ارشيف من :آراء وتحليلات
هل ’ جنيف’ ســــــيقود إلى ’ طائف ’جديد ؟

"لا يمكننا حل مشكلةٍ باستخدام العقلية نفسها التي أنشأتها."
(أنشتاين )
واهم من يتصور أن الخلاف الأمريكي السعودي فيما يختص بالأزمة السورية هو أبعد من تباين في التقديرات، وهذا ما أوضحه وزير الخارجية الاميركي جون كيري خلال جولته الشرق اوسطية الأخيرة حين قال إنه "خلاف في التكتيك وليس الأهداف ". فالأمريكيون يريدون تحطيم الجيوش الوطنية المحيطة بـ"اسرائيل"؛ البارحة كان العراقي، واليوم السوري، والمصري على الطريق في قطع الإمداد عنه مع استنزافه في صراع داخلي عبثي. السعودية تتقاطع مع الأمريكي على الأقل في نقطة قريبة وهي ضرورة تفكيك الجيش السوري بوضعه الحالي كشرط لا بد منه لإسقاط النظام. بعد ذلك يأتي الافتراق بين الرياض وواشنطن، فالأخيرة ترى أن الذهاب باللعبة إلى آخرها خلق مجانين جددا ليس بالإمكان ضبطهم لا سيما بعد استفحال أمرهم؛ والمقصود ( داعش) ، وتنظيم (النصرة) وأخواته. وقد سيطروا متسيدين ساحات القتال مقلصين حضور ما يسمى "الجيش الحر" . وأكثر ما يخشاه الأمريكيون هو لعبة خلق المجانين وقد جربوها في أفغانستان لمواجهة "السوفيات" فما كان من أمرها إلا أن انقلب السحر على الساحر .
أما الرياض فهي تريد الذهاب في الأمر حتى نهايته راكبة رأسها تحركها بالمقام الأول كراهية شخصية للرئيس بشار الاسد, كراهية تستولدها جذور البداوة التي تعشش في تلافيف البعض من آل سعود القابضين على القرار السياسي المتمثل في بندر بن سلطان، وسعود الفيصل ؛ هذا الفريق يرى في التراجع هزيمة. لذلك فهم ماضون في دعم التنظيمات السلفية الارهابية مراهنين أن يأتي هؤلاء بانجازات عسكريّة تضع التظام السوري على طاولة جنيف في وضع يمكن معه ابتزازه. غير أن الأمريكيين يدركون أن الأثمان السياسية لمثل هذه الإنجازات ـ حتى لو وجدت إمكانية لتحقيقها ـ ستهز استقرار المنطقة، فالتنظيمات الإرهابية، هذه المرة لن تقدم أي انجاز للسعودية على طبق من فضة وبينهما تاريخ من المواجهات، بل سيسعون من حيث يتمكنون لاستهداف السعودية بالذات إن لم يكن بالتخطيط المسبق فعلى الأقل بفعل الدومينو عبر الممر الأردني الأكثر قابلية للسقوط بيد التيارات الأصولية المعششة في ثناياه من أردنيين أو من مخيمات فلسطينية أو نازحين سوريين !!.

