ارشيف من :نقاط على الحروف
تمويل ميليشيات وتسليح واغتيالات
تقرأ بيانات زعيم تيّار "المستقبل" المغترب سعد الحريري، تُعجَب. تُراقب أفعال نوّاب تيّاره وقادة محاوره على الأرض، تتعجّب. يخلع الحريريّون رداء الدولة على أعتاب طرابلس. لا عبور الى دولة القانون والمؤسسات، ولا حصرية للسلاح بيد القوى الأمنية الشرعية. فشمالاً، حيث وفرة الأنصار والمريدين، كل شيء مباح في سبيل الفتنة، وكل شيء مستباح في سبيل إذكائها.
لا يتحرّك تيّار المستقبل في "ملف" طرابلس خارج إطار دوره المرسوم له بدقّة وبريشة سعودية، كما هو الحال في كافة الملفات على الساحة اللبنانية، سياسية كانت أم اقتصادية أم أمنية. تقول مصادر سياسية شمالية، إن التيّار الأزرق ينفّذ أوامر سعودية في طرابلس. فطرابلس المفتوحة على سوريا جغرافياً، هي محط اهتمام بالغ لدى السعودية مع تزايد الحديث عن حسم ميداني للجيش السوري في قرى ريف دمشق، وحلول موعد معركة القلمون المنتظرة.
دور محلي بأبعاد إقليمية
تستبعد المصادر نجاح المرحلة الثانية من الخطة الأمنية التي أطلقت في طرابلس مساء السبت (16 تشرين الثاني). السعودية "محشورة" بين التوجّه الدولي الى تكريس الحل السياسي للأزمة السورية عبر مؤتمر "جنيف 2"، وبين تقدّم المفاوضات بين إيران والدول الكبرى. تسعى الدولة الخليجية الغاضبة الى فرض أمر واقع على تخوم سوريا، يشكّل ملاذاً للمقاتلين ومستودعاً لذخائرهم و"أرض نصرة" لهم. طرابلس المكان المناسب، فقراها وأزقّتها خاضعة لقرار تيّار المستقبل، حزبها في لبنان. "جنيف 2" لن يمر بسهولة، ومحاولات التخريب ستستمر. جائزة الترضية يجب أن تكون "حرزانة".
لم يوفّر تيّار المستقبل جهداً لتهيئة المسرح الشمالي بانتظار صدور أمر العمليات. طرابلس وعكار يجب أن تصبحا تحت سيطرة المستقبل ـ لا الدولة ـ إن مباشرة أو عبر مجموعات مسلّحة.. لا ضير إن كانت بعقيدة تكفيرية. تبدو "اللعبة" التي يلعبها التيار الازرق في الشمال خطيرة .
تكفير ديني وسياسي
يُصنّف كل فرد أو مجموعة لا تمشي بالتوجّه السعودي في الشمال، في خانة العميل للنظام السوري وإيران وحزب الله. تقول المصادر إن هذا الأمر فتح الباب واسعاً أمام استهداف كل ما يرمز الى المقاومة في طرابلس وعكّار. وُضعت هذه "الخطة" في إطار التوجّه السعودي الذي يرمي الى ضرب التنوّع الديني والسياسي في المنطقة. لا تستبعد استمرار حملة الاغتيالات ضد الخصوم، لجعل المنطقة مساحة خالصة الولاء للمستقبل ومَن خلفه.
لغة التخوين والتهديد أصبحت مألوفة في الشمال، بل تجاوز الأمر الحد، أصبح القتل والاغتيال "أسلوب حياة" تتبعه المجموعات المسلّحة المغطاة سياسية وتمويلياً من قبل تيار المستقبل. تقول المصادر الشمالية إن رسائل التهديد بالتصفية لم توفّر أحداً ممن يدعم المقاومة في الشمال. الجميع أصبح هدفاً متحرّكاً ينتظر استهدافه بالرصاص أو بعبوة ناسفة في أية لحظة. شُرّع قتل الجميع، إما لأسباب طائفية مذهبية، أو لأسباب "العمالة والخيانة والضلال".
