ارشيف من :آراء وتحليلات

حكم ائتلافي بزعامة ميركيل في ألمانيا

حكم ائتلافي بزعامة ميركيل في ألمانيا
في ليل 27 تشرين الثاني الجاري، وبعد 17 ساعة من الحوار والمناقشات المتواصلة، توصل قادة الأحزاب الألمانية الى اتفاق على تأليف حكومة ائتلافية موسعة. وجرت الجولة الأخيرة من المحادثات، ولمدة 5 ساعات، في المقر المركزي للحزب الاشتراكي الديمقراطي في برلين، وفي الخامسة من صباح يوم 27 تشرين الثاني/نوفمبر أطل السكرتيرون العامون للاحزاب الرئيسية الثلاثة: الاتحاد المسيحي الدمقراطي بزعامة انجيلا ميركيل، والحزب الحليف له في بافاريا وهو الاتحاد المسيحي الاجتماعي، والحزب المنافس وهو الحزب الاشتراكي الدمقراطي الالماني، ـ أطلوا على الصحفيين معا، واعلنوا ان الاتفاق بينهم قد تم.

فمنذ انتهاء الانتخابات النيابية في 22 ايلول/سبتمبر، وخاصة بعد أن تأكد ان الحزب الحليف لميركيل حتى الآن، ونعني الحزب الديمقراطي الحر، قد فشل في دخول البرلمان، كان غالبية المعلقين يؤكدون ان المحادثات من أجل تشكيل ائتلاف حكومي جديد ستكون صعبة وطويلة. ومع ذلك فلم تكن هناك مفاجآت. وقد برهن السياسيون الالمان عن مسلكيتهم العملية لدى اجراء المحادثات حول تشكيل الحكومة العتيدة، وبفضل التسويات من قبل الطرفين تم التوصل في نهاية المطاف الى صفقة الائتلاف. واكد ممثلو الاحزاب الثلاثة انهم مسرورون للنتائج، وانهم نجحوا في الوفاء بوعودهم الانتخابية. والنجاح الكبير الذي حققه الاشتراكيون الديمقراطيون هو اخذ الموافقة على رفع الحد الادنى لاجرة ساعة العمل الى 8.5 يورو في الساعة. كما ان المحافظين بزعامة ميركيل نجحوا في منع فرض زيادات ضرائبية على الاكثر غنى. كما ان الحزب البافاري المحافظ، اي الاتحاد المسيحي الاجتماعي، قد حصل على 3 مقاعد وزارية في الوزارة الائتلافية الجديدة، وتعتبر هذه حصة كبيرة بالمقارنة مع 5 مقاعد لحزب ميركيل. وستبقى اسماء الوزراء مكتومة لبعض الوقت. والسبب ان الاشتراكيين الديمقراطيين سيطرحون على التصويت داخل حزبهم الاتفاق الائتلافي الذي يتألف من 185 صفحة. وستصدر نتائج هذا التصويت الحزبي الداخلي في 14 كانون الاول، واغلب التقديرات يتوقع ان تنال الوثيقة الموافقة، وان يتم دعم الحكومة الائتلافية. وبعد ذلك بقليل، في اواسط كانون الاول/ديسمبر، يتوقع ان تؤدي ميركيل قسم اليمين بوصفها المستشارة للمرة الثالثة على التوالي.

وبموجب هذا الاتفاق فإن المسيحيين الديمقراطيين سيحكمون من ضمن هذا الائلاف مع الاشتراكيين الديمقراطيين للمرة الثالثة. وكانت المرة الاولى في الستينات من القرن الماضي، والثانية خلال الولاية الاولى لميركيل في السنوات 2005 ـ 2009. والفائدة الاولى من تلك المشاركة هو ان الحزبين واعضاءهما يعرفون بعضهما بعضاً جيدا ومنذ فترة وجيزة. وبالاضافة الى ذلك وبفضل امتلاكهما معا للاكثرية الكبرى في البوندستاغ فسوف يستطيعان اقرار القوانين التي يتفقان عليها. ومن حيث المبدأ فإن هذين الحزبين الاكبر في المانيا لا يختلفان كثيرا احدهما عن الاخر وتطلق عليهما تسمية "الحزبين الشعبيين" (Volksparteien)، لانهما يؤكدان انهما يدافعان عن مصالح الامة بأسرها، وليس عن مصالح مجموعات اجتماعية بعينها. والمخاطر في هذا الائتلاف الواسع تقع بالدرجة الاولى على الاشتراكيين الديمقراطيين، لأنهم بعد الحكم الائتلافي في المرة السابقة فقدوا ملامحهم الخاصة الى درجة انهم في انتخابات سنة 2009 سجلوا اسوأ نتيجة في تاريخهم. وكما في الحملة الانتخابية، كذلك بعد عقد صفقة الائتلاف، فإن موضوعات مثل السياسة الأوروبية والسياسة العالمية أرجعت الى الوراء ولم تعط الاهتمام الكافي من قبل وسائل الاعلام. ولكن كما يتوقع غالبية الخبراء والمحللون، فإن هذه السياسة لن تتبدل بحضور الشركاء الجدد لميركيل. والحكومة العتيدة سوف تبذل اقصى الجهود كي تضمن ان دافع الضرائب الالماني لن يتحمل عبء انقاذ البنوك المأزومة وانه لن توجد سندات أوروبية موحدة لجميع بلدان منطقة اليورو.