دخان القصف على المجموعات المسلحة في الغوطة الشرقية
هذه الأمور تحجبها الأحقاد الضيقة عن أنظار الساسة السعوديين والذين يشغلهم هاجس واحد وهو: (سوريا بلا بشار الاسد)،بل لعلهم يتمادون أكثر بحيث لا تستوقفهم موازين القوى الجديدة مع تنامي قدرات الجيش السوري الأمر الذي مكنه من استعادة المبادرة الميدانية بعد أن أكسبته معارك الأمس خبرات فضلاً عما أتاح له الأصدقاء من دعم جعله في حال غير مسبوقة قوةً واقتداراً . هذا فضلاً عن العلامة الكبرى في ولائه للقيادة السياسية والذي لم يتزحزع عنها قيد أنملة..الأمريكيون لمسوا ذلك جيداً وهم هذه المرة ابعد نظراً بحكم خبراتهم السابقة عندما اكتشفوه بعد الحرب الإيرانية العراقية التي أرادوها استنزافاً لجيشي البلدين ،أن هذه الحرب افرزت اقوى جيشين في المنطقة خبرةً وتسليحاً؛ استطراداً و بذات السياق فإن ايران عرفت كيف تحفظ وتنمي قدراتها، أما رعونة صدام فقد شرعت الأبواب لاستهداف العراق وجيشه. الأمرالذي يلفتنا إلى حكمة السياسة السورية التي تصرفت بطريقة مركبة على عدة مستويات بما أدى لقطع الطريق على أمريكا في استهدافها بعمل عسكري عبر ملف السلاح الكيميائي .
على ضوء ما سبق يسعى الأمريكيون للالتفاف على وقائع الميدان، لذلك فإن همهم بات محصوراً في الضغط لعمل تسوية سياسية تستند في الجذر إلى ما يماثل" اتفاق الطائف" أي اتفاق على أساس طائفي في تقاسمٍ (ثنائي) للسلطة بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ليجري تحت ظلال هذا الاتفاق ضم ما يسمى "الجيش الحر" إلى الجيش السوري بزعم ضرورات (الوحدة الوطنية) لمحاربة الإرهاب المتمثل في (داعش)، و(النصرة)!!..ومن هنا يبدأ الاختراق في الجيش السوري لتغيير بنيته. أو في اسوأ الحالات من الوجهة الأمريكية فرض تكتلات داخله، بعضها موالٍ للغرب ستستدعي حكماً انسحاب (ثنائية!) القيادة السياسية إلى سياسات جديدة للدولة ستكون حكماً في أضيق هامش، وهذا هو الحد الأدنى المقبول امريكياً كبديل عن سقوط سوريا بالتمام بين يديها.

الجيش بعد سنتين ونصف من الحرب ما زال متماسكاً
لم تكن السعودية غائبة عن هذا الطرح وهي تدرك أن هكذا تسوية تحتاج في شقها الأمريكي لراعٍ عربي ليدير تفاصيلها بالوكالة عن واشنطن ويغطي نفقاتها كالعادة !! وهذا أيضاً لم يكن بعيداً عن وعي القطرين، وكلاهما كان يتسابق على هذا الدور غير ان القطري أدرك أن اللعبة باتت أكثر تعقيداً مع تشابك مصالح إقليمية ودولية فآثر الانكفاء، على عكس حال القيادة السعودية. لهذا فإن من لا يدرك قواعد اللعبة الجديدة سينبذه قطارها ليجد نفسه تحت عجلاته!!
السؤال الآن هل جنيف سيقود إلى (طائف) جديد ؟..أم فات الأوان على هكذا اتفاق؟ سؤال معلق تتحدد الإيجابة عنه أولاً بمعطيات الميدان العسكري في سوريا وثانياً أولويات المصالح الأمريكية في جدولتها الجديدة والتي كسرت استعصاءات الملف النووي الإيراني فاصبح قابلاً للحل ! وكل ذلك في خضم تموضعات اقليمية جديدة تقلص معها الدور التركي منها طرد سفيرها في مصر، وما سمعه رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في زيارته الأخيرة لموسكو كلام صارم وقاس يذكرنا بأيام المارينز، وقوات الأطلسي في لبنان 1982 وبما قاله آنذاك أندروبوف لميشيل جوبير وزير خارجية فرنسا : " عندما يلعب الكبار على الصغار أن يختبئوا في جحورهم " !!.
*(كاتب من لبنان )
(أنشتاين )
واهم من يتصور أن الخلاف الأمريكي السعودي فيما يختص بالأزمة السورية هو أبعد من تباين في التقديرات، وهذا ما أوضحه وزير الخارجية الاميركي جون كيري خلال جولته الشرق اوسطية الأخيرة حين قال إنه "خلاف في التكتيك وليس الأهداف ". فالأمريكيون يريدون تحطيم الجيوش الوطنية المحيطة بـ"اسرائيل"؛ البارحة كان العراقي، واليوم السوري، والمصري على الطريق في قطع الإمداد عنه مع استنزافه في صراع داخلي عبثي. السعودية تتقاطع مع الأمريكي على الأقل في نقطة قريبة وهي ضرورة تفكيك الجيش السوري بوضعه الحالي كشرط لا بد منه لإسقاط النظام. بعد ذلك يأتي الافتراق بين الرياض وواشنطن، فالأخيرة ترى أن الذهاب باللعبة إلى آخرها خلق مجانين جددا ليس بالإمكان ضبطهم لا سيما بعد استفحال أمرهم؛ والمقصود ( داعش) ، وتنظيم (النصرة) وأخواته. وقد سيطروا متسيدين ساحات القتال مقلصين حضور ما يسمى "الجيش الحر" . وأكثر ما يخشاه الأمريكيون هو لعبة خلق المجانين وقد جربوها في أفغانستان لمواجهة "السوفيات" فما كان من أمرها إلا أن انقلب السحر على الساحر .
أما الرياض فهي تريد الذهاب في الأمر حتى نهايته راكبة رأسها تحركها بالمقام الأول كراهية شخصية للرئيس بشار الاسد, كراهية تستولدها جذور البداوة التي تعشش في تلافيف البعض من آل سعود القابضين على القرار السياسي المتمثل في بندر بن سلطان، وسعود الفيصل ؛ هذا الفريق يرى في التراجع هزيمة. لذلك فهم ماضون في دعم التنظيمات السلفية الارهابية مراهنين أن يأتي هؤلاء بانجازات عسكريّة تضع التظام السوري على طاولة جنيف في وضع يمكن معه ابتزازه. غير أن الأمريكيين يدركون أن الأثمان السياسية لمثل هذه الإنجازات ـ حتى لو وجدت إمكانية لتحقيقها ـ ستهز استقرار المنطقة، فالتنظيمات الإرهابية، هذه المرة لن تقدم أي انجاز للسعودية على طبق من فضة وبينهما تاريخ من المواجهات، بل سيسعون من حيث يتمكنون لاستهداف السعودية بالذات إن لم يكن بالتخطيط المسبق فعلى الأقل بفعل الدومينو عبر الممر الأردني الأكثر قابلية للسقوط بيد التيارات الأصولية المعششة في ثناياه من أردنيين أو من مخيمات فلسطينية أو نازحين سوريين !!.

