ارشيف من :آراء وتحليلات
هل يكون العام 2014 عاماً صعباً؟

تعامل الكيان الإسرائيلي والنظام السعودي ـ بحسب توماس فريدمان ـ مع اتفاق جنيف النووي بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومجموعة الـ (5+1) بوصفه "زلزالا جغرافيا ـ سياسيا".
اعتبارات الكيان الصهيوني متعددة ومتنوعة، أبرزها:
أولاً: يقينه بان إيران لن تغير من نظرتها إليه ككيان لقيط غير شرعي وغاصب ومعقد وذلك لاعتبارات أيديولوجية وشرعية تشكل طبيعة نظامها الإسلامي.
ثانياً: خبرته التاريخية بأن النظام الإسلامي في إيران قامت سياسته الخارجية منذ اليوم الأول على مناهضة هذا الكيان العداء، هذه المناهضة التي تحتل الموقع المركزي في مقاربته لمجمل قضايا المنطقة، وفي طليعتها قضية الصراع العربي ـ الإسرائيلي عموماً، وقضية الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي التي تحتل موقع القلب من هذا الصراع.
ثالثاً: ترجمة إيران لقناعتها هذه عملياً من خلال السعي الجاد لبناء دولة قوية ومقتدرة، ومن خلال دعمها لحركات المقاومة في المنطقة وفي طليعتها المقاومتين الفلسطينية واللبنانية متمثلة بحزب الله، وكذلك توفيرها الدعم اللازم والضروري لدول الممانعة والتي تأتي في طليعتها سوريا.
رابعاً: نجاح إيران وحلفائها في ترجمة هذه السياسة عملياً ومن خلال تحقيق انتصارات استراتيجية: لبنان عام 2000 وفي عام 2006، غزة في عامي 2008 ـ 2009.
خامساً: نجاح إيران في بلورة محور مقاوم وممانع على امتداد المشرق العربي بدءاً من العراق ومروراً بسوريا ولبنان وصولاً إلى فلسطين.
سادساً: إدراك الكيان الإسرائيلي لمغزى تحول إيران إلى دولة نووية خصوصاً فيما يتصل بموازين القوى الإقليمية، وفيما يعني موقعها ودورها المتنامي في المنطقة. هذا الدور الذي يعني فيما يعنيه وضع حدود لمدى القدرة الإسرائيلية، وللمدى الحيوي لوظيفتها الكولونيالية في المنطقة، وهي الوظيفة التي تقع في صلب وجوده ككيان خادم للمشروع الكولونيالي الرأسمالي الغربي الذي تتربع على عرشه الولايات المتحدة.
مجموع هذه الاعتبارات دفعت هذا الكيان وحلفاءه الغربيين وأدواتهم في المنطقة إلى وضع هدف استراتيجي يتمثل ببذل كل ما يمكن لإسقاط النظام الإسلامي في إيران. وفي سبيل ذلك شنت حرب الخليج الأولى، ومن ثم مورست سياسة الاحتواء المزدوج، وصولاً إلى حربي أفغانستان والعراق.
وما فاقم من مأزق هذا الكيان هو نجاح المقاومة في لبنان عام 2000 في دفعه إلى الانسحاب بدون قيد أو شرط مجسدة في ذلك نجاح هذا الخيار كنموذج في مقابل إخفاق خيار ورهان التسوية ومن يقف وراءهما.
وفي عام 2006 جرت محاولة جديدة لإعادة التوازن إلى مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي عملت إدارة بوش الإبن على صياغته وفرضه على المنطقة، إلا أن إخفاق هذه الحرب، ونجاح المقاومة مرة أخرى، ونجاحها في فرض قيود شديدة على حدود القدرة الإسرائيلية، ومن ثم فشلها في محاصرة هذا الخيار في لبنان عبر أدواتها فيه، دفعها لتصيد فرصة موجة التغيير التي اجتاحت العالم العربي، لشن حروبها الشعواء في سوريا وعليها، وذلك بالتزامن مع استراتيجية الحصار والضغوط المتنوعة على إيران تحت عنوان الملف النووي، ومن خلال حرب أمنية في العراق، وأخرى مركبة ضد المقاومة في لبنان. باختصار لقد بتنا أمام معطى جديد يتمثل في حرب شاملة ومتداخلة على محور المقاومة والممانعة في المنطقة، وذلك لاستنزاف هذا المحور وإرباكه، وصولاً إلى عزل دوائره المركزية في سياق خطة إطباق شاملة.
