ارشيف من :نقاط على الحروف

أين هي موضوعية الـMTV؟

أين هي موضوعية الـMTV؟
تدرّس كليّات الإعلام مبادئ العمل الصّحفي، وتشدّد على هذه الأسس في سعيها لإعداد صحفيين محترفين. ويشكّل مبدأ "الموضوعيّة" أكثر هذه المبادئ جدلاً، فهو مبدأ "متنازع عليه"، وشائك التّعريف. أضف إلى ذلك أنّه بات شمّاعة، تخفي وراءها المؤسسات الإعلامية تحيّزها، واعتمادها منهجيّة النّظر بعينٍ واحدة. وفي لبنان، تختنق الموضوعيّة بجمود التّسمية الفارغة، في حين يستأثر التّحيّز بالحيّز الأكبر من مساحة التّعبير في وسائل الإعلام. وما هذا التّحقيق سوى محاولة لتقديم قراءة هادئة وموضوعيّة لما تقدّمه إحدى هذه المؤسسات، وهي قناة الـ MTV، "حاملة لواء الموضوعيّة".

بعد إعادة افتتاحها، انتهجت قناة الـ MTV أسلوب المزج اللّغوي في خطابها الإعلامي العامّ، أمّا خطابها السّياسي فتميّز بـما يمكن تسميته "الموضوعيّة الاستفزازيّة". موضوعيّة مدعاة تضاف اليها غربة لغوية لتشكل خلطة اعلامية غريبة . حول هذين العاملين كانت الأسئلة الموجّهة لأستاذ التّحرير الصّحفي في كليّة الإعلام، الدكتور أحمد زين الدين.

يؤكّد زين الدّين أنّه لا يعرف محفزات "المزيج اللّغوي" المستخدم في خطاب الـ MTV الإعلامي. ويضيف "لا يمكنني التّكهّن لماذا اختارت القناة تموضعاً يرتبط بهويةٍ ارتضتها لنفسها تميل إلى الصّورة الغربيّة". ويعتبر أنّ تفسير هذه الظّاهرة قد يكون بأنّ MTV تريد أنّ تقول للناس إنّ هويّتها المهنيّة غربيّة، و"هذه الهويّة أفعل لأنّ الغرب هو المنتج للفكر والتّقدّم والطاقات، وكأنّها تقول أنا أفضل من غيري عبر طرح هذا النّموذج المختلف".

الخطاب السّياسي لقناة MTV

يؤكّد د. أحمد زين الدّين على أنّ "كل القنوات في لبنان تلعب لعبة "راحة الضمير" فتركّز على جانب معيّن في السّياسة، وتطلّ قليلاً على الجانب الآخر، بمعنى أوضح إنّها تلعب "لعبة الغميضة مع الضمير" في الخطاب السّياسي العامّ الذّي تعتمده على قاعدة أنّها تمنح الجميع فرصةً للتعبير".

إذاً "يمكنك أن تلعب هذه اللعبة، ولكن لفترة محدودة" ينبّه د. زين الدّين. لماذا تستسهل المؤسسات الإعلاميّة لعبة التّحايل على الموضوعيّة؟ يجيب الدكتور زين الدّين بأننا "في دولة دور الجمهور فيها شبه مغيب، لأنّه واقعٌ تحت تأثير الاصطفاف الحادّ، والولاء الأعمى للمؤسسة المعبّرة عن خياره السّياسي، ولأنّ الإعلام يرتهن للتّمويل أكثر من خضوعه لحركة الجمهور".

"بموضوعيّة" نموذجاً

تعرض قناة الـ MTV أسبوعياً برنامج "بموضوعيّة"، ومدّته ساعة تقريباً. يتناول المستجدّات السياسيّة على طاولةٍ يدير الإعلامي وليد عبود فيها دفّة الحوار، فيما تتواجه الشخصيتان الضّيفتان إحداهما في مقابل الأخرى، وكأنّ المشاهد أمام حلبة صراع.

يغلب اللاّموقف على موقف مدير الحوار حينما يتعلّق الأمر بضيف من قوى "8 آذار"، ويترك الهواء للضيفين لـ"يتصارعا"، و"يتعاركا"، وكأنه لا مدير للحوار هنا، وكأنّ الغاية هي النّقاش لأجل النّقاش، فلا معلومات حقيقيّة تقدّم للمشاهد، ولا نوعيّة جيّدة تجذب المشاهد الواعي مهما كان انتماؤه.

