيها.
الى جانب ذلك فإن الأزمة السورية، التي تمتلك بغداد رؤية واضحة وواقعية لحلها أو حلحلتها، في مقابل فشل الرؤية الأميركية، من الطبيعي أن تكون هي الأخرى أحد أبرز موضوعات البحث والنقاش بين بغداد وواشنطن.
ولا تخرج الأزمة السورية، عن مجمل الترتيبات في المنطقة، إن لم تكن تمثل اليوم المحور الأساس لها، فالعلاقات الايرانية ـ الاميركية في مساراتها المختلفة، يمكن ان تحددها سبل وآليات التعاطي مع الأزمة السورية، وكذلك مسار العلاقات الاميركية ـ السعودية، والايرانية ـ السعودية. وفي كل ذلك فإن العراق يعد من أكثر الأطراف المعنية بذلك، فالانفراجات، وفك العقد المستعصية، وتحقيق تفاهمات معينة، لا بد ان تنتهي الى انفراجات سياسية وأمنية في المشهد العراقي العام، ويكون اثرها أكبر بكثير مما يمكن أن يحصل عليه العراق من أسلحة من الولايات المتحدة الاميركية، لا سيما طائرات اف 16.
بقدر ما تحتاج بغداد الى واشنطن فإن الأخيرة تحتاج الأولى، فالعراق ان لم يكن طرفا اساسيا في أية ترتيبات للملف السوري، فإنه بلا شك لن يكون طرفا هامشيا، وكذلك فإن العراق، المعني الى حد كبير بتحقيق انفراجات في مسار العلاقات الايرانية ـ الاميركية، لن يكون بعيداً عن أي حراك من شأنه فك بعض العقد وتجاوز جزء من العقبات بين واشنطن وطهران.
ولأن واشنطن وجهت دعوات مماثلة لدعوة المالكي، لكل من رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي، ورئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني، فإن الحديث عن أن زيارة المالكي لواشنطن في هذا الوقت ستؤدي الى اتساع الهوة بين الفرقاء وستزيد الطين بلة، يبدو بعيداً عن الواقع، وفي نفس الوقت فإن التعويل عليها الى حد كبير في معالجة اشكاليات الواقع السياسي العراقي يمثل استغراقا في تفاؤل يفتقر الى الأرضيات المناسبة، فواشنطن ليست بالطرف الذي يمتلك كل أدوات القوة والتأثير الإيجابي في المشهد العراقي، هذا في حال توافرت النيات الحسنة والارادات الصادقة، وهي تواجه مشاكل وتحديات داخلية، وهزات عنيفة في علاقاتها مع الكثير من حلفائها وشركائها في العالم والمنطقة.