ارشيف من :آراء وتحليلات

مملكة الافيون برعاية واشنطن والحلف الاطلسي

مملكة الافيون برعاية واشنطن والحلف الاطلسي
مثلما تعوم المملكة السعودية على ثروة النفط، فإن افغانستان مرشحة كي تتحول إلى "مملكة سعودية" ثانية، ولكنها بدلا من النفط تعوم على ثروة الخشخاش والهيرويين.

ولقد حطمت افغانستان من جديد، برعاية الجيش الأميركي والأطلسي، الرقم القياسي في زراعة الخشخاش. ولكن ماذا سيحدث في السنة القادمة، إذا نفذت القوات الأميركية والأطلسية وعدها بالانسحاب؟

فمن المعلوم ان مشكلة الطالبان ليست المشكلة الوحيدة لأفغانستان. فهناك "مشكلة عالمية" أخرى في افغانستان، لم تجد لها حلا، بالرغم من الاحتلال الأميركي والأطلسي الكثيف للبلاد، وهي مشكلة زراعة الخشخاش، الذي يستخرج منه الهيرويين. فبدلا من ان يؤدي الاحتلال إلى تقليص هذه المشكلة، فقد أدى ـ على العكس ـ الى تحويل أفغانستان بأسرها الى مزرعة خشخاش كبرى، حيث يتم انتاج 90% من الأفيون في العالم، الذي يصنع منه الهيرويين. ويتجه قسم كبير من هذا الهيرويين الى بلدان الاتحاد الاوروبي. وتقول الصحافة البلغارية ان خطين لتهريب المخدرات من أفغانستان إلى أوروبا يمران عبر بلغاريا. وحسب تقرير للأمم المتحدة صدر منذ أسبوع، فإن زراعة الخشخاش في أفغانستان بلغت رقما قياسيا جديدا وهو 200000 هكتار مزروعة، ويقدر انتاجها المفترض بـ 5500 طن. ويبيع "المنتجون المحليون" كل 1 كلغ بألف دولار، أي كل طن بمليون دولار، أي أن "الثروة القومية" الأفغانية ستبلغ على أقل تقدير خمسة مليارات ونصف المليار دولار سنويا. ولكن الثروة الكبرى ستقع في أيدي "المشترين الدوليين"، وعلى رأسهم الجيش الأميركي والسي آي ايه والموساد، الذين يشترون "الهيرويين الخام" او "الصافي" من الأفغانيين بسعر ألف دولار للكلغ الواحد، ويبيعونه على الأقل بسعر 100 ألف دولار للكلغ الواحد، وفيما بعد فإن سلسلة التجار الكبار فالأصغر فالأصغر تخلط الهيرويين الذي تشتريه، مرات ومرات، بحيث ان الكلغ الواحد الأصلي يصبح 100 كلغ وأكثر من الأخلاط الكيماوية السامة التي تدخل على مخدر الهيرويين، كي تسطـّل الشباب الأوروبيين وغير الأوروبيين وتقتلهم، وكي تصب تريليونات الدولارات في جيوب شبكة توزيع المخدرات العالمية التي تحولت إلى أس اساسي في النظام الرأسمالي العالمي ترتبط بها عشرات ومئات الشركات الفرعية والبنوك وأجهزة الاعلام والأحزاب والقوى السياسية "الدمقراطية" و"الليبيرالية" و"الراديكالية الاسلامية" في مختلف انحاء العالم.

لقد ادعت القوات الاميركية أنها احتلت افغانستان سنة 2001 بحجة مكافحة الإرهاب. ولكنها خلال 12 سنة كاملة لم تفعل شيئا سوى تحويل أفغانستان الى مزرعة خشخاش و"قنبلة هيرويين" للفتك بشباب العالم و"تخدير" الاقتصاد العالمي. وفوق ذلك فإن القوات الأميركية وحلفاءها ستنسحب في سنة 2014، وأفغانستان هي في وضع غير مستقر بتاتا، ومهددة بالحرب الأهلية من جديد ومرشحة لأن تتحول إلى قاعدة دولية للإرهاب تخطط "السي آي ايه"، بالتعاون مع أمراء وشيوخ النفط العرب وأمراء الخشخاش والهيرويين الأفغان، لتحويلها إلى قاعدة تجمع لـ"الجيش التكفيري العالمي" لشن حرب إرهابية كبرى ضد روسيا وإيران والبلدان العربية "غير المرضي عنها".
مملكة الافيون برعاية واشنطن والحلف الاطلسي
جندي اميركي في حقل للافيون في افغانستان
ويؤكد جميع المراقبين أن إنتاج الهيرويين قد تضاعف بوجود القوات الأميركية والدولية في أفغانستان. وقد فصّل الأميركيون السلطة الأفغانية الجديدة على قياس زراعة الخشخاش وإنتاج الهيرويين. وتسيطر منظمة طالبان على نسبة 10% فقط من السوق الداخلية للمخدرات. أما الـ 90% فيسيطر عليها أمراء العشائر المرتبطون بالاميركيين وقادة الوحدات العسكرية والحكام المحليون. واحد المرشحين للانتخابات الرئاسية في السنة القادمة، المدعو عبد السياف، هو أحد أكبر تجار المخدرات في البلاد، ومن أقرب المقربين إلى الأميركيين. وهناك شخصية مرموقة أخرى هي أحمد والي، الأخ غير الشقيق للرئيس حامد كرزاي، الذي تم اغتياله منذ فترة غير بعيدة، وكان على علاقة وثيقة بـ"السي آي ايه" ومن كبار تجار المخدرات.

