ارشيف من :آراء وتحليلات

عندما تقر’إسرائيل’ بتعاظم قدرات حزب الله

عندما تقر’إسرائيل’ بتعاظم قدرات حزب الله
جملة من الرسائل وصلت أخيراً من تل أبيب، موجهة أولا إلى حزب الله وحلفائه، وثانيا للجمهور الإسرائيلي القلق من إمكانات نشوب حرب، لا يريدها، مع الساحة الشمالية، بمكونيها: حزب الله وسوريا.

تدفقت أخيراً، ودفعة واحدة في الإعلام العبري، تصريحات ومواقف وتقارير ومقابلات صحفية، لكبار وصغار القوم، عن حزب الله واستعداده وتعاظم قدراته العسكرية والحرب المقبلة. الهدف واحد: تأكيد على واقع ترسُخ الردع المتبادل وعلى منعته واستمراره، مع التأكيد أكثر على جهوزية تل أبيب للمواجهة المقبلة، والتي بالمناسبة، وبحسب ما تؤكده نفس التقارير الاسرائيلية، ما زالت بعيدة.

وتكشف صحيفة "هآرتس" عن تقديرات أسرة الاستخبارات في تل أبيب، عن تعاظم غير مسبوق لقدرات حزب الله العسكرية، وليس فقط بما يعني الوسائل القتالية والترسانة الصاروخية النوعية الدقيقة التي يمكنها أن تطال أي مكان في "اسرائيل"، بل وبشكل دقيق بما يشمل البنى التحتية العسكرية والمدنية، بل أيضا تعاظم الخبرة القتالية التي اكتسبتها وحدات النخبة في الحزب، في الساحة السوريّة، وتحديداً في الاقتحام والسيطرة على المناطق المبنية والقتال المديني، وهو ما يقلق تل أبيب كثيراً، وتحديداً ما يتعلق بسيناريوهات الحرب وانتقال حزب الله من الدفاع الى الهجوم، كما وعد أمينه العام، السيد حسن نصر الله، في أكثر من مناسبة سابقة.

وتكشف الصحيفة أن المؤسسة الأمنية في "اسرائيل"، وهي معلومات نقلتها عن ضابط رفيع المستوى، وصلت أخيراً الى اجابة عن سؤال قديم: هل يمكن الاستفراد بحزب الله في المواجهة المقبلة، أو أن حلفائه سينضمون إليه في المعركة؟ الإجابة كانت بنعم كبيرة، ومن شأنها أن تلقي بظلال ثقيلة على الخطط العسكريّة الموضوعة للحرب المقبلة، وهي حرب، كما يتبين وكما اثبتت السنوات الماضية، أنها المتعذرة في اساسها.
عندما تقر’إسرائيل’ بتعاظم قدرات حزب الله
هل تستطيع اسرائيل الاستفراد بحزب الله ؟

مركز بيغن ـ السادات للدراسات الاستراتيجية، أصدر بدوره دراسة موجزة عن الاستعدادات العسكرية لـ"اسرائيل" وحزب الله، للحرب المقبلة. ورغم أن الدراسة لم ترق الى مستوى دراسات أخرى صادرة عن المركز، لجهة مهنيتها وجديتها، إلا انها جاءت لتخدم رسالة واحدة، وهي موجهة تحديداً للجمهور الاسرائيلي نفسه، قبل ان تكون موجهة للأعداء: الجيش قادر على تحقيق المهمة في وجه حزب الله، واستعداداته وصلت الى السماء، أما النصر فقادم لا محالة، في حال نشبت الحرب.

ايضا قائد فرقة الجليل في الجيش الاسرائيلي، العميد هرتسي هاليفي، الذي قفز الى صحيفة "نيويورك تايمز"، لاجراء مقابلة يختم فيها مهامه في الشمال، قبل ان ينتقل الى كلية الأركان، كمحاضر أساسي عن الحرب المقبلة وماهياتها وسبل الانتصار فيها. مقابلة هاليفي، العسكري الفيلسوف، كما تشير الصحيفة الأميركية، كان حاسما في موقفه: "الحرب لن تكون قريبة، وعمل الجيش وخططه العسكرية تتركز فقط على كيفية تطويل الفترة التي تفصله عنها، الأمر الذي يستتبع، بحسب هاليفي، اجراءات وتدابير وعمليات، مهمتها ان تبعد الحرب زمنيا، وهو ما يطلق عليه: المعارك ما بين الحربين".

كيفما اتفق، فإن الرسائل الاسرائيلية، واحدة: تطمينية للداخل، وتوصيفية، للخارج، وهي لم تخل من ثغرات.