مشهد العراك في حلقة النائبين فايز شكر ومصطفى علّوش
لا تتجاوز مدّة المشهد الدّقيقة والنّصف، بعد مرور نصف دقيقة منها، يحتدم الجدال بين الضّيفين، ويبدأ التّراشق الكلامي بينهما (من أنت؟ أنت كاذب، صبي مخابرات)، فيما مدير الحوار صامت. لم يتدخل الأستاذ عبّود إلاّ عبر مناداة الضّيفين باسميهما، بنبرة غير حازمة، ولم يعترض على الاتّهامات والتّسميات. ولدى تجاوز الوقت الدّقيقة والرّبع، عاد عبود للتّدخّل للمرة الثانية، عندما استحال الشّجار مهزلةّ حقيقيّة.
بعدها، بثّت القناة تقريراً عن الواقعة الشّهيرة تحت عنوان "شكر وعلّوش يدخلان لبنان الموسوعة العالميّة للإشكالات"، غاسلةً يديها من "الإشكال".
في التّقرير، اعتُبِرَ " الإشكال"سابقة، وكأنّه سكوب مميّز للقناة، وأضاف معدّه أنّ الموقف يعبّر عن "احتدام العلاقات" وكأنّ الحديث يدور عن قطبي النّظام العالمي الجديد. ثمّ انتقل التقرير لاستعراضٍ تاريخيّ لحوادث مماثلة، أُطلِق عليها مصطلح "حروب صغيرة". ومجرّد استخدام هذه المصطلحات يعبّر عن ذهنيّة القناة ونظرتها إلى علاقة اللّبنانيين فيما بينهم، فقد دخل هؤلاء في "مرحلة تعبيريّة جديدة". وبالنّسبة للتقرير الأزمة تتعلّق بالمحتوى السّياسي، وكأنّ الإعلام لا دور له في صناعة الرّأي وتكريس الاصطفاف السّياسي الحادّ في لبنان. وقد ختم المعدّ بـ "التخوّف من انتقال الصّراع إلى الشّارع" وكأنّ مهمّة الحلقة التّأسيس لهكذا صراعات.


مشهد العراك في حلقة الأستاذين أنطوان سعد وغسّان جواد

يمتد المشهد لفترة 7 دقائق ونصف، يخرج فيها الأستاذ أنطوان سعد عن سياق الموضوع لمصلحة قوى 14 آذار معتمداً على خطابٍ استفزازي، ونبرة متعالية وتصادميّة. يتفرّج مدير الحوار في هذه الأثناء بصمت وكأنّه سلّم دفّة الحوار لسعد، فيناقش الأخير القيم الاجتماعيّة بدلاً من الوقائع السياسيّة، ويستخدم عبارات كـ "إنتو"، "قوانينكن" بأسلوبٍ طائفيٍّ مقيت. بعدها يتنبّه الأستاذ عبّود إلى طائفيّة الخطاب، وبصوت منخفض، يحاول ضبط إيقاع الحوار.

بعدها ترتفع حدّة التهم، فيسمّي سعد "حزب الله" بـ "السّرطان الذّي يهدّد الكيان اللّبناني"، ويعتبره "وصاية يجب مقاومتها كم تمّت مقاومة إسرائيل"، وكأنّ هذا الحزب لا يمثّل أكثر من نصف اللّبنانيين باختلاف طوائفهم ومذاهبهم. لا يكتفي سعد بهذا القدر بل يصل الى حد هدر دم الحزب ومناصريه بطريقة "مودرن": مقاومة الوصاية... الحوار لم ينته بعد، فالأستاذ سعد سيبدأ بالتّحامل الشّخصي على الأستاذ جواد، متخطياً كلّ اللّياقات. ثمّ يتدخّل الأستاذ عبود.. آه! لحظة، الأستاذ عبّود لا يزال موجوداً؟! ..، فليأخذ المقدم وقته أكثر حتّى تحتدم "الحروب الصّغيرة" أكثر، قبل أنّ يوضح أنّ ما كان يديره ليس حواراً ...
أين هي موضوعية الـMTV؟

هل ذكر أحدكم نسبة المشاهدين؟ جذب المشاهدين الرّخيص؟ هل يشتمّ أحدكم رائحة scoope؟؟ هل قلتم صحافة صفراء؟؟ من قال صحافة صفراء؟! معاذ الله.. إنّها أزمة هويّة ربّما، أو أزمة خيارات سياسيّة ساقطة، أم أنّها ببساطة أزمة بورصة "السكوب"، وعائدات الإعلانات...
2013-12-05