ارشيف من :آراء وتحليلات
تصريحات سعودية انفعالية تعاكس واشنطن

منذ تعبير الرياض عن امتعاضها من السياسة الخارجية الأميركية الجديدة والقائمة على الاتجاه نحو تسويات سياسية بديلاً من التلويح بالقوة، والتي تم ترجمتها في الاتفاق الكيميائي مع سوريا ثم الاتفاق النووي مع ايران، ينهمك المحللون في محاولة فهم كيف ستترجم السعودية غضبها من الولايات المتحدة بخطوات عملية: هل تبتعد عن حليفها التاريخي الولايات المتحدة؟ هل تمد جسورا مع قوى دولية واقليمية فاعلة أو لديها قدرة على التأثير؟ أم أنها موجة غضب عابر لا بد منها للتعبير عن انزعاجها مما جرى، ثم تعود الامور الى مجاريها؟
اسئلة كثيرة طرحت ولا تزال حول كيفية تموضع المملكة السعودية في المشهد الدولي والاقليمي الجديد بعد ما يمكن تسميته رحلة العودة الأميركية الى العقل والاقرار بمحدودية القدرة على التصرف الآحادي في العالم بخلاف ما كان عليه الوضع في العقد الاول الذي تلا انهيار الاتحاد السوفياتي. وفي هذا السياق حاول مراسل وكالة "رويترز" انجوس مكدوال فحص الخيارات المتاحة امام المملكة بالاعتماد على مصادر قريبة من القيادة السعودية وعلى خبراء في سياسة المملكة لتفسير بعض التصريحات الانفعالية مثل التهديد بالابتعاد عن واشنطن واقامة علاقات استراتيجية مع قوى عالمية أخرى، وتبني موقف أكثر حزماً تجاه حلفاء ايران في العالم العربي مثل سوريا او التلويح بامتلاك قنبلة نووية "سعودية" لاقامة توازن مع القنبلة النووية الايرانية التي يبدو انها لم تعد موجودة سوى في اذهان بعض المسؤولين السعوديين كما الاسرائيليين.

امتعاض سعودي من واشنطن
صحيح ان كبار المسؤولين السعوديين غاضبون جداً من واشنطن، والسبب هو المحادثات الثنائية السريّة التي أجراها الاميركيون مع نظرائهم الإيرانيين على مدى أشهر للإعداد للاتفاق النووي المرحلي الذي أبرم الشهر الماضي بين طهران والقوى العالمية الست ـ كما يعتقد السعوديون ـ ما زاد مخاوف حكام دول الخليج من استعداد واشنطن للذهاب من وراء ظهورهم لابرام اتفاق مع ايران، لا سيما وان وزير الخارجية الاميركي جون كيري لم يف بتعهداته للقيادات السعودية باطلاعها على تطورات الحوار مع ايران أولا بأول، ثم فوجئوا بمحتوى الاتفاق بعد إبرامه من دون اطلاعهم عليه، لكن الخلاصة التي عاد بها مكدوال من جولته في الرياض انتهت الى الاستنتاج بـ"أن الخيارات القابلة للتنفيذ المتاحة للسعودية من أجل انتهاج سياسة خارجية اكثر استقلالية وصرامة محدودة".
فأولاً يصعب على دولة احتفظت بتحالف قوي مع الولايات المتحدة لعشرات السنين التفكير في قوى بديلة، كما ان تبنى روسيا موقفاً يتناقض تماماً مع موقف الرياض من الحرب السورية ومن البرنامج النووي الايراني يعقد مهمة التواصل مع قوى بديلة.
اما التفكير ببكين فدونه ايضاً عقبات أقلها أن "النفوذ العسكري الصيني لا يزال متواضعاً مقارنة بنفوذ الولايات المتحدة" كما قال مكدوال. وبحسب روبرت جوردان السفير الأمريكي السابق لدى الرياض فإن أي تحالفات سعودية مع قوى أخرى ستكون لها حدود، فلا توجد دولة في العالم قادرة على توفير الحماية لحقول السعوديين النفطية واقتصادهم اكثر من الولايات المتحدة، والسعوديون يدركون هذا، لذا لن نراهم يخرجون من فلكها كما قال.
كما ان مصادر دبلوماسية في الخليج ومحللين مطلعين على اتجاهات التفكير في المملكة يقولون إن المشكلة الرئيسية في تحويل هذه الأقوال الى أفعال تكمن في غياب بديل واضح للمظلة الأمنية التي توفرها الولايات المتحدة للخليج أو لدور الجيش الأمريكي في تقديم المشورة والتسليح والمساعدة للقوات المسلحة السعودية. ويقر السفير الاميركي جوردان بأن الاتصال بالروس والصينيين سيكون أكثر مما كان في الماضي، فالسعوديون قصدوا من قبل جهات أخرى للحصول على الأسلحة وسنشهد المزيد من هذا، لكن المناخ العام سيكون متمحورا حول امريكا.
