ارشيف من :آراء وتحليلات

لماذا هربت السعودية من لبنان؟

لماذا هربت السعودية من لبنان؟
وضعت المملكة السعودية نفسها في موضع الاتهام من خلال طريقة تعاطيها مع الاعتداء الانتحاري المزدوج الذي استهدف السفارة الايرانية في بيروت. الرياض تأخرت في إدانة الاعتداء وعندما أصدرت بياناً باسم مصدر مسؤول في حكومتها قصرت حديثها على لبنان واللبنانيين دون أن تأتي على ذكر إيران من قريب او بعيد. ونقطة الإشكال هنا أن حرم السفارة الايرانية وفق القانون الدولي هو أرض ايرانية خاضعة للسيادة الإيرانية، وبالتالي فإن العدوان كان يستهدف ايران متمثلة بسفارتها اضافة الى لبنان، وبالتالي فإن قواعد السلوك الديبلوماسي تستدعي من الرياض متى أرادت الاستنكار والإدانة ان تستنكر ما تعرضت له السفارة الايرانية، كما اسمتها جميع الادانات العالمية بما فيها الإدانة الاميركية. وبالتالي لا يمكن إدراج السلوك السعودي في خانة من يجهل الأصول الديبلوماسية، لا سيما وأن بين الضحايا ديبلوماسيا ايرانيا هو المستشار الثقافي الشيخ الشهيد ابراهيم الانصاري وزوجة أحد الديبلوماسيين اضافة الى الجرحى الإيرانيين الآخرين.
لماذا هربت السعودية من لبنان؟
تأخر الخارجية السعودية بادانة تفجيري السفارة الايرانية أثار تساؤلات !
ييمكن اعطاء هذا التصرف السعودي حجما محدوداً لمنع التوسع في تفسيره، سوى انه فقط تعبير عن مدى انزعاج المملكة من مما يجري على الساحة الدولية بشأن النووي الايراني والازمة السوري.  لكن بعض الوقائع الأخرى أشاعت لدى جزء كبير من البيئة السياسية والشعبية اللبنانية انطباعات سلبية حول اسباب التوجس السعودي من تهمة ما تحوم حولها رغم أن إيران لم تتهم سوى "اسرائيل" بتنفيذ الجريمة بأدوات تكفيرية، ورغم أن مساعد وزير الخارجية الايراني حسين أمير عبد اللهيان قال بما معناه ان بضعة اشخاص (سعوديين) لن يعكروا العلاقة مع المملكة. ومن هذه الوقائع الملتبسة دعوة السعودية رعاياها الى مغادرة لبنان وعدم السفر اليه، وأيضا إبلاغ السفير السعودي في بيروت علي عواض العسيري نظيره البريطاني أنه غادر لبنان ولن يعود في وقت قريب، ومن ثم طلب السفارة السعودية في بيروت من السلطات اللبنانية احاطتها باجراءات حماية كبيرة تنتهي الى عزل السفارة كليا عن محيطها وإقفال الطرقات القريبة منها كما ذكرت بعض التقارير الاعلامية، يضاف الى ذلك تشديد الاجراءات الأمنية امام أي منشأة متعلقة بالمصالح السعودية!.

 أصبح خبر مثل لقاء بندر بمسؤول اسرائيلي او زيارته "تل ابيب" يمر مرور الكرام دون ان يكون له وقع سلبي لدى مستمعيه


السؤال لماذا هذا الخوف السعودي طالما لم يتهم أحد رسميا المملكة بالمسؤولية عن الجريمة؟ وإلى اين يمكن أن تمضي السعودية في خوفها من الآتي في اعقاب كل تطور سياسي او امني، لا سيما الان بعد ابرام الغرب وايران اتفاقا نوويا تاريخياً؟  مشكلة الاسئلة أنها كثيرة بعدما باتت الرياض في وضع لا تحسد عليه جراء سياستها الخارجية التي تقارب فيها قضايا خطيرة وحساسة في المنطقة والعالم بأسلوب لا مكان له في استراتيجيات الدول التي تبحث عن مصالحها. ومن غير المعروف كيف يمكن أن تتعامل قيادة المملكة مع وضع تخرج فيه "اسرائيل" لتحتفل ضمناً بالاعتداء الانتحاري على السفارة الايرانية وتقول بعض وسائل إعلامها انه مثل نقطة تقاطع مصالح بين "تل ابيب" والرياض، او كما ذهبت صحيفة "الواشنطن بوست" الاميركية الى توصيف هذا التقاطع بانه "بلغ حد التزاوج"، مضيفة "ان التحالف بين اسرائيل والسعودية ودول الخليج العربية واحدة من أغرب عمليات التزاوج في المنطقة، فالقيادة السعودية وجدت أرضية مشتركة ولغة سياسية متبادلة بشأن مخاوفها تجاه إيران والمحادثات الأميركية الإيرانية بشأن البرنامج النووي للأخيرة" والكلام للصحيفة الاميركية التي خلصت الى أن" المخاوف من البرنامج النووي الإيراني فتحت قنوات خلفية وعلاقات حميمة، ومساحة جديدة للتداخل بين دول الخليج واسرائيل".