اولا: رسالة  الى الجمهور الاسرائيلي، بأن جيشهم قادر ومستعد وعلى جهوزية كاملة، لأي مواجهة مقبلة مع حزب الله ومع حلفائه، بما يشمل سوريا وإيران. وهذه الرسالة، وإن كانت مبتذلة واجترار لرسائل سبقت وبثت بالفعل منذ انتهاء حرب عام 2006، إلا انها تحمل في طياتها أيضا رسالة تخويف باتجاه الداخل، فالحديث عن الاستعدادات التي تبدو وكأنها استعداد لمواجهة غزو جيوش الاتحاد السوفياتي، وهو الانطباع الذي تثيره التقارير التي تتحدث عن استعداد الجيش الاسرائيلي للحرب مع حزب الله، تتسبب بخشية مضاعفة لدى الاسرائيليين، ففي معرض الحديث عن الاستعداد غير المسبوق، تأكيد مقابل على الاستعداد غير المسبوق في الطرف الاخر.

ثانيا: نفس الرسالة التطمينية غير الموفقة، والمستندة على المبالغة في الحديث عن الجهوزية، موجهة أيضا لحزب الله وحلفائه، والهدف منها إيجاد او تعزيز مستوى الردع، ومحاولة لمنع الفعل قبل وقوعه، عبر التخويف وإثارة الشك، حول قدرة ونجاعة وفائدة ردة فعل من قبل حزب الله، سواء لمنع الرد على عمل عدائي يبادر اليه الإسرائيلي، أو لمنع عمل ابتدائي، يرى حزب الله أن الظرف بات متاحا للمبادرة إليه.
عندما تقر’إسرائيل’ بتعاظم قدرات حزب الله
حزب الله يراكم خبرات قتالية دفاعية وهجومية


الا أن مشكلة الحديث عن الاستعداد المبالغ فيه، وهو في المناسبة ضرورة لا يمكن للإسرائيلي أن يتجاوزها لأنها إحدى وسائله المعتمدة لمنع المواجهات التي لا يريدها، وستقرأ في الطرف الاخر، وتحديداً الطرف الذي يتمتع بخبرة ومهنية عسكرية يقر به العدو قبل الصديق، على أنها تحمل منسوبا مرتفعا من المبالغة، وتحديداً تلك الاستراتيجيات والتكتيكات التي يحكى عنها، والتي يفتقد الجيش الاسرائيلي من ناحية واقعية القدرة على استيعابها وتحقيقها، أي سيقرأ حزب الله في المبالغة وجود خشية إسرائيلية من الآتي، أكثر من كونه افصاح عن قدرات مزعومة، وسيؤدي بالفعل، وتحديداً لدى صانع القرار، إلى تعزيز ثقته أكثر بقدراته الذاتية، وبالتالي إنتاج مفعول معاكس تماما للغاية الإسرائيلية من المبالغة.

ثالثا: أعادت الرسائل الاسرائيلية الجديدة، رسم صورة تهديد، ترى استخبارات تل أبيب انها باتت مغايرة للتهديدات التي سبقتها، وتحديدا بما يتعلق باستعداد حزب الله والمقاومة عموما، للمواجهة المقبلة، إن قدر لها ان تقع. وكما هو معروف، دأبت "اسرائيل" على القول، ومنذ بدء الحديث عن تدخل حزب الله في سوريا، على ان هذه الساحة هي عبء عليه واستنزاف له والأمر برمته يعد فرصة اسرائيلية استثنائية لاضعاف حزب الله.

التقدير الاستخباري الاسرائيلي، وكما تكشف عنه "هآرتس"، تغير مع الأيام، وما كان فرصة، تحول الى تهديد، وتهديد غير مسبوق. اذ تشير الصحيفة الى ان المؤشرات القادمة من الساحة السورية، تؤكد على ابعاد جديدة للتهديد الذي يمثله الحزب على صعد مختلفة، وفي أساسها، مراكمة خبرات عسكرية في الساحة السوريّة، وتحول حزب الله كتنظيم عسكري موجه تحديدا للقتال الدفاعي بدرجة أولى، الى منظومة قتالية هجومية تستعين بالطائرات المسيّرة وغيرها من الوسائل القتالية، وهو ما لم يكن في حساب الاستعدادات الإسرائيلية للحرب المقبلة، ويفرض على شعبة التخطيط إعادة النظر بما لديها من خطط، مع كل الصعوبات الموجودة والمقدرة، بناء على المعطيات الجديدة.

إلا أن أهم ما في التقارير الإسرائيلية المنشورة أخيراً، ما ورد في صحيفة "هآرتس"، في معرض الرد على ادعاءات رئيس حكومة العدو، إيهود اولمرت، ضمن السجالات القائمة في تل ابيب حول حرب عام 2006 واخفاقاتها، وللفائدة، نعيد للقارىء ما ورد في الصحيفة، وكان موقع "العهد" قد نشر التقرير كاملا:

"سبب الهدوء (على الحدود مع لبنان)، وخلافاً لما يزعم مؤيدو رئيس الوزراء السابق ايهود اولمرت، ليس عظمته في ادارة المعركة، التي تتضح فقط في نظرة الى الوراء، كما يقولون. الهدوء في واقع الحال وكما يتبين، يعتمد اساساً على الردع المتبادل: مثلما تردع قوة التدمير الهائلة للجيش الاسرائيلي حزب الله، هكذا تخشى "اسرائيل" عشرات آلاف من الصواريخ الموجودة في حوزة حزب الله".
2013-11-18