وبحسب مستشار غربي لدول الخليج في مجال القضايا الجيوسياسية فإن كبار المسؤولين السعوديين بحثوا سبل تقليص اعتماد المملكة على الولايات المتحدة على المدى الطويل، وفرنسا أحد الخيارات حيث عملت الرياض مع باريس عن كثب في الأشهر القليلة الماضية في ملفي سوريا وايران وكافأت باريس بعقود كبيرة للقوات البحرية، لكن القوات المسلحة السعودية واقتصاد المملكة يرتبطان ارتباطا وثيقا بالولايات المتحدة بحيث إن اي محاولة جادة لفك الارتباط على المدى الطويل ستكون باهظة الثمن وصعبة باجماع من التقتهم "رويترز".
اما التلويح بامتلاك قنبلة نووية سعودية كما قال الأمير محمد بن نواف سفير السعودية في لندن لصحيفة "تايمز"، وأيضاً وزير الاستخبارات السابق تركي الفيصل، فان بعض المحللين السعوديين يؤكدون أن المملكة تعي جيداً ما ينطوي عليه السعي لامتلاك أسلحة نووية والذي يمكن ان يؤدي في النهاية الى تصوير الرياض على أنها اللاعب الشرير على الساحة الدولية، بدلاً من عدوتها اللدود في المنطقة طهران، كما أن الرياض ليس لديها استعداد لمواجهة نوعية العزلة التي واجهتها طهران.
ويرجح المحللون أن تكون تصريحات من هذه النوع تهدف لتحفيز القوى العالمية لتكون أشد صرامة مع ايران أكثر من كونها تعبيراً عن نية حقيقية. اما بالنسبة لامكانية تنفيذ هذا التهديد فان معلقين في وسائل الإعلام تكهنوا بأن من الممكن أن تحصل المملكة على قنبلة نووية من جارتها المسلحة نووياً باكستان أو من سوق الأسلحة، اما الاعتماد على نفسها فهذا امر آخر.
فالسعودية هي في المراحل الأولى من التخطيط لبرنامج للطاقة النووية وأي محاولة لتصنيع قنبلة سراً ستستغرق عقوداً على الأرجح لافتقار المملكة الحالي لأي تكنولوجيا أو خبرات أو مواد نووية. وحتى اذا حاولت السعودية اختصار العملية من خلال شراء نظام تسلح نووي جاهز من باكستان على سبيل المثال فإن عقد الصفقة في حد ذاته سيكون مليئاً بالصعوبات وستكون العقبات هائلة، ويخلص مارك هيبس كبير الباحثين في مؤسسة "كارنيغي" للسلام الدولي وخبير الانتشار النووي ان "هناك حاجة الى الكثير من البنية الأساسية حتى يكون للتهديد مصداقية ويصبح قابلاً للتنفيذ، وليس واضحاً لي أن السعودية ستتمكن من القيام بهذا سريعاً على الإطلاق. وبالنتيجة ستدفع السعودية ثمناً باهظاً من علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع دول أخرى اذا قامت بهذه المحاولة خاصة الولايات المتحدة. ويبدو الاقتصاد السعودي المعتمد على تصدير النفط واستيراد الكثير من السلع والخدمات من الخارج غير جاهز لتحمل هذه الضغوط.

القنبلة النووية الايرانية لم تعد موجودة غلا في اذهان الاسرائيليين
وهنا تنقل "رويترز" عن مصادر دبلوماسية ومحللين في الخليج قولهم إن المملكة - وعلى الرغم من انها لم تحسم أمرها بعد - لن تجازف باحداث خلل في علاقاتها مع حليفتها الرئيسية خارج العالم العربي، لكنها ستبحث بحذر عن رد دبلوماسي خالص على المفاتحة الإيرانية..
وبحسب مصادر دبلوماسية في الخليج فإن الرياض قلقة من أن يخفف الاتفاق الضغط على طهران ما يتيح لها مساحة اكبر للإضرار بالمصالح السعودية في مناطق أخرى من الشرق الأوسط، مثل لبنان والعراق والبحرين واليمن، فضلا عن سوريا حيث تدور رحى اعنف المعارك منذ اكثر من سنتين ونصف. لكن حتى في سوريا محل الخلاف الأكبر بين الرياض وواشنطن فإن المملكة تسلح بالفعل وتدرب بعض جماعات المعارضة المسلحة التي تنظر لها واشنطن بحذر خوفا من أن تسلح جهاديين. وتنقل "رويترز" عن مصادر دبلوماسية في الخليج قولها إن هذه الجهود ستتواصل وقد تتسع لكن التحديات اللوجيستية ستعوق أي محاولة سريعة لزيادة عدد مقاتلي المعارضة الذين تدربهم القوات الخاصة السعودية في الأردن عن العدد الحالي وهو نحو الف، حيث تشعر الرياض نفسها بالقلق من إسلاميين متشددين بعد أن قاست من حملة تفجيرات في السنوات العشر الماضية.