ويقول جوليان ميرسيل الأستاذ المحاضر في University College Dublin في ايرلندا "ان بعض مهربي المخدرات هم مدعومون من قبل الولايات المتحدة الأميركية، لأن المخدرات ليس لها تأثير كبير على السياسة الخارجية الأميركية. وان واشنطن والناتو قد قدما المال والسلاح للقادة العسكريين وتجار المخدرات، الذين كانوا حلفاءهما في الحرب. وقد ازدهرت تجارة هؤلاء لأنهم كانوا محميين قانونيا ودبلوماسيا. وبعضهم وصل الى مراكز سلطوية". وحسب رأيه انه طالما أن الولايات المتحدة الأميركية تدعم أشخاصا مثل الأخ غير الشقيق لكرزاي، فإن تهريب المخدرات سوف يزداد.

وفي سنة 2014 بعد مغادرة القوات الأميركية والأطلسية، وتسليم شؤون البلاد للسلطة التي "ركـّبتها" أميركا، من المتوقع تحقيق أرقام قياسية جديدة في زراعة الخشخاش وانتاج الهيرويين. ولكن بعض الخبراء يعتقدون أن الانتخابات الرئاسية القادمة ستزيد عدم الاستقرار في البلاد، ما سيؤدي الى تخفيض مؤقت في انتاج المخدرات، الأمر الذي سيؤول الى ارتفاع أسعار الهيرويين في الشارع، والى نشوب حروب بين العصابات المافياوية التي تتزاحم في تجارة المخدرات.

وقد تعرضت للفشل كل المشاريع النظرية التي طرحت ذرا للرماد في العيون، لأجل اتلاف الخشخاش واستبداله بزراعات نافعة كالقمح والورد المنتج لزيت العطور. والسبب في هذا الفشل هو عدم الجدية العملية في طرح تلك المشاريع وابقائها في الإطار النظري البحت، وخصوصا ان المكلفين بتلك المشاريع هم جزء لا يتجزأ من منظومة زراعة الخشخاش وتصنيع الهيرويين. ووصل الأمر الى حد تنظيم "انتفاضات" للمزارعين، للاعتراض على مشاريع اتلاف واستبدال الخشخاش. واتخذت ادارة أوباما تلك "الانتفاضات" ذريعة لإيقاف مشاريع الاتلاف والاستبدال. ولكن الادارة الأميركية التي انفقت مئات مليارات الدولارات على الحرب الأفغانية، والتي دفعت مئات ملايين الدولارات الأخرى للصوص البورصة بحجة التعويض عن خسائر المتضررين في الأزمة المالية المفتعلة سنة 2008، لم تكلف نفسها بذل أي جهد لأجل رفع مستوى معيشة المزارعين الأفغانيين الفقراء، عن غير طريق زراعة الخشخاش، من أجل تسهيل استبداله بزراعات مفيدة.
مملكة الافيون برعاية واشنطن والحلف الاطلسي
دورية لحلف الاطلسي في افغانستان

وحسب رأي جوليان مرسيل انه ينبغي أن توجد استراتيجية دولية لمكافحة المخدرات، وأنه يتوجب على روسيا وأميركا أن تدفعا تعويضات حرب كبيرة لأفغانستان لأنهما دمرتا هذه البلاد. وبذلك يمكن لأفغانستان أن تعود للنهوض اقتصاديا وسياسيا. وهذا ما سيساعد على مكافحة المخدرات، لأن الناس حينما يحصلون على مداخيل مقبولة جراء العمل في المزارع المشروعة والمعامل، لن يلتفتوا للعمل في مزارع الخشخاش. وحل المشكلة في رأي هذا المحلل يكمن في الإرادة السياسية، وليس بالتظاهر بأننا لا نعرف ماذا سنفعل.

اما يوناسيس ميخاليتوس، من المعهد الأثيني للتحليلات في حقل الدفاع والأمن، فيقول "ان الامم المتحدة والناتو وخصوصا الولايات المتحدة الأميركية، لا يبدو أن لديها أي مشروع مقنع لمكافحة صناعة الأفيون، وكذلك لضمان أمن الاقليم، بعد مغادرة أفغانستان. ولذلك فإن الأزمة معلقة فوق الرؤوس، وسوف تنعكس على الاستقرار في باكستان. ويزداد خطر اندلاع نزاعات اتنية جديدة". ويضيف "لست متفائلا، وأعتقد أن الوضع سيصبح أكثر سوءا بعد نهاية سنة 2014، وهذا يعني بالنسبة لأوروبا موجة أكبر من اللاجئين غير الشرعيين، وتجذيرا أقوى للعناصر الإسلامية في الكثير من البلدان. وحتى اذا انخفض مؤقتا ناتج الأفيون، فمن المؤكد أن يبقى مشكلة رئيسية لسنوات طويلة". ولكن ميخاليتوس ينسى أو يتظاهر بالنسيان أن نشر الفوضى في "الشرق الأوسط الكبير" (التي سبق لوزيرة الخارجية الاميركية السابقة غونداليزا رايس أن سمتها "الفوضى البناءة") هي سياسة ثابتة لأميركا، كما ينسى أو يتظاهر بالنسيان أن دعم العناصر "الاسلامية!!!" الراديكالية كان ولا يزال في رأس مهمات "السي آي ايه" الأميركية، وأن تمويل "الاسلاميين!!!" في الحرب التي تشنها الولايات المتحدة الأميركية على سوريا في الوقت الراهن، وكذلك تمويل "الطابور الخامس" التكفيري في لبنان، انما يأتي بطرق غير مشروعة من زراعة وصناعة المخدرات في افغانستان وتجارة المخدرات في العالم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل
2013-11-26