ارشيف من :ترجمات ودراسات

تقويم أميركي لخطاب أوباما في القاهرة: ما قيل وما لم يُقل (1)

تقويم أميركي لخطاب أوباما في القاهرة: ما قيل وما لم يُقل (1)
ـ قدم أوباما في الواقع خطوطاً عريضة لجدول أعمال استراتيجي يتعلق بمصالح الولايات المتحدة

ـ ماذا ستفعل الولايات المتحدة اذا تحركت المملكة العربية السعودية المعترف بها عموماً على أنها من بين أكثر دول العالم انتهاكاً لحرية الأديان بسرعة جليدية، في ما يتعلق بإصلاحاتها الموعودة

إعداد: علي شهاب
دام خطاب الرئيس الأميركي في القاهرة 55 دقيقة، لكن التحليلات وما قيل عنه بدأت منذ ما قبل أن يعتلي باراك أوباما المنصة ليخاطب العالم الإسلامي.
المدير التنفيذي لمعهد الشرق الأوسط لسياسات الشرق الأدنى روبرت ساتلوف وضع تقويما مطولا حول الخطاب الذي يهدف إلى "إطلاق بداية جديدة في العلاقات بين الولايات المتحدة والمسلمين"، استهله بالقول إن الطموح للتحدث إلى ما يزيد عن مليار مسلم في العالم كان دائماً "مناورة" مثيرة للجدل. وفي الوقت الذي يعيش فيه المسلمون في كل بلد من بلدان العالم ويتحدثون كل لغة ويلاحظون كل مشاهد الممارسات الدينية، فإنه ليس بالمهمة البسيطة أن يقول المرء شيئاً ذا معنى، ويتجنب مستوى من شرود الذهن الذي لا يمنع الناس من السؤال ـ بعد أن يكون الانفعال من الحدث قد تناقص تدريجياً ـ ما الذي قاله الرئيس فعلاً؟ فبالنسبة الى كثير من المسلمين كان المحيط هو الرسالة: أن يأتي رئيس الولايات المتحدة إلى عاصمة رئيسية في بلد مسلم لمخاطبة المسلمين بشكل مباشر، وأن يبذل هذا الرئيس الذي يتمتع بالسيرة الشخصية المؤثرة والفعالة والمقنعة، جهداً خاصاً ليتحدث مع شباب مسلم، ستكون هذه النقاط على الأرجح أكثر الانطباعات ذات التأثيرات الدائمة.
ويتابع ساتلوف: إن المواضيع السبعة في خطاب الرئيس هي: التطرف، وعملية السلام، وملف إيران النووي، والديمقراطية وحقوق الإنسان، والحرية والتسامح الديني، وحقوق المرأة، والتنمية الاقتصادية. وقد شملت كل هذه المواضيع تعبيرات مهمة عن سياسة الحكومة الأميركية، إذ تضمنت النقاط التالية:
 * عبارة افتتاحية من دون أي اعتذار بأن "أول واجب" للرئيس هو حماية الشعب الأميركي، وبذلك قام بشرح الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة من أجل "عزل المتطرفين"، واستمرار العمليات العسكرية ضد تنظيم "القاعدة" والمنظمات التابعة له في أفغانستان وباكستان وحول العالم.
* دفاع قوي عن شرعية "إسرائيل" كوطن قومي لليهود، (وإن لم تكن هناك إشارة بصورة محددة لإسرائيل كـ"دولة يهودية")، وإدانة معاداة السامية وإنكار المحرقة، ودعوة الفلسطينيين إلى "نبذ العنف".
 * مشاطرة الفلسطينيين أحاسيسهم من خلال وصف حياتهم في ظل "الاحتلال" بأنها "لا تطاق"، ودعوة صريحة "لوقف" المستوطنات الإسرائيلية، وتأكيد دعم الولايات المتحدة والتزامه الشخصي للفلسطينيين بقيام "دولة لأنفسهم".
* تكرار عرض واشنطن إجراء مفاوضات مع إيران من دون شروط مسبقة، إضافة إلى إعطاء إشارة رقيقة غير مكشوفة لحساسيات العرب والمسلمين حول ترسانة "إسرائيل" النووية.
