ارشيف من :آراء وتحليلات
هل وصلت الولايات المتحدة إلى حافة الانتحار؟
يرنار دوغيه
1 تشرين الأول / أكتوبر 2013
عن موقع agoravox الالكتروني
عندما ننظر إلى الولايات المتحدة من هنا (فرنسا)، فإنها تبدو بعيدة وعادية. موازنتها الفيدرالية معطلة في الوقت الحاضر، ما ينعكس على مستوى الوقائع بوضع 800 ألف موظف في حالة البطالة التقنية بعد أن طلب إليهم في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر أن يبقوا في منازلهم لعدم توفر أجور تدفع إليهم. الناس في الولايات المتحدة لم يصلوا إلى حد الجنون. فالموظفون الذين يشغلون مواقع في المجالات الأساسية ما زالوا في وظائفهم. الجيش والدفاع والشرطة وإدارة المطارات والمستشفيات والبنى التحتية هي قطاعات حكومية لا يمكنها التوقف عن العمل. لكن وضعاً مشابهاً في فرنسا من شأنه أن يؤدي إلى إقفال رياض الأطفال والمدارس ومطاعم المدارس والمتاحف وصناديق المساعدات الأسرية، إلخ. مثل هذا الاحتمال يتعذر التفكير فيه عندنا في فرنسا.
لماذا تعطلت الولايات المتحدة ؟ لأن مجلس الشيوخ امتنع، بموجب القواعد الدستورية التي جرى تحريكها في الأيام القليلة الماضية من قبل المطبخ السياسي، امتنع عن إقرار الموازنة التي يبدأ العمل بها في الأول من تشرين الأول / أكتوبر. وهكذا يأتي هذا التعطل قبل أن يكون هنالك تصويت جديد من شأنه أن يحل مشكلة الموازنة. ويدور الخلاف حول السياسة الصحية التي ترفضها الكتلة الجمهورية على خطى الأعضاء الأكثر تطرفاً الذين يسيرون في ركب تيار حزب الشاي. الموازنة معطلة إذن حتى إشعار آخر أي من الآن وحتى يتراجع أحد الطرفين أمام الآخر.
وقد أوضح المؤرخون أن هذا الحدث نادر الوقوع لكنه ليس استثنائياً حيث أن آخر تعطل مشابه يعود إلى العام 1995، إلى ما قبل 18 عاماً في ظل ولاية الرئيس كلينتون الأولى التي بدأت عام 1993 في مناخ عرف بعض الفوضى بسبب الارتجال في اختيار المستشارين. وكان الوضع السياسي يومها مشابها لما نشهده اليوم : رئيس ديموقراطي وكونغرس معارض إضافة، وهذا أمر مهم، أن موضوع الخلاف هو نفسه. سياسة صحية اعتمدها كلينتون خدمة للطبقات المحرومة ولكنها عطلت من قبل الجمهوريين في الكونغرس. وبالنتيجة ظل الموظفون غير الضروريين في بيوتهم لعدة أسابيع قبل أن يتم التوصل إلى حل للمشكلة.
لكن هذه المقارنة لا ينبغي لها أن تحجب الفرق بين السياقين. ففي العام 1995، كانت الولايات المتحدة تستفيد من أشكال التكنولوجيا الجديدة والبطالة المنخفضة والنمو الأكثر من ملائم، وكل ذلك سهل التخفيف من قوة الموجة التي نجمت عن تعطيل الموازنة. أما في العام 2013، فإن كل شيء قد تغير انطلاقاً من صدمتي العام 2001 والعام 2008. المؤشرات الاقتصادية هي تحت الخط الأحمر، والمديونية ضخمة، وسيف داموقليطس مسلط على المرحلة القادمة من طريق الصليب الرئاسي، ورفع سقف المديونية الذي سيؤدي، فيما لو تم رفضه، إلى اقتطاعات كبيرة وآلية في الموازنة الفيدرالية. إن تعطل الموازنة يأتي حالياً في سياق الأزمة الاجتماعية الحادة، والتصاعد الكبير في معدلات الفقر، والمدن المفلسة، والإدارات المعرضة للخطر، والتوترات السياسية الداخلية التي لم تعرفها الولايات المتحدة منذ عقود. إضافة إلى أن المتطرفين من الفوضويين إلى اليساريين واليمينيين أصبحوا أكثر جذرية.
من هذه الزاوية، يبدو السياسيون في الولايات المتحدة غير مسؤولين، إذا لم نقل بأنهم انتحاريون فيلسوفهم متشبع بفكر نيتشه وستراوس مع بعض النفحات العدمية الناشطة والحادة، وكل ذلك يذكرنا بأجواء الثلاثينات. ولكن، ولكي نكون أكثر انسجاماً مع تحليل تلك الفترة، لا يمكننا إلا أن نستعيد ما توصل إليه هنري جيرو حول ظهور توجهات انتحارية ممكنة في صفوف الطبقات الشعبية وبعض النخب التي تضم بعض السياسيين. وأخيراً، ليس هنالك من جديد: الولايات المتحدة هي أمة مثيرة للقلق منذ 15 عاماً.