تحليل "رويترز" هذا يشكل عينة من عمليات التحليل الجارية التي تسعى لفهم سقف الخطاب السعودي التصعيدي والذي يبدو انه يتحرك بلا افق وبانفعالات ستلقي على قيادة المملكة اعباءاً مادية ومعنوية تقودها تباعا الى اعلى الشجرة بانتظار من يتبرع لانزالها عنها كما حصل مع الولايات المتحدة ازاء سوريا مؤخراً وكذلك تركيا التي تعتمد على ايران حالياً لاعادتها الى صوابها، ولعل جولة وزير الخارجية الايرانية محمد جواد ظريف وتصريحاته المطمئنة تشكل فرصة لقيادة المملكة للذهاب نحو طريقة تفكير وخطاب مختلفين.
اسئلة كثيرة طرحت ولا تزال حول كيفية تموضع المملكة السعودية في المشهد الدولي والاقليمي الجديد بعد ما يمكن تسميته رحلة العودة الأميركية الى العقل والاقرار بمحدودية القدرة على التصرف الآحادي في العالم بخلاف ما كان عليه الوضع في العقد الاول الذي تلا انهيار الاتحاد السوفياتي. وفي هذا السياق حاول مراسل وكالة "رويترز" انجوس مكدوال فحص الخيارات المتاحة امام المملكة بالاعتماد على مصادر قريبة من القيادة السعودية وعلى خبراء في سياسة المملكة لتفسير بعض التصريحات الانفعالية مثل التهديد بالابتعاد عن واشنطن واقامة علاقات استراتيجية مع قوى عالمية أخرى، وتبني موقف أكثر حزماً تجاه حلفاء ايران في العالم العربي مثل سوريا او التلويح بامتلاك قنبلة نووية "سعودية" لاقامة توازن مع القنبلة النووية الايرانية التي يبدو انها لم تعد موجودة سوى في اذهان بعض المسؤولين السعوديين كما الاسرائيليين.

امتعاض سعودي من واشنطن
فأولاً يصعب على دولة احتفظت بتحالف قوي مع الولايات المتحدة لعشرات السنين التفكير في قوى بديلة، كما ان تبنى روسيا موقفاً يتناقض تماماً مع موقف الرياض من الحرب السورية ومن البرنامج النووي الايراني يعقد مهمة التواصل مع قوى بديلة.
اما التفكير ببكين فدونه ايضاً عقبات أقلها أن "النفوذ العسكري الصيني لا يزال متواضعاً مقارنة بنفوذ الولايات المتحدة" كما قال مكدوال. وبحسب روبرت جوردان السفير الأمريكي السابق لدى الرياض فإن أي تحالفات سعودية مع قوى أخرى ستكون لها حدود، فلا توجد دولة في العالم قادرة على توفير الحماية لحقول السعوديين النفطية واقتصادهم اكثر من الولايات المتحدة، والسعوديون يدركون هذا، لذا لن نراهم يخرجون من فلكها كما قال.
وزير الخارجية الاميركي جون كيري لم يف بتعهداته للقيادات السعودية باطلاعها على تطورات الحوار مع ايران أولاً بأول |
وبحسب مستشار غربي لدول الخليج في مجال القضايا الجيوسياسية فإن كبار المسؤولين السعوديين بحثوا سبل تقليص اعتماد المملكة على الولايات المتحدة على المدى الطويل، وفرنسا أحد الخيارات حيث عملت الرياض مع باريس عن كثب في الأشهر القليلة الماضية في ملفي سوريا وايران وكافأت باريس بعقود كبيرة للقوات البحرية، لكن القوات المسلحة السعودية واقتصاد المملكة يرتبطان ارتباطا وثيقا بالولايات المتحدة بحيث إن اي محاولة جادة لفك الارتباط على المدى الطويل ستكون باهظة الثمن وصعبة باجماع من التقتهم "رويترز".