* إعادة التأكيد بصورة عامة "التزام الولايات المتحدة بحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، والسعي من أجل الديمقراطية". وبرغم أنه لم يذكر مصطلح "الحرية" المفضل على سلفه، ولم يقترح كيف تستطيع الولايات المتحدة تنفيذ التزاماتها في ما يتعلق بالسياسة العامة، فقد قطع أوباما شوطاً كبيراً في السير باتجاه الاعتماد بصورة واضحة على أركان جدول أعمال جورج بوش المتعلق بالديمقراطية.
 * التزام صارخ ومعلن بالاعتراف بجميع الأحزاب السياسية "السلمية والملتزمة بحكم القانون"، وبالحكومات السلمية المنتخبة في الدول ذات الأغلبية المسلمة.
 * نداء من أجل الحرية والتسامح الديني في الدول الإسلامية والعالم الغربي على حد سواء. وقد شمل ذلك إشارات محددة إلى حال المسيحيين الأقباط في مصر (ولكن من الغريب، لم يتضمن ذلك البهائيين) من جهة، ونقد كاسح (ولكن ليس بالاسم) لقانون فرنسي يحظر ارتداء الحجاب في المدارس العامة بصفته "تعصبا يختبئ وراء الليبرالية".
* الدفاع عن حق المرأة المسلمة في ارتداء الحجاب واختيار أدوار تقليدية مقترنة بنداء من أجل المساواة في الاستثمار في مجال التعليم ومحو الأمية للفتيات والنساء المسلمات، باعتباره شرطاً أساسياً لتحقيق التنمية الاقتصادية والرخاء.
ملاحظات أساسية
أهداف استراتيجية محدودة..
 برغم خطابه العالي النبرة في كثير من الأحيان، قدم أوباما في الواقع خطوطا عريضة لجدول أعمال استراتيجي يتعلق بمصالح الولايات المتحدة، جرى تعريفه بصورة ضيقة وهو ذو نطاق محدود. وحول إيران ركز الرئيس مرة أخرى على الهدف المحدود المتمثل بضمان عدم امتلاك إيران أسلحة نووية. ولم يعد كبار المسؤولين الأميركيين يتحدثون عن منع إيران من استكمال دورة الوقود النووي، أو امتلاك القدرة على تخصيب اليورانيوم، أو حتى القدرة على تطوير سلاح نووي. وإضافة إلى ذلك وعلى عكس التصريحات التي أدلى بها مؤخراً الزعماء العرب، لم يشر إلى إيران باعتبارها دولة راعية للجماعات الإرهابية، بما في ذلك أنشطتها ضد البلد المضيف مصر. وحول العراق حدد الرئيس الهدفين المزدوجين للولايات المتحدة كبناء "عراق أفضل" غير محدد الصورة، وترك العراق إلى العراقيين. ولم يشر إلى جعل الديمقراطية تترسخ في ذلك البلد، أو إلى تطلعات بقيام تحالف على المدى الطويل بين الولايات المتحدة والدولة التي كانت خصمها فترة طويلة من الزمن. وقد لوحظ غياب أي اشارة إلى لبنان، حيث ينظر إليها على نطاق واسع باعتبارها نقطة ارتكاز استراتيجية لكل من الإدارات الحالية والسابقة، باستثناء إشارة غريبة إلى أهمية التسامح الديني مع الموارنة المسيحيين. وفي ما يتعلق بـ"مكافحة التطرف" عرف الرئيس الهدف بصورة محدودة كمواجهة العنف (أي الإرهاب)، حيث تراجع عن اعتماد التوافق في الآراء الذي ظهر بين المختصين في الخارج وداخل الولايات المتحدة، والمتمثل بأهمية التنافس ضد المتطرفين، بحيث يحدث ذلك قبل وقت طويل من بدء عملية التطرف (أي مواجهة التطرف).
قبول ضمني للإسلام السياسي.
