ارشيف من :آراء وتحليلات
الفلاحون وأصحاب البساتين: هل يضطرون للقيام بعملهم في ظروف السرية؟

بقلم صوفي شابيل
عن موقع le nouvel ordre mondial
22 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013
الفلاحون الذين يستخدمون بذاراً يأخذونه من محاصيلهم، هل سيتم اعتبارهم مهربين؟ أجل ! أجاب أعضاء مجلس الشيوخ الفرنسي عندما أقروا بالإجماع في 20 تشرين الثاني / نوفمبر مشروع قانون تصبح معه النباتات مشمولة بجنحة التزوير. وعليه فإن التحرر من حقوق الملكية التي تتمتع بها شركات البذار الكبرى سينظر إليه على أنه جنحة. وينص القانون المذكور أيضاً على استخدام وسائل قمعية جديدة بحق الفلاحين وأصحاب البساتين الذين يستخدمون بذوراً ونصوباً مأخوذة من محاصيلهم الخاصة. أما ما يريده واضعو هذا القانون فهو ببساطة "حماية الشركات".
أن يزرع الفلاح بذاراً من محصوله الخاص هو من الأمور الأكثر اعتيادية منذ بدايات عصر الزراعة. لكن ذلك بات يعتبر من الآن فصاعداً عملاً إجرامياً تماماً كتزوير العملات، أو بيع الأدوية الممنوعة المصنوعة من جزيئات منسوخة، أو نسخ صناعة الحقائب أو الساعات المعروفة بأنها من ماركات كبرى. في العام 2014، يمكن لمطاردة المزورين أن تمتد لتصل إلى حدائق الخضار المنزلية والحقول والمزارع. ففي 20 تشرين الثاني/ نوفمبر، أقر أعضاء مجلس الشيوخ، بمن فيهم الأعضاء المنتمون إلى حركات الدفاع عن البيئة، أقروا مشروع قرار يهدف إلى تعزيز مكافحة التزوير. فهذا التزوير يمثل "حوالي 10% من التجارة العالمية" ويلحق بالعائدات الضريبية الفرنسية خسائر تزيد على 6 مليارات يورو سنوياً. والحال أن قمع التزوير سيتسع ليشمل جميع فروع الملكية الفكرية. ومن هذه الفروع ما يسمى بـ "المتحصلات النباتية"، وهذه تشتمل على البذار أي الحبوب والنصوب المتحدرة من أنواع نباتية مستصفاة من قبل شركات البذار والتي يزرعها الفلاح ويحصدها ثم يزرع منها بذاراً لموسم جديد.
وينص القانون على أن التزوير هو "في الغالب نتاج استغلال الكائنات البشرية والعمل غير الشرعي. وهو يسهم في تمويل الكثير من المنظمات المافيوية والإرهابية". لكن اتحاد المزارعين يرد مستنكراً : "وهكذا، فإن المزارعين الذين يستخدمون بذاراً يأخذونه من محاصيلهم الخاصة سيتم التعامل معهم دون وجه حق على أنهم مجرمون ينتمون إلى شبكات منظمة". وتضيف جمعية "لنبذر التنوع البيولوجي" في رسالة مفتوحة وجهتها إلى مجلس الشيوخ: "وهكذا، فإن هذا العمل الذي يعود إلى أعماق التاريخ والمتمثل بانتخاب وإعادة زرع قسم من المحصول سيتم التعامل معه على أنه تزوير، أي أنه سيوضع على قدم المساواة مع ارتكاب مخالفة كإعادة إنتاج سلعة ما أو كتزوير العملات". وعلى ذلك، فإن بذور الصويا والذرة والطماطم والبطاطا والحبوب التي ينتجها المزارعون سيتم اعتبارها نسخاً غير شرعية.