دخان القصف على المجموعات المسلحة في الغوطة الشرقية
على ضوء ما سبق يسعى الأمريكيون للالتفاف على وقائع الميدان، لذلك فإن همهم بات محصوراً في الضغط لعمل تسوية سياسية تستند في الجذر إلى ما يماثل" اتفاق الطائف" أي اتفاق على أساس طائفي في تقاسمٍ (ثنائي) للسلطة بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ليجري تحت ظلال هذا الاتفاق ضم ما يسمى "الجيش الحر" إلى الجيش السوري بزعم ضرورات (الوحدة الوطنية) لمحاربة الإرهاب المتمثل في (داعش)، و(النصرة)!!..ومن هنا يبدأ الاختراق في الجيش السوري لتغيير بنيته. أو في اسوأ الحالات من الوجهة الأمريكية فرض تكتلات داخله، بعضها موالٍ للغرب ستستدعي حكماً انسحاب (ثنائية!) القيادة السياسية إلى سياسات جديدة للدولة ستكون حكماً في أضيق هامش، وهذا هو الحد الأدنى المقبول امريكياً كبديل عن سقوط سوريا بالتمام بين يديها.

الجيش بعد سنتين ونصف من الحرب ما زال متماسكاً
السؤال الآن هل جنيف سيقود إلى (طائف) جديد ؟..أم فات الأوان على هكذا اتفاق؟ سؤال معلق تتحدد الإيجابة عنه أولاً بمعطيات الميدان العسكري في سوريا وثانياً أولويات المصالح الأمريكية في جدولتها الجديدة والتي كسرت استعصاءات الملف النووي الإيراني فاصبح قابلاً للحل ! وكل ذلك في خضم تموضعات اقليمية جديدة تقلص معها الدور التركي منها طرد سفيرها في مصر، وما سمعه رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في زيارته الأخيرة لموسكو كلام صارم وقاس يذكرنا بأيام المارينز، وقوات الأطلسي في لبنان 1982 وبما قاله آنذاك أندروبوف لميشيل جوبير وزير خارجية فرنسا : " عندما يلعب الكبار على الصغار أن يختبئوا في جحورهم " !!.
*(كاتب من لبنان )