ارشيف من :آراء وتحليلات
تونس: فشل الفرقاء في التوصل لمرشح لرئاسة الحكومة والإلتزام بخارطة الطريق
لم يتمكن فرقاء السياسة في تونس من الإيفاء بوعودهم لأبناء شعبهم، وذلك من خلال الإعلان يوم السبت الماضي عن إسم الشخصية الوطنية التي ستخلف علي العريض على عرش القصبة. فقد مر اليوم الموعود وبرزت الخلافات مجددا على السطح وخرج كل طرف إلى وسائل الإعلام يُحمَل الطرف المقابل المسؤولية عن عدم حصول التوافق المنشود.
ويتساءل كثيرون بناء على ذلك عن مآل خارطة الطريق التي اقترحها الإتحاد العام التونسي للشغل والمنظمات الوطنية الأخرى الراعية للحوار، والتي وقَع عليها الجميع باستثناء حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، حزب الرئيس المرزوقي. فهل سيتم وضع آجال جديدة في هذه الخارطة بعد العجز عن الإلتزام بما ورد فيها أي الإعلان يوم السبت عن إسم رئيس الحكومة الجديد؟ أم أنه سيتم تجاوزها بالكامل وإيقاف تنفيذ ما ورد فيها وبالتالي عودة البلاد إلى المربع الأول؟
النهضة في قفص الإتهام
تُحمل أحزاب المعارضة مسؤولية الفشل في التوصل لاتفاق بشأن "صاحب القصبة" إلى حركة النهضة التي أصرت على مرشحها السيد أحمد المستيري فيما تنازلت المعارضة عن ترشيح السيد مصطفى كمال النابلي محافظ البنك المركزي السابق وقبلت بحل وسط اعتُقد أنه سيرضي الجميع وهو السيد محمد الناصر وزير بورقيبة الأسبق ووزير الشؤون الإجتماعية في حكومة الباجي قائد السبسي التي سبقت صعود حركة النهضة لحكم البلاد. لكن حركة النهضة فاجأت الجميع وأصرت على أن يكون رئيس الحكومة التونسية القادم هو السيد أحمد المستيري دون سواه.
وتبرر المعارضة رفضها للسيد أحمد المستيري بكبر سنه ومرضه اللذين يحولان دونه والقيام بمهامه على أكمل وجه. وترى أن البلاد بحاجة لرئيس حكومة في عنفوان شبابه قادر على تحمل المهمة الجسيمة الملقاة على عاتقه والعمل لساعات طوال من أجل إنقاذ البلاد من أزماتها التي طالت الإقتصاد والأمن بالإضافة إلى ضعف التنمية في الجهات الداخلية المحرومة والولايات الحدودية.
خلافات شخصية
ويرى البعض بأن رفض المعارضة للمستيري مرده خلافات شخصية قديمة بينه وبين زعيم المعارضة السيد الباجي قائد السبسي. فكلاهما كان في الزمن الغابر وزيرا ذا باع عند بورقيبة من صغار السن و من أصحاب الحقائب السيادية وكلاهما احتج على بورقيبة مطالبا بالديمقراطية في وقت مبكر منذ مطلع السبعينيات وانسلخ عن الحزب الدستوري الحاكم في ذلك الوقت. وقد أسس السيد أحمد المستيري حزبا جديدا سماه حركة الديمقراطيين الإشتراكيين لم ينضم إليه الباجي قائد السبسي واختلف الرجلان منذ ذلك الوقت.
حيث عاد قائد السبسي إلى حضيرة بورقيبة والحزب الدستوري مطلع الثمانينات وزيرا للخارجية بعد أن وعده الزعيم الراحل بتحقيق مطالبه من خلال الشروع في إرساء نظام ديمقراطي. وتحول أحمد المستيري إلى واحد من أشرس معارضي بورقيبة ونظامه بما في ذلك وزير خارجيته القائد السبسي الذي اتهمه التيار الليبرالي الإصلاحي المنسلخ عن الحزب الدستوري وزعيمه أحمد المستيري بأنه حاد عن المسار و"خان القضية". وبما أن السبسي أصبح اليوم زعيم المعارضة الأول بامتياز فإنه يرفض أن يتولى المستيري رئاسة الحكومة، فيما تصر النهضة على المستيري رغبة في إضعاف قائد السبسي.
تهديدات
وتهدد بعض الأطراف في حركة النهضة بالعودة إلى المجلس الوطني التأسيسي لحسم الملف باعتبار أن الحركة هي صاحبة الأغلبية في المجلس. فيما تصر أطراف من المعارضة على أن المجلس لم يعد له وجود وأنه لا شرعية أعلى من شرعية التوافق باعتبار وأن مدة عمل المجلس التأسيسي قد حُددت بسنة واحدة وتم تجاوز هذا الأجل دون أن يتم المجلس مهامه ومن ذلك كتابة الدستور الجديد للبلاد.
ويرى محللون بأن الإتحاد العام التونسي للشغل سيضغط خلال اليومين القادمين باتجاه قبول الفرقاء بأحد الحلين أي أحمد المستيري أو محمد الناصر يسانده مصطفى كمال النابلي وزيرا مسؤولا عن جميع الوزارات الإقتصادية (أو كما يسميه البعض نصف رئيس حكومة). وقد يذهب الإتحاد بعيدا ويفرض شخصية توافقية في اللحظات الأخيرة تكون مفاجأة الجميع، فكل شيء وارد في بلد باتت رمال صحرائه تتحرك بانتظام بعد عقود من السكينة والإستقرار.