ارشيف من :آراء وتحليلات
الميزان يميل لصالح الأسد
عبد شبيب
في سياق متابعتها المستمرة للازمة السورية اعدت وكالة رويترز عبر مراسلتها في بيروت سامية نخول تقريرا تحليلياً موسعاً اتكأت فيه على معطيات توافرت لها من مصادر متعددة الانتماءات والوظائف، بينها ديبلوماسيون غربيون ومعارضون سوريون ومحللون في مراكز ابحاث وصحافيون عرب متابعون للحدث السوري عن قرب. واستهلت الوكالة تحليلها بالاشارة الى انه وبعد مرور اكثر من عامين ونصف العام على بدء الحرب التي تدمر سوريا تسعى الولايات المتحدة وروسيا الى جمع الأطراف المتحاربة على مائدة التفاوض في جنيف ولكن بشروط تمثل تغيراً لصالح الرئيس بشار الأسد في مواجهة مقاتلي المعارضة الذين يحاولون الإطاحة به لكنهم يزدادون تشرذماً.
ولفتت الوكالة الى انه منذ "الهجمات بالغاز السام التي وقعت في 21 آب/ اغسطس الماضي على ضواح تسيطر عليها المعارضة حول دمشق" ( وهي هجمات تخلت واشنطن عن اتهام النظام بارتكابها_ المحرر) تحولت الأجواء الدبلوماسية ضد المعارضة التي اعتقدت لفترة قصيرة أن التدخل الخارجي سيمكن قواتها من ان تشن هجوماً نهائيا، حيث ان تردد إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما والاتفاق الذي أبرم في اللحظة الأخيرة بوساطة روسيا لتفكيك الترسانة الكيماوية السورية وضعا مقاتلي المعارضة في موقف صعب حيث يقعون الآن تحت ضغط أمريكي وأوروبي مكثف لحضور محادثات في جنيف بأجندة مبهمة، وهو ما يمكن أن يحول "الصراع السوري" الى عملية طويلة وغير مثمرة على غرار مشاكل إقليمية عصيبة أخرى مثل "الصراع الإسرائيلي الفلسطيني" وفق خشية ابداها مستشارون للمعارضة السورية ومحللون مستقلون.
ونقلت و"رويترز" عن مصدر قريب من "الائتلاف الوطني السوري" وهو الممثل السياسي للمعارضة قوله إن "الائتلاف" يخشى أن يكون الاتفاق الكيميائي قد أعاد لإدارة الرئيس السوري شرعيتها على الرغم من استخدامها أساليب مثل تجويع المناطق الخاضعة لسيطرة مقاتلي المعارضة في محاولة لاستعادة السيطرة عليها حسب تعبير الوكالة البريطانية.
ولفتت "رويترز" الى اتفاق في الاراء بين محللين إقليميين ودبلوماسيين مطلعين على تطورات الموقف عن قرب على أن مخاوف الغرب لم تعد متعلقة بالإطاحة بالأسد، بل بكيفية منع الجماعات "الجهادية" المرتبطة بتنظيم "القاعدة" من تحقيق مزيد من المكاسب في الصراع الذي تفقد فيه جماعات المعارضة "المعتدلة" التي تحظى بدعم غربي محدود السيطرة تدريجياً.
الميزان يميل لصالح الأسد
ونقلت عن مصدر من المعارضة طلب عدم نشر اسمه استنتاجه إن الغرب يتحول "من خطاب الربيع العربي الى خطاب مكافحة الإرهاب ويضغط على المعارضة لتحضر مؤتمر جنيف 2 والا ستخسر دعمه". وأضاف أن سوريا أصبحت الآن بالنسبة للغرب "مصدرا لإرهابيين مجندين سيعودون الى اوروبا وامريكا". لكن هذا المصدر يحذر من ان هذه الاستراتيجية لا تحل المشكلة الأساسية لأن الإرهاب سيتفاقم، فكلما امتدت الحرب لفترة أطول زاد تشرذم المعارضة وراديكاليتها.
في المقابل اكد ايهم كامل خبير الشؤون السورية بمجموعة أوراسيا للاستشارات ان "التقدم العسكري للنظام سيستمر، ومن الصعب تصور أن يكون موقف الأسد أضعف خلال ستة أشهر، لكنه حذر من أن "تنظيم القاعدة سيبقى ومن الصعب تصور كيف سيختفي التهديد في المستقبل".
