ارشيف من :آراء وتحليلات
تخوف من انفجار ازمة اقتصادية عالمية جديدة

بعد خمس سنوات من انفجار البالون العقاري الاميركي تزداد المخاوف من ظهور بالون جديد. و"النقاط الساخنة" في بورصة العقارات توقظ المخاوف حول الاقتصاد العالمي. ان الاسواق العقارية المتنامية بسرعة، من كندا الى الصين، تثير المخاوف على الاقتصاد العالمي، بعد خمس سنوات فقط من انفجار بالون الرهونات العقارية في الولايات المتحدة الاميركية، الذي تسبب في وقوع ازمة مالية هي الاكبر منذ ثلاثين سنة الى الان. وحتى الان فإن التضخم في اسعار العقارات ليس مرتفعا كثيرا، وليس منتشرا كثيرا، بقدر ما كان في منتصف العقد الاخير. ومع ذلك فإن ثقة السياسيين بأنهم يمكنهم تجنب ظهور بالون مشابه، ستوضع تحت الاختبار، فيما اذا استمرت البنوك المركزية في عرض قروض مخفضة الفائدة لاجل تحفيز الاقتصاد، بما في ذلك القيام بتشجيع التوظيفات في اصول معرضة للخطر كالتوظيفات في الاسهم الخاصة والعقارات، كما كتبت وكالة رويترز.
"ان القروض ذات الفوائد المنخفضة هي حافز آخر لمشتري العقارات، الذين في العديد من الدول يمكن ان يحصلوا على تسهيلات ضرائبية، فيما اذا باعوا بيوتهم"، كما اوضح اندريو اوسوالد، استاذ الاقتصاد في الجامعة البريطانية Warwick University، ويوضح قائلا "اننا ننفخ بالونا كبيرا. وهذا شيء مستغرب جدا، في الواقع نحن اغرقنا العالم الغربي بالتضخم في اسعار العقارات، وعلى ما يبدو اننا مصممون على ان نفعل ذلك ثانية".

تخوف من انفجار ازمة اقتصادية عالمية جديدة
وحسب احصاءات الجمعية الوطنية لسماسرة بورصة العقارات، فإن السعر المتوسط للمسكن في ذروة طفرة المبيعات، في حزيران 2006، بلغ 230400 دولار. وفي حزيران 2011 كان السعر المتوسط اقل من هذا المبلغ بـ 25%. ولكن في هذه السنة عاد السعر للارتفاع، وذلك بنسبة 7.3%. ومع ذلك فإن بعض محركات انتعاش الاسعار تتباطأ فعاليتها. واهم ما في ذلك ان فوائد الرهونات اخذت ترتفع، ذلك ان الاسواق تنتظر ان ينتهي شراء السندات من قبل الفيديرال ريزرف. وحسب تقديرات روبرت شيلر، المشارك في وضع مؤشر اسعار العقارات في مؤسسة الاحصاءات S&P، فإن الفوائد المرتفعة للقروض يمكن ان تحد من غلاء المساكن سنة 2014. وقال شيلر لرويترز "ان السوق الاميركي يمكن ان يبرد، اظن ان الاسعار سوف ترتفع لبعض الوقت، لا يزال يوجد جمود، ولكن هذا يمكن ان يتلاشى، وان تتجه الاسعار الى اسفل في السنة او السنتين القادمتين".
ان الفوائد العالية تدفع المشترين لان يتراجعوا، وحسب تقديرات مؤسسة Goldman Sachs ففي السنة 2012 والنصف الاول من سنة 2013 فإن 60% من مشتريات العقارات تم دفعها نقدا ـ وهي حصة اكبر بمرتين اذا ما قورنت بما قبل الازمة ـ ذلك ان بنوك وولستريت والمستثمرين الاجانب يتوجهون نحو المناطق المتضررة. ولكن المضاربات التي تميزت بها سنوات ما بعد 2000 لم تعد موجودة. فالبنوك شددت شروط الرهونات، اذ ان البطالة بقيت في نسبة 7.2%، اما الاجور فهي في حالة جمود. وفي لاس فيغاس عادت الاسعار فانتعشت نسبة 29.2%، خلال السنة الماضية، ولكن السوق عاد فهدأ كما يقول السمسار المحلي غريغوري سميث، الذي يضيف "ان عوائل كثيرة حصلت على الموافقة (لشراء منزل)، ولكن في الوقت نفسه فإن المستثمرين يتراجعون، مع ان هؤلاء هم مشترون واقعيون، ولديهم الرغبة في السكن مدة طويلة في مساكنهم".
