ارشيف من :آراء وتحليلات

إسرائيل تواجه انتفاضة ثالثة

إسرائيل تواجه انتفاضة ثالثة
تأكيد وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، أن "إسرائيل" ستواجه انتفاضة فلسطينية ثالثة، في حال فشل المسار التفاوضي بينها وبين السلطة الفلسطينية جاء لتوصيف واقع موجود بالفعل، رغم انه اراد استخدام هذا الواقع وهذا التوصيف، لغرض حث "تل أبيب" على توفير الفرصة لاستمرار المفاوضات، حتى وإن لم يكن ينتظر منها نتائج ملموسة.

سبق كيري، جملة من المسؤولين "الإسرائيليين"، وفي مقدمتهم مسؤولون في المؤسستين العسكرية والأمنية في "تل أبيب"، على إطلاق تحذيرات مشابهة، لكن من باب نفيها، والتأكيد لدرجة الإفراط، أن ما يجري من عمليات متفرقة في الضفة الغربية والقدس، بل وايضا في اراضي عام 1948، لا يؤشر على الاتجاه نحو انتفاضة فلسطينية مقبلة. ولم يكن آخر هذه التأكيدات، جهود التصريحات والمواقف التي اطلقها وزير الحرب، موشيه يعلون، من أن "لا انتفاضة فلسطينية"، رغم إقراره بأن الوضع الأمني، ينذر بعواقب وخيمة.

اصرار المسؤولين "الاسرائيليين" على نفي الانتفاضة الثالثة، وبهذا الشكل وضمن هذا المضمون وبوتيرة اصرار غير مسبوقة، يشير الى ان الانتفاضة باتت هاجساً، وسؤالاً شائعاً، ويستدعي طمأنة المستوطنين، ويحمل في مناسبته ايضاً اقراراً من باب النفي المتكرر، على ان الانتفاضة مقبلة بالفعل.

عملية الطعن في العفولة، والتي اسفرت عن مقتل جندي "اسرائيلي"، ومن قبل فلسطيني لا يتجاوز عمره الـ16 عاماً، والتي تصطف في دلالاتها مع عمليات أخرى سبقتها في الاسابيع القليلة الماضية، كانت دليلاً اضافياً على قرب الانتفاضة الفلسطينية، التي تنكر "تل ابيب" إمكاناتها، حتى الآن، رغم انشغالها الفعلي، في بحث مواجهتها ومنعها.

لكن ما هي هذه الانتفاضة، وما هي مميزاتها وتبعاتها، وفروقاتها عن الانتفاضتين الفلسطينيتين الماضيتين، وكيف يمكن للاجهزة الامنية "الاسرائيلية"، إن استطاعت، ان تتعامل معها؟ رغم كل النفي الصهيوني، الانتفاضة مقبلة لا محالة. الا انها لن تكون شبيهة بالانتفاضتين الماضيتين، وعدم تشابهها، هو الذي يخيف الصهاينة.

إسرائيل تواجه انتفاضة ثالثة
إسرائيل تواجه انتفاضة ثالثة.. من نوع آخر

تخشى "تل ابيب" من انتفاضة شعبية، بلا عنوان، وبلا قادة، ولا جهات ومنظمات مسيّرة من الاعلى، بمعنى انها تنطلق من الفرد الفلسطيني، اليائس والمحبط من المحتل ومن قادته وفصائله ومن عجزهم، للتعبير عن هذا اليأس من خلال عمليات موجهة ضد المحتل، بمستوطنيه وجنوده. وما يشغل بال الصهاينة ويؤرقهم، في انتفاضة كهذه، انها قادرة على الاستمرار والديمومة، مهما كانت الاجراءات المقابلة، الوقائية او الاستباقية، الامنية والعسكرية والعقابية، وسواء قامت بها سلطات الاحتلال واستخباراتها، او اجهزة السلطة الفلسطينية واستخباراتها. معنى ذلك، ان الانتفاضة المقبلة لن تكون منظمة وموجهة، واسباب نجاحها ستكون في انها كذلك.