كتل برلمانية عديدة طالبت بإدخال التعديل التالي على مشروع القانون "قيام المزارع بإنتاج بذاره الخاص تلبية لاحتياجات عمله الزراعي ليس تزويراً أياً يكن المصدر الأول لهذا البذار ". لكن عشرين لا غير من أعضاء مجلس الشيوخ صوتوا لمصلحة التعديل الذي اقترحته كتلة الشيوعيين وذلك بعدما قطع النائب الاشتراكي، ميشيل دولابار، الذي تقدم بمشروع القرار، وعداً بإعادة مناقشة الموضوع في إطار بحث قانون "مستقبل الزراعة" في كانون الثاني/ يناير المقبل. لكن النائب الاشتراكي أكد بأن هذا المشروع لا يحمل أية أخطار. غير أن القراءة المتأنية للنص تكشف عن عكس ذلك.
الدولة في خدمة الشركات الخاصة
يأتي هذا القانون ليمنح المزيد من القوة لترسانة قضائية تحمي الشركات التي تتاجر بالبذار. فمنذ 2011، صدر قانون يسمح للمزارعين باستخدام 21 نوعاً من البذار المأخوذ من محاصيلهم الخاصة مقابل دفع ضريبة اسمها "إسهام تطوعي إجباري" (تصوروا). أما استخدام جميع أنواع البذار الأخرى فممنوع بحجة الحرص على عدم انتهاك حقوق الملكية الفكرية العائدة للشركة. ويشرح غي كاستلر الناشط في شبكة "البذار الفلاحي" أن قانون العام 2011 يلزم جميع المزارعين الذين ينتجون بذاراً من محاصيلهم الخاصة أن يسجلوا أسماءهم لدى الإدارة المعنية! ويضيف كاستلر: "ولا تقوم الشركات حالياً بملاحقة المزارعين الذين لم يدفعوا تلك الضريبة لأنهم عاجزون عن دفعها ولأن الملاحقة تستلزم تقديم الدليل على أن البذار مزور، وتقديم الدليل أمر صعب للغاية". إذاً، ما يزال المزارعون يستخدمون حتى الآن بذاراً من محاصيلهم الخاصة دون التعرض لخطر الملاحقة القانونية.
الجديد في الموضوع، على ما يقوله كاستلر، هو أن مشروع القانون يطلب إلى الدوائر الحكومية مساعدة الشركات على " مكافحة التزوير وتقديم كل ما بحوزتها من معلومات حول هذه المسألة". وعلى ذلك، فإن أجهزة الدولة ستقدم إلى الشركات لائحة بأسماء المزارعين المنظور إليهم على أنهم مزورون. يكفي أن تتقدم الشركة التي تتمتع بحق الملكية الفكرية لصنف من البذار بطلب بسيط حتى تعمد إدارة الجمارك إلى مصادرة البذار "المزور" أو المحصول المنتج عن طريق ذلك البذار. وهكذا، فإن المزارع الذي ينتج صنفاً معيناً عن طريق بذار ممنوع يتعرض لإتلاف محصوله... أو لمصادرة هذا المحصول حتى يدفع الضريبة المستحقة. أما إذا امتنعت الدولة عن تطبيق هذا القانون بإجبار المزارع على الدفع، فإنها تعرض نفسها للملاحقة القضائية من قبل الشركة.
رجال الجمارك يتسللون إلى المناطق الريفية
الأسوأ من كل ذلك أن على المزارع ليس فقط أن يبرز فاتورة شراء البذار، بل أيضاً أن يفعل ذلك بالنسبة للقاحات حيواناته. والأمر نفسه ينطبق على المزارع الذي يستخدم خميرة ينتجها بنفسه لصناعة ما يحتاج إليه من خبز أو أجبان. وبموجب هذا القانون، يستطيع رجال الجمارك أن يقدموا أنفسهم كمشترين للبذار الطبيعي وذلك بغية إثبات التزوير. ويمكنهم أن يستخدموا وسيلتين مثبتتين في مشروع القرار : "التسلل" (المادة التاسعة) و "خديعة الشراء" (المادة العاشرة).