 انخرط الرئيس الأميركي في النقاش السياسي الساخن داخل المجتمعات الإسلامية، وسواء عن قصد أو عدم اهتمام، اتخذ جهة الإسلاميين المحليين، وليس الليبراليين المحليين أو حتى المناهضين للإسلاميين. وسوف تهلل الأحزاب الإسلامية في مختلف أنحاء المنطقة بأن أوباما استشهد فقط بمعيارين حول الاعتراف الأميركي بالأحزاب الإسلامية، وهي "السلام واحترام القانون"، في الوقت الذي يكون فيه مضمون رسالتها والقيم التي تجسمها ـ بما في ذلك فرض الشريعة ـ في كثير من الأحيان متناقضاً مع قيمنا. ولم يشر إلى التعاون المتكرر بين المستبدين والإسلاميين حول عدم إفساح المجال السياسي لغير الأحزاب السياسية الإسلامية، وخصوصا الليبراليين الذين كثيراً ما يشاطرون القيم الأميركية. وببراعة دافع الرئيس ما لا يقل عن ثلاث مرات عن حق المرأة المسلمة في ارتداء الحجاب، ولكن لم يدافع في أي نقطة من خطابه عن حق النساء المسلمات في عدم ارتداء الحجاب. (وفي الواقع، ومباشرة بعد انتهاء الخطاب، وضع موقع البيت الأبيض على شبكة الانترنت صورة على شاشة كاملة لمرأة ترتدي الحجاب، وهو تكرار غريب لما جاء في كتيب على مستوى الهواة صدر من قبل وزارة الخارجية الأميركية في مرحلة ما بعد 11 أيلول/ سبتمبر عن حياة المسلمين في أميركا، ظهرت فيه جميع النساء المسلمات في الولايات المتحدة وهن مرتديات حجاب).
احترام كثير، اهتمام غير كاف.. خلال إعطائه التفاصيل عن "البداية الجديدة" التي اقترحها، شددت كلمات الرئيس على الجزء الخاص بـ"الاحترام المتبادل" للصيغة التي تحمل اسمه، وليس على الجزء المتعلق بـ "المصالح المشتركة". وبرغم كلماته القوية عن الإرهاب والانتشار النووي وغيرها من الأسئلة الصعبة المتعلقة بالسياسة، كان خطاب الرئيس الأميركي لافتاً بصورة ملحوظة بسبب التوازي ـ الذي غالباً ما جرى التعبير عنه ـ بين العيوب في المجتمعات الإسلامية، والعيوب في أميركا والغرب. ومن خلال امتناعه عن شجب "دوامة التشكيك والخلاف" في بداية كلمته، اقترح الرئيس أننا جميعاً مسؤولون بصورة متساوية عن الخطأ الذي حدث في تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة والمسلمين.
وفي حين قال الرئيس الكثير، إلا أنه لم يقل كثيراً، واختار ترك العديد من الأسئلة الحاسمة من دون جواب. فعلى سبيل المثال ما هي وجهة نظر الولايات المتحدة من جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر، الحزب الذي قد يتبع [الطريق] السلمي في الوقت الراهن، لكنه غير قانوني؟ ماذا سيكون موقف الولايات المتحدة اذا فاز التحالف بقيادة "حزب الله" في الانتخابات البرلمانية في لبنان؟ ماذا ستفعل الولايات المتحدة إذا ما استمرت إيران في مساعيها لامتلاك أسلحة نووية؟ ما هي الآثار المترتبة على العلاقات مع الولايات المتحدة إذا لم تقم الدول العربية والإسلامية المستبدة بالتحرك في اتجاه حكم المساءلة والشفافية والديمقراطية؟ ماذا ستفعل الولايات المتحدة اذا ما تحركت المملكة العربية السعودية ـ المعترف بها عموماً على أنها من بين أكثر دول العالم انتهاكاً لحرية الأديان ـ بسرعة جليدية في ما يتعلق بإصلاحاتها الموعودة؟ وربما الأهم من كل ذلك كيف ستقوم الولايات المتحدة باعتبارها القوة العظمى في العالم، بتحديد الأولويات في ما يتعلق بالمواضيع والمصالح المختلفة التي استعرضها الرئيس؟ لم يكشف خطاب الرئيس الكثير عن أي من هذه المواضيع.
الانتقاد/ العدد 1350 ـ 12 حزيران/ يونيو 2009

2009-06-12