ارشيف من :آراء وتحليلات

ليبيا... بين صراعات الأقاليم والمركز

ليبيا... بين صراعات الأقاليم والمركز
يُجمع أغلب الخبراء والمحللين على أن الدولة الليبية بصدد التفكك، وأن الأقاليم المترامية في بلد عمر المختار لم تعد خاضعة لسلطة المركز في طرابلس الغرب. فحكومة علي زيدان لم تعد قادرة على السيطرة حتى على المباني الحكومية، ومكاتب المسؤولين باتت مستباحة. وتشعر الأقاليم بضعف المركز ووهنه وعدم قدرته على ضبط الأوضاع وهو ما جعل دعاة الفدرالية يجدون البيئة الخصبة للمضي قدما في مسعاهم لتفكيك البلاد. فتعددت المبادرات الهادفة إلى نزع الصلاحيات من المركز من دون أن يجد أصحابها رادعا حقيقيا يثنيهم عن مخططاتهم.

قطاع النفط

ولعل إعلان القائمين على إقليم برقة وعاصمته مدينة بنغازي، في وقت سابق، عن إنشاء مؤسسة تعنى بالقطاع النفطي تتولى التحكم بصناعة النفط بالإقليم وتصديره والانتفاع بريعه من دون أن يكون لحكومة طرابلس أي دور في هذه العملية، يبقى الحدث الأخطر والأهم في الآونة الأخيرة. فالأمر لم يعد يقتصر على مجرد نيات انفصالية بل تعداه إلى التأسيس لاستقلال سياسي واقتصادي عن المركز، وهو ما دفع البعض إلى تشبيه إقليم برقة في استقلالية قراره بإقليم كردستان العراق.
ليبيا... بين صراعات الأقاليم والمركز
النفط الليبي ..تجاذب بين الاقاليم والمركز
ويدرك القاصي والداني أهمية النفط بالنسبة إلى الليبيين، فهو الشريان الحيوي لاستمرار الدولة التي لا تمتلك بدائل تحول دونها والاندثار في حال نضوبه أو خروجه عن السيطرة. لذلك فقد أجمع جل المحللين على خطورة هذه الخطوة التي أقدم عليها "انفصاليو" برقة والتي تفوق إعلان الحكم الذاتي، لأن النفط باختصار هو سبب وجود ليبيا.

دعوة للتظاهر

لذلك دعا رئيس الحكومة علي زيدان، خلال الفترة الماضية، أبناء شعبه للتظاهر ضد من يرغبون في احتكار عملية إنتاج وتصدير النفط بعد أن عجز عن ردعهم وإيقاف احتلالهم لميناء طبرق وناقلاته النفطية. وهي خطوة رأي فيها أكثر من طرف دليلا قطعيا على ضعف الدولة الليبية العاجزة عن التحكم في ترابها الوطني وإيقاف هذه الجماعات والحيلولة دون تحقيق مآربها.
ليبيا... بين صراعات الأقاليم والمركز
زيدان .. عجز أمام الاقاليم
والحقيقة أن زيدان وحكومته والقائمين معه على عملية "الانتقال الديمقراطي" وبناء الدولة فقدوا هيبتهم منذ حادثة اختطاف رئيس الوزراء والتباهي علنا بتلك العملية من قبل الخاطفين. وقد توقع أغلب الخبراء بأن تنجر عن استباحة رأس الدولة بتلك الطريقة المهينة نتائج وخيمة، فالكل سيتجرأ ويخرق القوانين ويضرب بها عرض الحائط في غياب الرادع القادر على الضرب بقوة على أيادي العابثين.

تدخل خارجي

ويتحدث العديد من التسريبات عن أن جهات غربية، أطلسية تحديداً، بصدد دراسة فرضية التدخل العسكري مجدداً في ليبيا للقضاء على هذه الفوضى ومحاربة الميليشيات "المارقة"، وحماية المنشآت النفطية (وهو الأهم بالنسبة لهذه الدول) لتأمين حاجات القارة العجوز منه. وقد حذر رئيس الحكومة علي زيدان من هذه الفرضية في إحدى خطبه السابقة وأكد على إمكانية حصولها في حال استمرت الفوضى في البلاد ولم تتمكن حكومته من القيام بما ألقي على عاتقها من مسؤوليات.

ولعله من الطبيعي أن يثير ما يحصل في ليبيا قلق البلدان الأوروبية، فالفوضى تعني بالنسبة لها تدفق الهجرة السريّة على سواحلها الجنوبية واستهداف التكفيريين لمصالحها الحيوية. وحكومة زيدان لا يمكن الاعتماد عليها لضبط الأوضاع لأنها لا تمتلك أسباب القوة التي تمكنها من تحقيق الاستقرار في البلاد، وبالتالي فلا مفر لهذه البلدان، بحسب عدد من الخبراء، من التدخل العسكري المباشر للقضاء على الميليشيات المسلحة والجماعات التكفيرية التي أنشأت قواعد على التراب الليبي والتي ضاق عموم الشعب الليبي ذرعا بها بعد أن باتت تستهدف المدنيين العزل والمتظاهرين. لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل تمتلك أوروبا القدرة على التورط في صراع جديد في ليبيا وهي الغارقة في مستنقعات الأزواد في شمال مالي؟ وهل تسمح اقتصادات هذه البلدان بإثقال كاهلها بنفقات ومصاريف إضافية في هذا الظرف الصعب؟
2013-11-20