يقول كاستلر: "تبادل المساعدة والثقة ما تزالان حتى اليوم من الأسس التي يقوم عليها النسيج الاجتماعي في عالم الريف. لكن مع هذه الإجراءات فإن كل شخص يطلب مبادلة نوع من البذار يمكن أن ينظر إليه المزارعون على أنه عميل لجهاز مكافحة التزوير. ومن شأن هذا الوضع أن يخلق حالة من الارتياب الشامل... وفوق ذلك، تفيد الرابطة القومية للدفاع عن البذار الطبيعي بأن ترسانة قضائية باتت قائمة مهمتها تمكين المزارعين الذين يحملون شهادات تفيد بأنهم يستخدمون " متحصلات نباتية" من إجبار المزارعين الآخرين على احترام حقوقهم. والدليل على ذلك تكاثر عمليات المراقبة على الأرض بشكل منتظم من قبل الهيئات المعنية بهدف التأكد من احترام التشريع الخاص بالبذار. وفي شهر أيار/ مايو الماضي، سجلت زيارة لأحد عملاء قمع المخالفات إلى سوق في أحد الأسواق في منطقة آرييج، تم خلالها تسجيل محاضر ضبط يمكن بموجبها إجبار المزارع على دفع غرامة من 450 يورو (675 دولاراً) بتهمة بيع "خضروات غير شرعية".
تعميم العضويات المعدلة جينياً
شخصيات عديدة كتبت في صحيفة لوموند لتنذر بأن التهديد الدائم بالملاحقة بتهمة التزوير هو ما أجبر المزارعين الأميركيين خلال أقل من عشر سنوات على أن يزرعوا 90 بالمئة من حقول الصويا والذرة التي يملكونها ببذار من عضويات معدلة جينياً مرخصة من قبل الشركات. وقد بات 75 بالمئة من سوق البذار العالمي خاضعاً لعشر شركات متعددة الجنسية لا غير! لكن عضو مجلس الشيوخ الفرنسي، الاشتراكي، ريشار يونغ، الذي تقدم بمشروع القرار حول التزوير يعتبر أن المهم هو "حماية شركاتنا". لقد أمضى ريشار يونغ كل حياته العملية في عالم الملكية الفكرية والتراخيص التابع للمعهد الوطني للملكية الصناعية في المكتب الأوروبي للتراخيص في ميونيخ. وهو يشرح قائلاً: "الخطورة هي في أن تربوا نبتة جديدة وأن تزرعوا محصولكم من ثمارها من دون أن تتمكنوا من بيع هذا المحصول".
الحقيقة أنه لم يحصل لمنتجي البذار أن لم يتمكنوا من بيع محاصيلهم. فقد بلغت عائدات صادرات البذور والنصوب خارج فرنسا في العام 2012-2013حوالي 1،5 مليار يورو مسجلة ارتفاعاً بنسبة 15 بالمئة عما كانت عليه في السابق. وهذا النجاح يوازي ثمن 20 طائرة إيرباص آ 320، على ما تباهي به المجموعة الوطنية للبذار. وتأخذ المجموعة المذكورة على المزارعين الذين يستخدمون بذارهم الخاص عدم مشاركتهم في تمويل الأبحاث. ولكن هل من الصحيح أن تكون خصائص هذا النوع النباتي الأكثر قدرة على مقاومة المناخ الجاف أو الحشرات هي ملكية لشركات البذار الكبرى؟ يعتقد جاك كابلا الناشط في جمعية "العمل من أجل البيئة" أنها نتيجة لعشرة آلاف عام من خبرات الفلاحين المعروفين وغير المعروفين. على ذلك، فإن من يقومون بانتخاب الأصناف مهنياً يحققون أيضاً فائدة عندما يسترشدون بالعمل الذي قام به الفلاحون منذ آلاف السنين. لكن هؤلاء المهنيين لا يرتكبون جنحة التزوير!
كلام بكلام بكلام...