ولاجل تقييم مخاطر سوق العقارات، فإن الاسعار ينبغي ان تقاس بالنسبة للمداخيل. وفي الولايات المتحدة الاميركية فإن نسبة السعر الى المدخول في نهاية سنة 2012 كانت 84.3 نقطة. اما في كندا فكانت في ارفع مستوى لها في السنوات العشر الاخيرة، وهي 131.7 نقطة، حسب تقديرات "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" (OECD).
وبالاضافة الى ذلك فإن نسبة الدين الى المدخول في كندا وصلت الى مستوى قياسي وهو 163.4 نقطة في الربع الثاني من السنة الجارية. "ان الدين هو على مستويات قياسية، ونحن نعلم ان المستهلكين ينفقون اكثر مما تسمح لهم امكانياتهم المالية، وهذا قد يقود الى مشاكل لاحقا"، وفق ما يقول لوري كامبل من الشركة الاستشارية Credit Canada.
والمسألة ذاتها تطرح في اسيا كذلك. ففي الوقت الذي تعود فيه فوائد الرهونات الى المستوى الذي كانت عليه قبل سنوات الازمة، فإن الاقساط الشهرية التي تدفع للقروض في اسيا سوف ترتفع بنسبة 15 ـ 25% حسب تقديرات دايفيد كاربون من البنك السنغافوري DBS. ولكنه يلاحظ ايضا، ان ديون الرهونات في اسيا تمثل جزءا من الناتج المحلي القائم اقل بكثير مما هو في الولايات المتحدة الاميركية. كما ان اسعار العقارات في اسيا، بالنسبة للمداخيل، قد انخفضت 22% عما كانت عليه في سنة 2000. "وبهذا المعنى فإن اسيا ليس هناك ما تخشاه في سوق العقارات، اذ ان المساكن تصبح ذات اسعار ادنى"، حسبما يلاحظ كاربون في تقرير له.
وحتى في الصين فإن اسعار العقارات اصبحت 40% اقل مما كانت عليه بالمتوسط سنة 2000. ولكن توسيط القيم يخفي اختلافات كبيرة في الصين، حيث تهتم الحكومة بعدم ظهور اضطرابات اجتماعية محتملة بسبب عدم المساواة في امكانية الحصول على العقارات. فعلى النطاق الوطني ارتفعت الاسعار بالمتوسط بنسبة 9.1% خلال السنة الماضية حتى شهر ايلول، ولكنها في الفترة ذاتها انخفضت بنسبة 16% في بيكين و17% في شنغهاي. وحسب رأي وان تشولين، وهو محلل سابق في الوزارة الصينية، فإن على الحكومة الصينية ان تتخذ بعض الاجراءات، او على الاقل ان تتشدد في تطبيق الاجراءات القائمة. ان زيادة الطلب من قبل المشترين قد ادى الى رفع الاسعار 120% منذ سنة 2008 الى الان. وفي السنة الماضية عمدت هونغ كونغ الى فرض ضريبة 15% على المشترين الاجانب، وفي شهر شباط رفعت اسعار الوثائق الضرورية للبيع، وفرضت قيودا على الرهونات المنزلية. وفي سنغافورة تم ايضا رفع سعر الوثائق الضرورية للبيع، والحد من اعداد الاشخاص الذين يحصلون على قروض، تبعا للمداخيل. اما نيوزيلندا ففرضت تشديدا حازما على الاقراض العقاري. وفي اوستراليا ارتفعت الاسعار بنسبة 5.8% في غضون سنة حتى شهر ايلول، ولكن حسب رأي فيل كرونيكان من بنك АNZ فإن القلق من ظهور بالون هو مبالغ فيه، لان السوق الى حد ما ضعيف.
اما في اوروبا فإن الوضع متفاوت جدا. فقد عبر صندوق النقد الدولي عن القلق بشأن ارتفاع الاسعار في النروج، كما حذر البنك المركزي الالماني من ان المساكن في المدن الكبرى يمكن ان تثمن بـ 20% اكثر من قيمتها الحقيقية. وفي ايرلندا، اسبانيا والدنمارك فإن نسبة الاسعار الى المداخيل قد عادت للانخفاض بعد ان كانت بلغت ذورتها خلال سنة 2006 ـ 2007. اما الاسعار في هولندا فهي ايضا غير مستقرة بسبب عدم اليقين بمستقبل التسهيلات الضرائبية السخية.
* كاتب لبناني مستقل