وإزاء التراجع الملحوظ في وضع المعارضة السورية مقابل تقدم النظام السوري تحدثت "رويترز" في تحليلها عن التناقضات السعودية التي تقع بين نارين: نار بندر بن سلطان رئيس المخابرات السعودية الذي ذهب الى حد التحدث عن "ابتعاد كبير" عن واشنطن بسبب مفاوضاتها مع ايران وامتناعها عن ضرب سوريا، ونار ابن عمه محمد بن نايف وزير الداخلية الذي يشعر بقلق إزاء تنظيم "القاعدة" والآثار السلبية المترتبة على دعم مقاتلي المعارضة على "الإرهاب" أكثر من اهتمامه بمصير الاسد وفقاً لما نقلته الوكالة عن ديبلوماسيين ومسؤولين في المملكة لم تفصح عن اسمائهم.
وهكذا في مواجهة أصدقاء كهؤلاء وفي ظل هذا الغموض السياسي فإن المعارضة السورية ربما تتساءل ما هي الخيارات الحقيقية المتاحة لها. وللاجابة عن هذا السؤال عادت "رويترز" بجواب من ايهم كامل من مجموعة أوراسيا ليخلص الى ان "التوافق الدولي المؤيد للمعارضة وعسكرة الصراع لم يعد موجوداً، وايضاً الاعتقاد بإمكانية تحقيق المعارضة انتصاراً عسكريا لم يعد موجوداً.
اما مصادر دبلوماسية مطلعة فابلغت "رويترز" إن هناك اعترافاً من روسيا والغرب بقدرة الأسد على البقاء على الرغم من تحول سوريا بالفعل الى جيوب يتوزع السيطرة عليها معارضو النظام ومؤيدوه اضافة الى الاكراد. وبحسب هذه المصادر فإن مسؤولين من الولايات المتحدة وروسيا يجرون مناقشات غير معلنة حول اي أجهزة الدولة السورية التي ستبقى وعلى اي مستوى ومن سيرحل ومن سيستمر مما يشير الى احتمال الوصول لحل وسط.
لكن منتقدين يقولون إن المحادثات في جنيف تتحول الى بديل للسياسة الحقيقية في ظل غياب خطة موحدة لوقف الحرب. ويقارن بعض المحللين بين هذا وبين حرب البوسنة 1992-1995 حين فشلت محادثات مطولة في وقف القتال الى أن شن حلف شمال الأطلسي هجمات جوية على القوات الصربية في أواخر صيف عام 1995.
الغرب يتحول "من خطاب الربيع العربي الى خطاب مكافحة الإرهاب ويضغط على المعارضة لتحضر مؤتمر جنيف 2 والا ستخسر دعمه |
ويعتقد مراقبون يتابعون الشأن السوري عن كثب ومصادر المعارضة التي وافقت من حيث المبدأ على حضور المحادثات أن مؤتمر جنيف 2 لن يكون مثمراً لأن الغرب ليست لديه استراتيجية ليفرض وقف الحرب. ونقلت "رويترز" عن محللين اعتقادهم إنه حتى اذا اتفقت الأطراف في جنيف فإنها ستحتاج الى إقناع جماعات المعارضة المسلحة في سوريا والتي قالت إنها لن توقف القتال اذا تم التوصل الى أي اتفاق لا يشمل إنهاء حكم الأسد.
وإزاء هذه التناقضات في الرؤى بين المعارضة السورية ورعاتها الدوليين والاقليميين التي تستبعد حلاً قريباً الا من خلال عمل عسكري غربي مباشر عرضت "رويترز" في ختام تحليلها لآراء بعض المحللين ممن يتوقعون حرباً طويلة: اما استنادا الى تجارب مجاورة مثل الحرب اللبنانية التي استمرت 15 عاماً كما قال الصحافي اللبناني سركيس نعوم لمعدي التقرير، او لانه ومع تحقيق القوات الحكومية السورية مكاسب ميدانية فإن روسيا لا تجد حافزا يذكر لتغير موقفها، سيما وانها الآن في موقع قوة: فاذا جرت محادثات جنيف ونجحت فستتمكن روسيا من تصوير نفسها على أنها صانعة سلام. اما اذا لم يحدث ذلك فستواصل لوم مقاتلي المعارضة والغرب ودول الخليج قائلة إن حكومة الأسد كانت مستعدة للحضور دون شروط مسبقة بينما فشلت الولايات المتحدة وغيرها في إقناع مقاتلي المعارضة بهذا.
اما في صفوف المعارضة فقد أصبح ما يسمى "الجهاديون" السنة والجماعات المرتبطة بتنظيم "القاعدة" التيار الأكثر نفوذاً بينما تسود الفوضى بين الجماعات المعتدلة المدعومة من الغرب وتسلحها السعودية وقطر، ومازالت ساحة المعركة في سوريا تستقطب مقاتلين متشددين أجانب بينهم من يسعى للإطاحة بالرئيس وإقامة خلافة إسلامية.