إن مصير الحلقة الأولى من حلقات السلسلة الغذائية بات يتحدد من الآن فصاعداً من قبل الأوساط السياسية. فمنذ العام 2007 صدر قانون جديد يجعل من استخدام البذار المنتج من قبل المزارع عملاً تزويرياً. يومها، دعم الاشتراكيون في البداية مع كتلة الشيوعيين والمدافعين عن البيئة وأحزاب الوسط تعديلاً على القانون يستثني البذار الذي يعتمد عليه المزارع في زراعته. لكنهم عادوا وتراجعوا عن ذلك بعد أن حصلوا على وعد بالاعتراف بحق المزارع في إنتاج ما يحتاج إليه من بذار وبعد اعتبار ذلك عملاً تزويرياً من قبل قانون لاحق. ومع ذلك، جاء قانوم العام 2011 ليؤكد على طبيعة البذار المنتج من قبل المزارع على أنه جنحة. والاشتراكيون بدورهم هم من يقومون اليوم بدعم هذا القانون.
إن معركة تشريعية قد بدأت تلوح في الأفق في حين تعتبر الحكومة أن التصويت على النص يجب أن يتم بصورة مستعجلة. ويفترض أن تتم مناقشة مشروع القانون حول التزوير في البرلمان في شباط / فبراير 2014. ولمواجهة الترسانة التشريعية المستخدمة من أجل منع المزارعين من ممارسة مهنتهم، تم إطلاق حملة بهدف الاعتراف بحقوق المزارعين وأصحاب البساتين. هل يكتفي أعضاء المجلس النيابي، بعد أعضاء مجلس الشيوخ بالتصرف كمجرد حامل لرغبات جماعات الضغط الصناعية؟ هل يعتبرون أن كثيراً من المزارعين لصوص؟
عن موقع le nouvel ordre mondial
22 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013
تعرض هذه المقالة مشكلة قائمة في البلدان المتقدمة (فرنسا مثالاً) حول القوانين التي تمنع المزارعين من استخدام البذار الذي يأخذونه من محاصيلهم، بهدف إجبارهم على شراء البذار الذي تحتكره الشركات الكبرى. المشكلة ليست فقط في ارتفاع أسعار أصناف البذار الذي تسوقه الشركات وفي حرمان المزارع من حقه في زرع بذاره الخاص دون تكلفة، بل أيضاً في كون هذه الإجراءات وسيلة لترويج التراخيص المكلفة باستخدام الأصناف الجديدة من البذار المشمولة بحق الملكية الفكرية ولتعميم هذه الأصناف التي تدخل فيها عضويات معدلة جينياً ومثيرة للنقاش لجهة أضرارها الصحية الممكنة.
في البلدان النامية ومنها بلداننا، فإن الدخول العشوائي لشتى أنواع البذار والنصوب قد أدى حتى الآن إلى دمار الأصناف الزراعية التقليدية المعروفة بقدرتها العالية على التكيف التي اكتسبتها خلال آلاف السنين. كما أجبر المزارعين على استخدام أصناف مستحدثة من البذار يستلزم استنباتها عناية فائقة و"ثقافة زراعية" لا يمتلكها المزارع العادي ولا يستطيع امتلاكها بسهولة. والمعروف أن الأصناف الجديدة، وهي هشة بطبيعتها، تحتاج أيضاً إلى استخدام الكثير من الأدوية والمبيدات التي أسهمت إسهاماً كبيراً في إبادة الطيور والحشرات التي كانت تقليدياً تمارس دورها في حفظ التوازن البيئي والدورة الزراعية السليمة من دون الحاجة إلى استخدام السموم والوسائل المعقدة.
قد يكون التصدي في بلداننا لهذه المشكلة من الأمور الصعبة في ظل ما تشهده من مشكلات سياسية واجتماعية وحروب. لكن الاهتمام بها سيطرح نفسه عاجلاً أو آجلاً، أقله بسبب تدهور أوضاع الزراعة واستفحال أزمة الغذاء محلياً وعالمياً.
