ارشيف من :نقاط على الحروف
’أم.تي.في.’: عندما تنقلب النتائج إلى أسباب
قد تكون التغطية الإخبارية لقناة الـ"أم.تي.في." اللبنانية لم تستخدم تعابير حادة في نقل وقائع حادثة التفجيرين الانتحاريين اللذين استهدفا السفارة الإيرانية في بيروت، إلا أن "قلب النتائج إلى أسباب" كان جلياً في مقدمات نشراتها، التي تعبر بالضرورة عن رأي القناة، وبدلاً من أن تكون محاربة التكفيريين في سوريا، لدرء أخطارهم عن لبنان، أمراً اضطر إليه من يقوم به، حمّلت سطور الـ"أم.تي.في" وما بينها، مسؤولية الهجوم الإرهابي إلى "الفريق المستهدف، أي إيران وحزب الله".
في اليوم الأول لحادثة التفجيرين، بشرتنا القناة، المحسوبة على فريق 14 آذار، بـ"صعوبة" حماية الضاحية الجنوبية لبيروت "مهما عظمت الجهود الأمنية"، متحدثة عن إلحاق هذه الضاحية "رسمياً بنطاق العمليات السوري"، في كلام بدا أقرب إلى تبن أو تبرير للهجوم، لتنتقل إلى تهويل اللبنانيين عامة، والبيئة الاجتماعية المؤيدة لمحور المقاومة خاصة، بما حصل من "سهولة تنقل الانتحاريين وارتقائهم في اختيار الهدف (السفارة الإيرانية ورمزيتها)"، وصولاً إلى جزمها بـ"نهاية زمن الحرب بالواسطة وبدء زمن المواجهات المباشرة".
ومن المعروف أن المدرسة القديمة، التي انتهجها ما يعرف بـ"الإعلام الحر" في زمن الحروب الإسرائيلية، كانت تروج لبروباغندا تحميل الضحية المسؤولية، وقد استلهمته الـ"أم.تي.في." في خطابها الحالي، وبعد الترويج لنظرية أن العدوان على لبنان ليس الا نتيجة للمقاومة ضد الاحتلال، وليس العكس، انتقدت القناة عدم تراجع "الفريق المستهدف" بالتفجيرين "قيد أنملة" عن قرار الوقوف إلى جانب دمشق في حربها على الجماعات المسلحة الوافدة إلى سوريا والمدعومة من دول إقليمية وغربية، مصوبة على تمسك السفير الإيراني غضنفر ركن آبادي بما وصفته "صوابية التدخل في سوريا"، و"تماشي" وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف "مع منطق سفيره في لبنان".
نمط تخويف اللبنانيين لم يتوقف عند قناة آل المر. في اليوم الثاني على الحادثة أخرجت مسمى جديداً هو "الخوف الشرعي الحقيقي"، ملقية بالمسؤولية عنه إلى "مسببات التفجيرات أي التدخل في سوريا"، ثم سددّت الوسيلة الإعلامية اللبنانية على تدابير الأجهزة الرسمية، قائلة إنها "أدخلت ساحة التفجير بعد حين، وكمستخدم ثان"، فيما كانت الصور التي تناقلتها الوكالات الأجنبية تظهر عناصر الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي والدفاع المدني وفوج الاطفاء مشاركة وحاضرة بفاعلية في الساحة منذ اللحظات الأولى، ومن بينها صورة لضابط في الجيش يحاول إسعاف قائد حرس السفارة رضوان فارس قبل استشهاده.
أما معزوفة أن الأجهزة الأمنية "لم تحصل على نسخة مما صورته كاميرات المراقبة"، كما روجت الـ"أم.تي.في"، فتفندها المشاهد التي عرضتها محطات لبنانية، على مدار الأيام الأولى، نقلاً عن تسجيلات كاميرات المراقبة، إلا إذا كان المطلوب تسجيلات الكاميرات الداخلية للسفارة، وهذا أمر تقف عند حدوده قوانين وبروتوكلات معاهدة فيينا الشهيرة التي وقعتها دول العالم لتنظيم عمل البعثات الدبلوماسية في أراضي الغير، كما أن تعاون جهاز أمن السفارة مع الجهات اللبنانية كان جلياً في المعلومات التي تداولتها وسائل إعلامية لبنانية مكتوبة ومرئية ومسموعة عن آخر الخيوط التي توصلت إليها مديرية المخابرات في الجيش اللبناني، ولا مجال هنا للمقارنة مع ما ترتكبه ممثليات أجنبية من خرق للقوانين اللبنانية، وعلى رأسها السفارة الأميركية التي يقع مقرها في منطقة عوكر شمال شرق بيروت.
وتستهزأ القناة الآذارية من "أصحاب النخوة الإقليميين الذين يضعون لبنان تحت أجنحة حمايتهم"، في إشارة إلى ماقاله مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان من أن "أمن لبنان من أمن إيران"، بينما تمدح "إدانة السعودية للتفجيرات، التي وصفتها بالإرهابية والجبانة أياً كان مصدرها"، من دون أن تذكّر مشاهديها أن هذه الإدانة أتت، من دولة شقيقة وقريبة، متأخرة لأكثر من أربع وعشرين ساعة على حادثة التفجيرين قرب السفارة الإيرانية، بعد أن سبقها إلى ذلك دول بينها وبين لبنان بحار ومحيطات، وبينها وبين إيران عداوات وخلافات، فهل تشرح لنا الـ"أم.تي.في": هل أن الإدانة السعودية بقية باقية من حياء؟ أم أن من يشارك في تمّويل الجماعات التكفيرية شريك في مد أسباب الحياة للإعلام "الحر" في لبنان؟