ارشيف من :آراء وتحليلات
ارباك لدى 14 آذار في الاستحقاقين الحكومي و الرئاسي
سركيس ابوزيد
بعد مرور سبعة أشھر على تكليف الرئيس تمام سلام ما زالت عملية تشكيل الحكومة الجديدة تراوح مكانھا. كلف الرئيس سلام بشبه اجماع مفاجئ سرعان ما تبين أن "التفاف حوله" في التكليف تحوّل الى "التفاف عليه" في التأليف...
لم تغادر عملية تشكيل الحكومة "المربع صفر" بسبب تشابك عوامل وتعقيدات داخلية وإقليمية أخّرت ولادة الحكومة لارتباطها بتطورات الأزمة السورية الميدانية والسياسية اولاً وتجاذبات التنافس الاقليمي ثانياً، وأضيف مؤخراً "عائق" أساسي نتيجة العلاقة الوثيقة بين الملف الحكومي والاستحقاق الرئاسي، لا سيما الغموض الذي يكتنف مصير الانتخابات نفسها...
السياسة في لبنان أضحت في سباق مع الوقت الذي يمر بسرعة وحيث باتت المسافة الزمنية الفاصلة تقاس بالأشھر المعدودة فيما المسافة السياسية تقاس بـ "ربع الساعة الأخير".. لقد بات الجميع في لبنان واقعين تحت ھاجس الفراغ الرئاسي المحتمل حصوله: فإذا كانت الانتخابات النيابية لم تحصل، وإذا كان الاتفاق على الحكومة الجديدة لم يتم، فكيف يتم اتفاق على الرئيس الجديد؟!.
في ضوء ھذا الرابط بين الملف الحكومي والاستحقاق الرئاسي، تصبح حسابات الأطراف المعنية بالشأنين على الشكل التالي:
ـ فريق 8 آذار حدد خياره على النحو التالي: حكومة جديدة على أساس 9-9-6 او حكومة تصريف الأعمال حتى نھاية العھد لتستلم إدارة المرحلة الانتقالية في حال شغر مركز الرئاسة.. فلا مشكلة لدى ھذا الفريق باستمرار الحكومة الحالية، لا بل يحبذ استمرارھا كخيار أول، وإذا كان لا بد من حكومة جديدة فلتكن بالشروط والمواصفات التي يحددھا: صيغة تحفظ له حق "الفيتو" على القرارات الأساسية. ھذا الفريق ربح جولة التأليف بعدما كان خسر جولة التكليف، إذ أسقط تباعاً "الحكومة الحيادية وحكومة 8-8-6 وحكومة الأمر الواقع"...
ـ الرئيس ميشال سليمان الذي في يده ورقة التوقيع على مرسوم تشكيل الحكومة، دوره أساسي ھنا مع آخر صلاحية أساسية ما زالت في يد رئيس الجمھورية... فهو لا يوقع مرسوم أي حكومة لا تنال ثقته، وهو بات مقتنعاً أن حكومة لا تتمتع بالثقة النيابية ستكون حكومة أزمة ومشاكل وإشكالات دستورية وسياسية وأمنية وغير صالحة لتسلم مرحلة الفراغ إذا حصل، وما يمكن اعتباره "خطاً أحمر" لديه ھو عدم بلوغ نھاية العھد من دون حكومة جديدة... لذلك هو في حالة حيرة وترقب: تأزيم الوضع حتى يصبح التمديد هو الحل الوحيد الأنسب، أو تشكيل حكومة هو فيها الصوت المرجح، أما خياره الأخير فهو ان يكون له رأي مرجح بتسمية خليفته.
ـ فريق 14 آذار يواجه موقفاً حرجاً "لا يحسد عليه". فمن جھة بات أسير مواقف وشروط طرحھا والتزم بھا على امتداد الأشھر الماضية، اذ ربط أولاً بين انسحاب حزب لله من سوريا ومشاركته في حكومة وفق مواصفاته...ومن جھة ثانية يبدو فريق 14 آذار أسير تطورات إقليمية وداخلية مفاجئة ساھمت في تعقيد الوضع أكثر وفي الإخلال بميزان القوى الداخلي لمصلحة حزب الله... فمن الاتفاق الروسي ـ الأميركي، الى التقارب الأميركي ـ الإيراني، الى التصادم السعودي ـ الأميركي، الى انطلاقة "جنيف 2" على قاعدة بقاء الرئيس الأسد والحوار معه، كلھا تطورات كان لھا التأثير الداخلي في لبنان على مستوى المعادلة السياسية التي تتمثل راھناً في موضوع الحكومة... ومجمل ھذه التبدلات في المناخ الدولي والإقليمي وفي مسار الأزمة السورية، دفع جنبلاط الى حسم موقفه الحكومي الى جانب حزب الله، وساھم في تعديل موقف الرئيس سليمان الذي يتعاطى مع الواقع ومع موازين القوى وما تنتجه من توافق جديد على الأحجام والحصص.
ولأن الوضع على ھذه الدرجة من الدقة والإحراج، تجري نقاشات في أروقة ودوائر 14 آذار بشأن تحديد الموقف النھائي من الحكومة بين القبول بما ھو معروض أو تأجيل "الملف لفترة إضافية انتظاراً لما سيكون عليه الملف السوري ومصير جنيف 2".
لا مبالغة في القول إن فريق 14 آذار واقع في حال صدمة سياسية وتشتت ذھني من جراء عملية خلط الأوراق في المنطقة وما أسفرت عنه من تكريس الخلل في الميزان الداخلي لمصلحة حزب لله. وثمة تسليم بأن قوى 14 آذار لم يعد بمقدورھا تشكيل الحكومة التي تريد ولم تعد في الموقع الذي تملي فيه الشروط وأن خياراتھا للمرحلة المقبلة، الحكومية والرئاسية، باتت بين "السيئ والأسوأ" وهي بين خيارين احلاهما مر:
- إما حكومة مع حزب لله وبشروطه ...
- وإما عدم السير بحكومة جديدة وفق شروط حزب لله، وھذا خيار أسوأ لأن حكومة تصريف الأعمال ھي التي ستتولى السلطة بعد شغور مركز الرئاسة وھي التي تؤول إليھا مجتمعة صلاحيات رئيس الجمھورية. وفي ھذه الحال ستكون مجبرة واقعياً ودستورياً على الانعقاد لاتخاذ قرارات وممارسة الصلاحيات. وستكون حكومة ميقاتي بعد مغادرة سليمان شبيھة بحكومة السنيورة بعد مغادرة إميل لحود ـ 2007، 2008 ـ وستمارس سلطة كاملة رغم أنھا مستقيلة مثلما مارست حكومة السنيورة السلطة.
الخيار النهائي للمستقبل مرتبط بما ستؤول اليه العلاقات السعودية ـ الاميركية وهي بالنتيجة تعبر عن مأزق الرياض.