بوجود اربعة احزاب في البوندستاغ، فالمعارضة ممثلة باليسار (الشيوعيين السابقين من المانيا الديمقراطية السابقة) والخضر، الذين كانت ميركيل قد دعتهم للمحادثات، ولكنهم قرروا انه لا يوجد ما يكفي من الامور المشتركة مع المحافظين، كي يتباحثوا معهم حول امكانية المشاركة في الحكم. ومنذ اليوم الاول لتوقيع اتفاق الائتلاف وجه الخضر اولى انتقاداتهم حول النفقات، وتحديدا حول الـ 23 مليار يورو الاضافية، لاجل عدة مشاريع في التعليم، والبنية التحتية والابحاث. وبحسب رأيهم فإن هذا المبلغ هو نتيجة لمختلف "المناورات الخادعة".

وحسب رأي الجمعية الفيديرالية للصناعة الالمانية فإن الاتفاق غير موفق. وقال رئيس الجمعية اولريخ غريلو لـ شبيغل "ان اتفاق الائتلاف هو فرصة ضائعة لمستقبل الاقتصاد الالماني". وتابع "انه مؤشر للجمود، وليس للقيام باختراق، بل هو يهدد جاذبية المانيا كبلد صناعي".

ان النفقات الاضافية للحكومة الجديدة ستبلغ 23 مليار يورو اكثر حتى سنة 2017. ومنها ستذهب 5 مليارات للتعليم، و3 مليارات للابحاث والتنمية، و5 مليارات للمواصلات والبنية التحتية. ولن تكون هناك زيادات ضرائبية.

والانتصار الكبير الذي حققه الاشتراكيون الديمقراطيون هو انه بدءا من سنة 2015 فإن الحد الادنى لاجر ساعة العمل سيصبح 8.5 يورو. ولكن اعطيت الفرصة لارباب العمل ان يعقدوا مع النقابات اتفاقات عمل تكون فيها اجرة ساعة العمل اقل من ذلك. ولكن في سنة 2017 على ابعد تقدير ينبغي ان تصبح اجرة ساعة العمل الدنيا 8.5 يورو في كل مكان.
حكم ائتلافي بزعامة ميركيل في ألمانيا
ونص الاتفاق على ضوابط اكثر صرامة حول التشغيل الموقت. فالشركات يمكنها ان تستخدم "موظفين موقتين" ليس لاكثر من 18 شهرا، ولكن بعد 9 اشهر من تعيينهم فهم ينبغي ان يحصلوا على الاجر ذاته الذي يحصل عليه الموظفون الدائمون من نفس الوظيفة.

ويتوجب على الشركات العامة ان تطبق مبدأ الكوتا بنسبة 30% للنساء في المجالس الادارية للشركات، وذلك حتى سنة 2016 على ابعد تقدير.

وفي حقل التقاعد توصل المحافظون والاشتراكيون الديمقراطيون الى الاتفاق على ان يكون سن التقاعد 63، مع مدة خدمة 45 سنة، وهذا اقل بـ4 سنوات من سن 67 المعتمدة حاليا. وسيتم رفع المعاشات التقاعدية للامهات اللواتي ولدن ابناءهن قبل سنة 1992، وكذلك للمعاقين.

وفي الوقت الحاضر فإن اطفال اللاجئين المولودين في المانيا لهم الحق بالاحتفاظ بالجنسيتين: الالمانية والجنسية الوطنية للاهل. وذلك حتى عمر 23 سنة. حينذاك ينبغي للشاب او الفتاة التخلي عن احدى الجنسيتين. فاذا لم يفعل او تفعل ذلك سقطت عنه جنسية الاهل واحتفظ اوتوماتيكيا بالجنسية الالمانية. واللاجئون الآخرون في المانيا يمكنهم الحصول على الجنسية الالمانية بعد 8 سنوات من الاقامة في البلاد. ولكنه يتوجب عليهم حينذاك ان يتخلوا عن جنسيتهم الاخرى. ويستثنى من ذلك مواطنو الاتحاد الاوروبي، المراكشيون، السوريون، الايرانيون والجزائريون، فهؤلاء غير ملزمين بالتخلي عن جنسيتهم الاخرى. ويسقط ايضا الالزام بالتخلي عن الجنسية الثانية عن اطفال الاشخاص المولودين في المانيا الذين يمكنهم الاحتفاظ بالجنسيتين.

وفي حقل السياسة الخارجية رأت الاحزاب المؤتلفة ان الاتحاد الاوروبي يمكن ان لا ينجح في قبول تركيا "كعضو كامل" في الاتحاد، وان على انقرة ان تواصل "تطورها". ويرى الائتلاف ان الاتفاق الخاص بالتجارة الحرة مع اميركا هو "مشروع رئيسي" وينبغي انجازه. ولكن الاحزاب المؤتلفة أعلنت انها ستضمن المستهلكين، والمقاييس الاجتماعية والبيئوية والغذائية.

ويطالب الاتفاق الصين بأن تلعب دورا عالميا بناء في تناغم مع اهميتها الاقتصادية والسياسية.

وفيما يتعلق بأوروبا ينص الاتفاق على متابعة العمل لانشاء الاتحاد البنكي الاوروبي، وعلى تعزيز دور البنك المركزي الاوروبي في مواجهة الازمة الراهنة، وان دافعي الضرائب ينبغي ان يكونوا محميين من عمليات انقاذ البنوك المأزومة، ويستبعد الاتفاق اي شكل من اشكال اصدار سندات اوروبية موحدة.

ويطالب الاتفاق روسيا بتطبيق القواعد الديمقراطية على الطريقة الغربية، وبرفع القيود عن التأشيرات (الفيز) لرجال الاعمال، العلماء، الطلاب والشخصيات الاجتماعية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل
2013-12-02