ومن دون سرد المزيد من التقارير الاسرائيلية والغربية اليومية حول هذه العلاقة فان النتيجة أن خبراً مثل لقاء بندر بمسؤول اسرائيلي او زيارته "تل ابيب" اصبح يمر مرور الكرام دون أن يكون له وقع سلبي لدى مستمعيه، وهو أمر سيقوض الى حد كبير موقع المملكة ويطرح تساؤلات حول ما اذا كانت هذه الخطوات عبارة عن مغامرات شخصية أو أن هناك قرارا قياديا كبيرا يغطي هكذا سلوكيات، او غض نظر لاسباب شتى.
لماذا هربت السعودية من لبنان؟
تقارب مع الكيان الصهيوني وافتراق مرحلي عن الولايات المتحدة

وهنا يمكن الحديث عن مظاهر اخرى للمزج بين العام والشخصي، ويكفي الاستدلال بتقرير تحليلي اعدته وكالة رويترز في الخامس عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري حول رجحان الكفة لصالح الرئيس بشار الأسد بناءاً على التطورات الميدانية والسياسية الجارية حالياً. وفي التقرير اوردت معدته سامية نخول معطىً مهما يظهر كيف يتداخل الشخصي بالعام في سياق استعراضها للتناقضات السعودية إزاء مقاربة الأزمة السوريّة. فرويترز تحدثت عن الامير بندر بن سلطان رئيس الاستخبارات السعودية الذي ذهب الى حد التحدث عن ابتعاد كبير عن واشنطن"، "في حين ان ابن عمه الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية يشعر ـ كما تنقل عن ديبلوماسيين في الخليج ـ بقلق ازاء تنظيم القاعدة والاثار السلبية المترتبة على دعم مقاتلي المعارضة على الارهاب اكثر من اهتمامه بمصير الاسد" (انتهى نص رويترز). وتقصد الوكالة البريطانية بذلك ان استثمار بندر في تنظيم القاعدة لاسقاط النظام في سوريا يثير خشية لدى احد المرشحين والطامحين للخلافة في المملكة محمد بن نايف من أن عودة هؤلاء القاعديين الى المملكة بعد انتهاء مهمتهم "البندرية" في سوريا، ستشكل تحديا كبيراً لأمن المملكة وله شخصيا عندما سيتم تشغيلهم لتقويض فرصه بالوصول الى سدة الملك. (هناك تقديرات بوجود ثمانمائة ىسعودي يقاتلون في سوريا).

هكذا ببساطة تدار سياسة دولة لها موقع ودور مهم ومؤثر في المنطقة، وبالتالي من غير المعروف ما إذا كانت عملية الهروب الحالية من لبنان موجهة ضد طرف سعودي ما في سياق تحميله نتائج ما يصيب المصالح السعودية من نكسات، لا سيما بعد الذهاب بعيداً في الإصرار على الحل العسكري في سوريا بعدما اذعنت الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة بأن الافق مسدود امامها وأن لا حل سوى بالسياسة. كما أن الخطاب السعودي المعارض بشدة للحوار الأميركي الايراني وإمكانية التوصل الى اتفاق بين ايران ومجموعة الخمسة زائد واحد وطلب المسؤولين السعوديين من وزير الخارجية الأميركي جون كيري تشديد العقوبات على ايران ما آثار غضبه كما قالت الواشنطن بوست، وحديث الصحافة الغربية والإسرائيلية عن تنسيق سعودي اسرائيلي لتوجيه ضربة ما لمنشآت ايران النووية، كل ذلك يضع المملكة أمام حالة استثنائية وخطرة تنبئ بأن مسلسل الانهيار والانتقال من وضع سيئ الى اسوأ ستتوالى فصوله تباعاً في حال استمرت هذه السياسة على حالها دون أفق لمقاربة جديدة تلتف فيها قيادة المملكة على هذا السلوك، وتعيد فتح الابواب مع طهران، كما فعلت تركيا وتحاول قطر وقبلهما واشنطن وعواصم أوروبية اخرى، وحينها كما تؤكد جميع المعطيات ستجد الرياض ترحيبا لن يلاقيه طرف آخر بسبب قناعة كررتها القيادة الايرانية كثيراً وعلى مستويات عدة باستعدادها الدائم لتنمية علاقاتها مع جميع الدول الاسلامية باعتبار ذلك ثابتة في سياسة ايران الخارجية.
2013-11-24