في البلدان النامية ومنها بلداننا، فإن الدخول العشوائي لشتى أنواع البذار والنصوب قد أدى حتى الآن إلى دمار الأصناف الزراعية التقليدية المعروفة بقدرتها العالية على التكيف التي اكتسبتها خلال آلاف السنين. كما أجبر المزارعين على استخدام أصناف مستحدثة من البذار يستلزم استنباتها عناية فائقة و"ثقافة زراعية" لا يمتلكها المزارع العادي ولا يستطيع امتلاكها بسهولة. والمعروف أن الأصناف الجديدة، وهي هشة بطبيعتها، تحتاج أيضاً إلى استخدام الكثير من الأدوية والمبيدات التي أسهمت إسهاماً كبيراً في إبادة الطيور والحشرات التي كانت تقليدياً تمارس دورها في حفظ التوازن البيئي والدورة الزراعية السليمة من دون الحاجة إلى استخدام السموم والوسائل المعقدة.
قد يكون التصدي في بلداننا لهذه المشكلة من الأمور الصعبة في ظل ما تشهده من مشكلات سياسية واجتماعية وحروب. لكن الاهتمام بها سيطرح نفسه عاجلاً أو آجلاً، أقله بسبب تدهور أوضاع الزراعة واستفحال أزمة الغذاء محلياً وعالمياً.
الفلاحون الذين يستخدمون بذاراً يأخذونه من محاصيلهم، هل سيتم اعتبارهم مهربين؟ أجل ! أجاب أعضاء مجلس الشيوخ الفرنسي عندما أقروا بالإجماع في 20 تشرين الثاني / نوفمبر مشروع قانون تصبح معه النباتات مشمولة بجنحة التزوير. وعليه فإن التحرر من حقوق الملكية التي تتمتع بها شركات البذار الكبرى سينظر إليه على أنه جنحة. وينص القانون المذكور أيضاً على استخدام وسائل قمعية جديدة بحق الفلاحين وأصحاب البساتين الذين يستخدمون بذوراً ونصوباً مأخوذة من محاصيلهم الخاصة. أما ما يريده واضعو هذا القانون فهو ببساطة "حماية الشركات".
أن يزرع الفلاح بذاراً من محصوله الخاص هو من الأمور الأكثر اعتيادية منذ بدايات عصر الزراعة. لكن ذلك بات يعتبر من الآن فصاعداً عملاً إجرامياً تماماً كتزوير العملات، أو بيع الأدوية الممنوعة المصنوعة من جزيئات منسوخة، أو نسخ صناعة الحقائب أو الساعات المعروفة بأنها من ماركات كبرى. في العام 2014، يمكن لمطاردة المزورين أن تمتد لتصل إلى حدائق الخضار المنزلية والحقول والمزارع. ففي 20 تشرين الثاني/ نوفمبر، أقر أعضاء مجلس الشيوخ، بمن فيهم الأعضاء المنتمون إلى حركات الدفاع عن البيئة، أقروا مشروع قرار يهدف إلى تعزيز مكافحة التزوير. فهذا التزوير يمثل "حوالي 10% من التجارة العالمية" ويلحق بالعائدات الضريبية الفرنسية خسائر تزيد على 6 مليارات يورو سنوياً. والحال أن قمع التزوير سيتسع ليشمل جميع فروع الملكية الفكرية. ومن هذه الفروع ما يسمى بـ "المتحصلات النباتية"، وهذه تشتمل على البذار أي الحبوب والنصوب المتحدرة من أنواع نباتية مستصفاة من قبل شركات البذار والتي يزرعها الفلاح ويحصدها ثم يزرع منها بذاراً لموسم جديد.

كتل برلمانية عديدة طالبت بإدخال التعديل التالي على مشروع القانون "قيام المزارع بإنتاج بذاره الخاص تلبية لاحتياجات عمله الزراعي ليس تزويراً أياً يكن المصدر الأول لهذا البذار ". لكن عشرين لا غير من أعضاء مجلس الشيوخ صوتوا لمصلحة التعديل الذي اقترحته كتلة الشيوعيين وذلك بعدما قطع النائب الاشتراكي، ميشيل دولابار، الذي تقدم بمشروع القرار، وعداً بإعادة مناقشة الموضوع في إطار بحث قانون "مستقبل الزراعة" في كانون الثاني/ يناير المقبل. لكن النائب الاشتراكي أكد بأن هذا المشروع لا يحمل أية أخطار. غير أن القراءة المتأنية للنص تكشف عن عكس ذلك.