تتساءل المصادر عن جدوى تنفيذ خطة أمنية في طرابلس والشمال، فيما القنابل والرصاص باتت تسكن في العقول ومناهج التفكير وخطط العمل. هل ستمنع الخطة الأمنية تهجير أهالي جبل محسن، وتفك الحصار عنهم؟ وهل ستعيد العشرات ممن هُجّروا أو هُدّدوا بسبب مواقفهم السياسية وانتماءاتهم العقائدية، الى أراضيهم وأرزاقهم؟
سياسة الإلغاء المعنوي والجسدي: نماذج حيّة
لا تقتصر سياسية الإلغاء الجسدي والإقصاء المعنوي على الشمال فقط. أصبحت نهجاً يتّبعه التيّار الأزرق بعدما فقد أي منطق سياسي سليم، وفقد رجالاته القدرة على مواجهة الحجّة بالحجّة، والفكرة بمثيلها.
بعض العيّنات "العشوائية" لممارسات تيّار المستقبل في سبيل العبور الى الدولة توضح الصورة أكثر. ففي 20 أيار 2012، عَبَر مسلّحو المستقبل الى مكتب "حزب التيار العربي" برئاسة شاكر برجاوي، وأمطروه بالقذائف الصاروخية والرصاص، وقتلوا اثنين من أنصاره، وأغلقوا مكتبه في الطريق الجديدة بقوة السلاح.
في صبيحة عيد الأضحى المنصرم، نفّذ أنصار المستقبل ومسلّحوه هجوماً مسلّحاً على منزل أبو علي شملي في الطريق الجديدة، وحاصروه، محاولين إخراج العائلة من المنطقة لأن ربّ البيت قد صلّى صلاة العيد خلف مفتي الجمهورية الذي لم يعد يحظى برضى تيّار المستقبل.
في صيدا، غطّت النائب بهية الحريري وتيّارها جماعة الأسير في اعتداءاتها على الجيش، وقدّمت لها الدعم المادي والسياسي خلال مواجهات عبرا، قبل أن يتمكن الجيش من إنهاء تلك الحالة الشاذّة في حزيران 2013. وقبل ذلك بأيام حاول مسلّحون معروفو الانتماء في المدينة اغتيال الشيخ ماهر حمود أثناء توجهه لأداء صلاة الفجر.
شمالاً، قام مسلّحون وقادة محاور يحظون بغطاء أمني وسياسي من تيّار المستقبل بإطلاق النار على منزل الشيخ عبد السلام الحرّاش في عكار خلال حفل إفطار رمضاني في 17 آب 2011. أطلق زملاء لهم النار على منزل الشيخ ماهر عبد الرزاق في عكار في 21 حزيران 2013. اغتيل الشيخ عبد الرزاق الأسمر في أبو سمرا في 19 تشرين الأول 2012. وتواصل النهج الإلغائي الى أن اغتيل الشيخ المقاوم الشيخ سعد الدين غيّة في طرابلس في 12 تشرين الثاني 2013.
تقول المصادر الشمالية إن فرع المعلومات يقف نظيراً لكل هذه الاعتداءات الجسدية. فهو يفبرك الاتهامات والشهود لشخصيات وأفراد على تماس مع خط المقاومة، ويزجّ بهم في السجون تنفيذاً لسياسية إخلاء ساحة طرابلس والشمال أمام تيّار المستقبل وجماعاته المسلّحة المدعومة سعودياً. ما حصل مع الشيخ هاشم منقارة في 29 آب 2013، واتهامه بالتورّط في تفجيري طرابلس مثال حي آخر.
بطبيعة الحال، تنفي مصادر المستقبل التورط في مثل هذه السياسات. تضع كل ما حصل ويحصل وسيحصل في خانة ردّات الفعل على تفجيري طرابلس. وفيما كانت هذه المصادر تدعو الى إجراءات سياسية وأمنية حاسمة تبدأ بخروج حزب الله من سوريا. تجلّت سياسة العبور الى الدولة بأبهى حللها عندما أطل أحدة قادة المحاور المدعومين سياسياً ومادياً من تيّار المستقبل، من وراء مكتب قائد منطقة الشمال الإقليمية في قوى الأمن الداخلي العميد محمود عنّان، تظلّله صورة الرئيس ميشال سليمان.. صاحب اعلان بعبدا .