ارشيف من :آراء وتحليلات
التونسيون يحتكمون إلى اتحاد الشغل مجددا

يشعر كثير من التونسيين بالإحباط واليأس من الطبقة السياسية في البلاد بعد فشل فرقاء الحوار الوطني في التوصل إلى توافق حول رئيس الحكومة القادمة وقيام المنظمات الراعية للحوار بتعليقه في وقت سابق. ولا يبدو أن هناك حلا في الأفق، بحسب ما يتم تداوله من تسريبات من لقاءات ماراطونية تجمع بين السياسيين التونسيين ورعاة حوارهم من المنظمات الوطنية، بسبب إصرار كل طرف على موقفه وخصوصا حركة النهضة التي لم تقدم بديلا عن السيد أحمد المستيري مرشحها الأوحد والوحيد للمنصب.
وما يزيد الطين بلة قيام كتلة حركة النهضة في المجلس التأسيسي المنتهية مدته، وفي وقت سابق، بتعديل النظام الداخلي للمجلس بما يسمح في المستقبل بتجاوز رئيس التأسيسي مصطفى بن جعفر وعقد الجلسات العامة والتصويت على القوانين التي يراد تمريرها دون الرجوع إليه. وقد اعتبر نواب المعارضة هذه الخطوة نسفا للحوار الوطني وانقلابا نهضويا على الدولة ومؤسساتها وصفعة للتوافق وعودة للمربع الأول خاصة مع إصرار قيادات حركة النهضة على الحديث عن شرعية انتهت قانونا وأخلاقا بتجاوز مدة الحكم المتفق عليها قبل إجراء إنتخابات 23 أكتوبر 2011 التي أوصلت النهضويين إلى الحكم.
عقاب
ويشار إلى أن حزب التكتل من أجل العمل والحريات الذي يتزعمه مصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي وحليف حركة النهضة في الترويكا الحاكمة، قد اتخذ ذات مواقف أحزاب المعارضة من تعديلات حركة النهضة على القانون المؤقت المنظم للسلط العمومية المسمى في تونس "الدستور الصغير" واعتبرت جل قياداته في وقت سابق ما أقدم عليه نواب حركة النهضة هو عملية إنقلابية. ويرى أغلب المحللين بأن الحزب الحاكم بصدد معاقبة حليفه بن جعفر على قيامه بتعليق أعمال المجلس حين انسحب نواب المعارضة احتجاجا على اغتيال زميلهم محمد البراهمي، بل ذهب البعض إلى حد اعتبار السيد الصحبي عتيق رئيس كتلة حركة النهضة هو الرئيس الفعلي للمجلس الوطني التأسيسي.
ويتوقع أغلب المحللين والمختصين في الشأن التونسي بأن ينضم حزب التكتل إلى صفوف المعارضة بعد استهداف رئيسه وهو ما سيزيد بالتالي من عزلة حركة النهضة التي لن يبقى لها عمليا سوى حزب المؤتمر الأكثر راديكالية الذي يتزعمه الرئيس المرزوقي وبعض "الحزيبات" الصغيرة التي تدور في فلك الحركة. فما لحق مصطفى بن جعفر، والذي نعت في وسائل الإعلام ومن قبل قادة المعارضة بـ"الإنقلاب"، أمر على غاية من الخطورة ويكرس هيمنة الحزب الواحد على الحياة السياسية وهو الأمر الذي انتفض من أجله التونسيون على نظام بن علي قبيل سنوات معدودات.
الإتحاد مجددا..
وبحسب التسريبات من الإجتماعات الماراطونية المتحدث عنها فإن المعارضة لن تلجأ مجددا إلى الشارع كما فعلت في السابق وأجبرت حركة النهضة على الرضوخ لخارطة طريق الرباعي الراعي للحوار، وإنما ستنتظر مبادرة جديدة من الإتحاد العام التونسي للشغل لتجاوز الإشكاليات العالقة. فالسيد حسين العباسي الأمين العام للإتحاد التقى رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي وضغط من أجل حل يراه مناسبا للخروج من المأزق مفاده أن تقترح منظمة الشغالين التونسيين ذات التاريخ العريق إسما لرئاسة الحكومة القادمة تقبل به كل الأطراف دون اعتراضات ومن يرفضه يُشهَر به على أن يعمل بخلاف المصلحة الوطنية ووفقا لأجندات لا علاقة لها بالخضراء لا من قريب أو بعيد.
وبالتالي يبدو أن الفرقاء قد نصبوا الإتحاد حكما بينهم ومعه المنظمات الوطنية الأخرى وهي هيئة المحامين ورابطة حقوق الإنسان واتحاد الأعراف أصحاب الأعمال. كما يبدو أن هناك حلا توافقيا في الأفق يتعلق بإمكانية عودة وزير الدفاع السابق عبد الكريم الزبيدي لسباق الوصول إلى القصبة (مقر الحكومة التونسية) وهو الذي ادعت حركة النهضة في وقت سابق أن رئيس الجمهورية المرزوقي رفض ترشيحه، وهو ما جعل رئاسة الجمهورية تُكذَب هذا الخبر في بيان وتعلن أنها لم تكن وراء رفض أي مرشح يتم الإتفاق عليه في الحوار الوطني.