الدولة في خدمة الشركات الخاصة
يأتي هذا القانون ليمنح المزيد من القوة لترسانة قضائية تحمي الشركات التي تتاجر بالبذار. فمنذ 2011، صدر قانون يسمح للمزارعين باستخدام 21 نوعاً من البذار المأخوذ من محاصيلهم الخاصة مقابل دفع ضريبة اسمها "إسهام تطوعي إجباري" (تصوروا). أما استخدام جميع أنواع البذار الأخرى فممنوع بحجة الحرص على عدم انتهاك حقوق الملكية الفكرية العائدة للشركة. ويشرح غي كاستلر الناشط في شبكة "البذار الفلاحي" أن قانون العام 2011 يلزم جميع المزارعين الذين ينتجون بذاراً من محاصيلهم الخاصة أن يسجلوا أسماءهم لدى الإدارة المعنية! ويضيف كاستلر: "ولا تقوم الشركات حالياً بملاحقة المزارعين الذين لم يدفعوا تلك الضريبة لأنهم عاجزون عن دفعها ولأن الملاحقة تستلزم تقديم الدليل على أن البذار مزور، وتقديم الدليل أمر صعب للغاية". إذاً، ما يزال المزارعون يستخدمون حتى الآن بذاراً من محاصيلهم الخاصة دون التعرض لخطر الملاحقة القانونية.
الجديد في الموضوع، على ما يقوله كاستلر، هو أن مشروع القانون يطلب إلى الدوائر الحكومية مساعدة الشركات على " مكافحة التزوير وتقديم كل ما بحوزتها من معلومات حول هذه المسألة". وعلى ذلك، فإن أجهزة الدولة ستقدم إلى الشركات لائحة بأسماء المزارعين المنظور إليهم على أنهم مزورون. يكفي أن تتقدم الشركة التي تتمتع بحق الملكية الفكرية لصنف من البذار بطلب بسيط حتى تعمد إدارة الجمارك إلى مصادرة البذار "المزور" أو المحصول المنتج عن طريق ذلك البذار. وهكذا، فإن المزارع الذي ينتج صنفاً معيناً عن طريق بذار ممنوع يتعرض لإتلاف محصوله... أو لمصادرة هذا المحصول حتى يدفع الضريبة المستحقة. أما إذا امتنعت الدولة عن تطبيق هذا القانون بإجبار المزارع على الدفع، فإنها تعرض نفسها للملاحقة القضائية من قبل الشركة.
رجال الجمارك يتسللون إلى المناطق الريفية
الأسوأ من كل ذلك أن على المزارع ليس فقط أن يبرز فاتورة شراء البذار، بل أيضاً أن يفعل ذلك بالنسبة للقاحات حيواناته. والأمر نفسه ينطبق على المزارع الذي يستخدم خميرة ينتجها بنفسه لصناعة ما يحتاج إليه من خبز أو أجبان. وبموجب هذا القانون، يستطيع رجال الجمارك أن يقدموا أنفسهم كمشترين للبذار الطبيعي وذلك بغية إثبات التزوير. ويمكنهم أن يستخدموا وسيلتين مثبتتين في مشروع القرار : "التسلل" (المادة التاسعة) و "خديعة الشراء" (المادة العاشرة).