بحسب تقديرات جهاز الامن العام الصهيوني، "الشاباك"، يوجد ما لا يقل عن مئة ألف فلسطيني لديهم اسباب واضحة ومباشرة، في شن عمليات ضد الجنود او المستوطنين، سواء في الضفة الغربية او القدس المحتلة، أو داخل الاراضي المحتلة عام 1948. وهذه الاسباب، المرصودة أخيراً من الاستخبارات الصهيونية، تتعلق بصلة قربى من الدرجة الأولى، أي أب أو أخ او إبن.. شهيد او معتقل او جريح، بأيدي جيش الاحتلال. كما يوجد اضعاف هذا العدد، بقرابة او صلة من الدرجة الثانية، الأمر الذي يعني ان كل الشباب الفلسطيني، سيكونون معنيين ومتحفزين للمشاركة في هذه الانتفاضة.

وتبدأ الانتفاضة الجديدة، التي باتت أدبيات المحتل تسميها بـ"العمليات الفردية الواسعة"، كما تحذر الاستخبارات الصهيونية، من أعمال فردية، غير مخطط لها مسبقاً، ينفذها شباب يائسون، سواء من الاحتلال أو من السلطة الفلسطينية، التي خيبت آمالهم وتطلعاتهم وانسياقها الدائم أمام المحتل وأمام الاميركيين. وتحذر الاستخبارات من أن هذه العمليات، التي ستكون غير ذات صلة ببعضها البعض، تنتقل بوتيرة غير كبيرة في البدء، الى أن يتحول منفذوها لاحقاً، قدوة للشباب الفلسطيني، ومن ثم تشهد قفزات كبيرة جداً، لا يمكن الوقوف امامها وردعها ومنعها.

تشير الاستخبارات الصهيونية الى أن الانتفاضتين الماضيتين، وضع لهما حد، كما يقولون، عبر سلسلة من العوامل والاجراءات، ومنها ما قام به الاحتلال، ومنها ما قامت به أجهزة السلطة الفلسطينية، سواء عبر الاغتيالات أو القتل او النفي او اكتشاف المجموعات وصلاتها وتمويلها، الامر الذي مكن من تأمين انذارات مبكرة في كثير من الأحيان، وفي أحيان أخرى كانت السلطة الفلسطينية تعمل على الإحباط أيضاً، الأمر الذي أوصل إلى صد ومنع معظم قدرات فصائل المقاومة على التحرك، وتحديداً في الضفة الغربية، التي باتت مغلقة تماماً أمام المقاومين، بين قتل ونفي ومحاصرة داخلية.

من هنا يأتي تفسير جملة من الإجراءات الصهيونية، التي أقدمت عليها "تل أبيب" في الفترة الأخيرة، والتي تلقى موافقة ومباركة من أجهزة الأمن الصهيونية في الضفة تحديداً، وفي مقدمتها إطلاق سراح الأسرى القدامى في المعتقلات، وأيضاً، الحرص الشديد على ضرورة استمرار ومواصلة المفاوضات مع السلطة، سواء كانت تشي بإمكانات ونتائج أم لا، اضافة الى تخفيف الحصار وتليين اجراءات التفتيش على الحواجز في الضفة وطرقاتها.

وما الذي يعنيه ذلك؟ يعني ان الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، هي وفقاً للمفاهيم السائدة والمحددة للانتفاضتين السابقتين، ستكون مختلفة، وتعبر عن ظاهرة جديدة، سيكون على الإسرائيلي فهم خصائصها ودوافعها كي يؤسس لرد أمني وعسكري تمهيداً لتأمين رد عسكري أو آخر. لكن المشكلة ان تهديدا كهذا، لم تعهده الاستخبارات واجهزة الامن الصهيونية، قد لا يكون قابلاً للرد والصد.

2013-11-16