اما التلويح بامتلاك قنبلة نووية سعودية كما قال الأمير محمد بن نواف سفير السعودية في لندن لصحيفة "تايمز"، وأيضاً وزير الاستخبارات السابق تركي الفيصل، فان بعض المحللين السعوديين يؤكدون أن المملكة تعي جيداً ما ينطوي عليه السعي لامتلاك أسلحة نووية والذي يمكن ان يؤدي في النهاية الى تصوير الرياض على أنها اللاعب الشرير على الساحة الدولية، بدلاً من عدوتها اللدود في المنطقة طهران، كما أن الرياض ليس لديها استعداد لمواجهة نوعية العزلة التي واجهتها طهران.
المشكلة الرئيسة تكمن في غياب بديل واضح للمظلة الأمنية التي توفرها الولايات المتحدة للخليج او لدور الجيش الأمريكي في تقديم المشورة والتسليح والمساعدة للقوات المسلحة السعودية |
ويرجح المحللون أن تكون تصريحات من هذه النوع تهدف لتحفيز القوى العالمية لتكون أشد صرامة مع ايران أكثر من كونها تعبيراً عن نية حقيقية. اما بالنسبة لامكانية تنفيذ هذا التهديد فان معلقين في وسائل الإعلام تكهنوا بأن من الممكن أن تحصل المملكة على قنبلة نووية من جارتها المسلحة نووياً باكستان أو من سوق الأسلحة، اما الاعتماد على نفسها فهذا امر آخر.
فالسعودية هي في المراحل الأولى من التخطيط لبرنامج للطاقة النووية وأي محاولة لتصنيع قنبلة سراً ستستغرق عقوداً على الأرجح لافتقار المملكة الحالي لأي تكنولوجيا أو خبرات أو مواد نووية. وحتى اذا حاولت السعودية اختصار العملية من خلال شراء نظام تسلح نووي جاهز من باكستان على سبيل المثال فإن عقد الصفقة في حد ذاته سيكون مليئاً بالصعوبات وستكون العقبات هائلة، ويخلص مارك هيبس كبير الباحثين في مؤسسة "كارنيغي" للسلام الدولي وخبير الانتشار النووي ان "هناك حاجة الى الكثير من البنية الأساسية حتى يكون للتهديد مصداقية ويصبح قابلاً للتنفيذ، وليس واضحاً لي أن السعودية ستتمكن من القيام بهذا سريعاً على الإطلاق. وبالنتيجة ستدفع السعودية ثمناً باهظاً من علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع دول أخرى اذا قامت بهذه المحاولة خاصة الولايات المتحدة. ويبدو الاقتصاد السعودي المعتمد على تصدير النفط واستيراد الكثير من السلع والخدمات من الخارج غير جاهز لتحمل هذه الضغوط.

القنبلة النووية الايرانية لم تعد موجودة غلا في اذهان الاسرائيليين
وبحسب مصادر دبلوماسية في الخليج فإن الرياض قلقة من أن يخفف الاتفاق الضغط على طهران ما يتيح لها مساحة اكبر للإضرار بالمصالح السعودية في مناطق أخرى من الشرق الأوسط، مثل لبنان والعراق والبحرين واليمن، فضلا عن سوريا حيث تدور رحى اعنف المعارك منذ اكثر من سنتين ونصف. لكن حتى في سوريا محل الخلاف الأكبر بين الرياض وواشنطن فإن المملكة تسلح بالفعل وتدرب بعض جماعات المعارضة المسلحة التي تنظر لها واشنطن بحذر خوفا من أن تسلح جهاديين. وتنقل "رويترز" عن مصادر دبلوماسية في الخليج قولها إن هذه الجهود ستتواصل وقد تتسع لكن التحديات اللوجيستية ستعوق أي محاولة سريعة لزيادة عدد مقاتلي المعارضة الذين تدربهم القوات الخاصة السعودية في الأردن عن العدد الحالي وهو نحو الف، حيث تشعر الرياض نفسها بالقلق من إسلاميين متشددين بعد أن قاست من حملة تفجيرات في السنوات العشر الماضية.
تحليل "رويترز" هذا يشكل عينة من عمليات التحليل الجارية التي تسعى لفهم سقف الخطاب السعودي التصعيدي والذي يبدو انه يتحرك بلا افق وبانفعالات ستلقي على قيادة المملكة اعباءاً مادية ومعنوية تقودها تباعا الى اعلى الشجرة بانتظار من يتبرع لانزالها عنها كما حصل مع الولايات المتحدة ازاء سوريا مؤخراً وكذلك تركيا التي تعتمد على ايران حالياً لاعادتها الى صوابها، ولعل جولة وزير الخارجية الايرانية محمد جواد ظريف وتصريحاته المطمئنة تشكل فرصة لقيادة المملكة للذهاب نحو طريقة تفكير وخطاب مختلفين.