تعميم العضويات المعدلة جينياً
شخصيات عديدة كتبت في صحيفة لوموند لتنذر بأن التهديد الدائم بالملاحقة بتهمة التزوير هو ما أجبر المزارعين الأميركيين خلال أقل من عشر سنوات على أن يزرعوا 90 بالمئة من حقول الصويا والذرة التي يملكونها ببذار من عضويات معدلة جينياً مرخصة من قبل الشركات. وقد بات 75 بالمئة من سوق البذار العالمي خاضعاً لعشر شركات متعددة الجنسية لا غير! لكن عضو مجلس الشيوخ الفرنسي، الاشتراكي، ريشار يونغ، الذي تقدم بمشروع القرار حول التزوير يعتبر أن المهم هو "حماية شركاتنا". لقد أمضى ريشار يونغ كل حياته العملية في عالم الملكية الفكرية والتراخيص التابع للمعهد الوطني للملكية الصناعية في المكتب الأوروبي للتراخيص في ميونيخ. وهو يشرح قائلاً: "الخطورة هي في أن تربوا نبتة جديدة وأن تزرعوا محصولكم من ثمارها من دون أن تتمكنوا من بيع هذا المحصول".
الحقيقة أنه لم يحصل لمنتجي البذار أن لم يتمكنوا من بيع محاصيلهم. فقد بلغت عائدات صادرات البذور والنصوب خارج فرنسا في العام 2012-2013حوالي 1،5 مليار يورو مسجلة ارتفاعاً بنسبة 15 بالمئة عما كانت عليه في السابق. وهذا النجاح يوازي ثمن 20 طائرة إيرباص آ 320، على ما تباهي به المجموعة الوطنية للبذار. وتأخذ المجموعة المذكورة على المزارعين الذين يستخدمون بذارهم الخاص عدم مشاركتهم في تمويل الأبحاث. ولكن هل من الصحيح أن تكون خصائص هذا النوع النباتي الأكثر قدرة على مقاومة المناخ الجاف أو الحشرات هي ملكية لشركات البذار الكبرى؟ يعتقد جاك كابلا الناشط في جمعية "العمل من أجل البيئة" أنها نتيجة لعشرة آلاف عام من خبرات الفلاحين المعروفين وغير المعروفين. على ذلك، فإن من يقومون بانتخاب الأصناف مهنياً يحققون أيضاً فائدة عندما يسترشدون بالعمل الذي قام به الفلاحون منذ آلاف السنين. لكن هؤلاء المهنيين لا يرتكبون جنحة التزوير!
كلام بكلام بكلام...
إن مصير الحلقة الأولى من حلقات السلسلة الغذائية بات يتحدد من الآن فصاعداً من قبل الأوساط السياسية. فمنذ العام 2007 صدر قانون جديد يجعل من استخدام البذار المنتج من قبل المزارع عملاً تزويرياً. يومها، دعم الاشتراكيون في البداية مع كتلة الشيوعيين والمدافعين عن البيئة وأحزاب الوسط تعديلاً على القانون يستثني البذار الذي يعتمد عليه المزارع في زراعته. لكنهم عادوا وتراجعوا عن ذلك بعد أن حصلوا على وعد بالاعتراف بحق المزارع في إنتاج ما يحتاج إليه من بذار وبعد اعتبار ذلك عملاً تزويرياً من قبل قانون لاحق. ومع ذلك، جاء قانوم العام 2011 ليؤكد على طبيعة البذار المنتج من قبل المزارع على أنه جنحة. والاشتراكيون بدورهم هم من يقومون اليوم بدعم هذا القانون.
إن معركة تشريعية قد بدأت تلوح في الأفق في حين تعتبر الحكومة أن التصويت على النص يجب أن يتم بصورة مستعجلة. ويفترض أن تتم مناقشة مشروع القانون حول التزوير في البرلمان في شباط / فبراير 2014. ولمواجهة الترسانة التشريعية المستخدمة من أجل منع المزارعين من ممارسة مهنتهم، تم إطلاق حملة بهدف الاعتراف بحقوق المزارعين وأصحاب البساتين. هل يكتفي أعضاء المجلس النيابي، بعد أعضاء مجلس الشيوخ بالتصرف كمجرد حامل لرغبات جماعات الضغط الصناعية؟ هل يعتبرون أن كثيراً من المزارعين لصوص؟