لكن الذي حدث مرة أخرى أن السحر انقلب على الساحر، حيث حدثت مجموعة متغيرات قلبت الأمور رأساً على عقب، أبرزها:
أولاً: دخول الولايات المتحدة في وضع جديد مع أوباما فرضته الإخفاقات في العراق وأفغانستان، والأزمة الاقتصادية ـ المالية المتمادية. سمات هذا الوضع الجديد فرضت على إدارة أوباما إعادة النظر في سياسة سلفه، أبرز عناصرها الآتي:
أ ـ اتخاذ قرار بإقفال ملفات الحروب في المنطقة.
ب ـ الاستعاضة عن سياسة القوة الصلبة بسياسة القوة الناعمة.
ج ـ تغليب الخيارات الديبلوماسية.
د ـ العودة إلى سياسة المشاركة الدولية، من خلال تعويم دور مجلس الأمن الدولي.
هـ ـ إعادة النظر في الأولويات الاستراتيجية لمصلحة الاهتمام لمعالجة المأزق الاقتصادي. المالي، وأولوية التصدي للصين التي بدأت تشكل المنافس الأول للعالم الغربي.
ثانياً: فشل الرهان على الإسلام السياسي خصوصاً في مصر، والذي أدى بدوره إلى فشل خطة بناء كتلة إسلامية قاعدتها تركيا وذات قاعدة سنية عريضة في مقابل ما أطلق عليه تسوية الهلال الشيعي وقاعدته إيران.
في هذا السياق، فتحت معركة سوريا، والتي أريد لها أن تقلب المعطيات الجيوسياسية والاستراتيجية لحساب المشروع الغربي ومن ضمنه حلفاؤه في المنطقة وفي طليعتها الكيان الإسرائيلي.
إلا أن انكسار هذا الرهان معطوفاً على الواقع الأميركي الآنف، أدى إلى تسجيل مفاجأتين صاعقتين لكلٍّ من النظام السعودي والكيان الإسرائيلي: المفاجأة الأولى تمثلت بتراجع الولايات المتحدة عن خيار الحرب المباشرة في سوريا، والثانية تمثلت بالإصرار على إنجاز اتفاق ـ إطار مع إيران حول الملف النووي.
حشرت هاتان الصدمتان الكيان الإسرائيلي والنظام السعودي في مواجهة خيارات صعبة: فإما أن يركبا رأسيهما ويعملان على إفشال التوافق الدولي، وإما أن ينصاعا، مع ما يعنيه ذلك من قبول بكل نتائج التسوية الإيرانية.
إن كلاًّ من الكيان الإسرائيلي والنظام السعودي كان يجد في الصراع الدائر في سوريا فرصة استراتيجية للنيل من محور المقاومة عموماً، ومن إيران تحديداً وبما من شأنه أن يعيد التوازن إلى مواقعهما وأدوارهما. كما ان من شأن استدامة هذا الصراع أن يشكل نزيفاً إضافياً ضاغطاً إلى جانب النزف المترتب على العقوبات الاقتصادية. ومن هنا، رأى هؤلاء أن تنفيس هذه العقوبات في الوقت الذي يحقق محور المقاومة إنجازات استراتيجية داخل سوريا، سيؤدي إلى تعزيز موقع ودور إيران، وأكثر من ذلك بدا واضحاً للجميع أن الاتفاق النووي لن يكون إلا خطوة في مسار مفتوح على العديد من ملفات المنطقة، والتي ستؤدي حصيلتها إلى تكريس إيران كدولة إقليمية مركزية متفوقة، لا سيما إذا أخذنا بالاعتبار التراجع المريع في أوضاع وأدوار الدول العربية المركزية: مصر ـ العراق ـ سوريا، وحتى النظام السعودي. كما أن تركيا انتهت إلى واقع مزرٍ جراء إخفاق تطلعاتها الاستراتيجية في المنطقة.
وفي هذا السياق حاول النظام السعودي وبدعم إسرائيلي ظاهر أو خفي أن يشتري مزيداً من الوقت لقلب المعادلة في سوريا، وللدخول على خط الأوضاع في مصر، وذلك بهدف انتزاع كل منهما من مواقعهما الحالي لمصلحة المشروع السعودي في المنطقة. لقد شكل نظام مبارك نقطة ارتكاز عربية وخارجية للنظام السعودي، كما شكل النظام السوري عائقاً مهماً في وجه طموحاتها في المنطقة. ومن هنا، فإن استعادة مصر، وإسقاط النظام في سوريا، من شأنهما أن يوفرا للنظام السعودي خطين دفاعيين عن وجوده لا سيما في الوقت الذي يمر فيه بمرحلة انتقالية صعبة وخطرة وصعبة على الصعيد الداخلي.
ما تقدم، يوفر تفسيراً واضحاً للجنون السعودي، وللإرباك الإسرائيلي الخطير، خصوصاً وأن الوقت المتاح لإحداث التغيير المطلوب في سوريا ومصر لا يتجاوز الأشهر القليلة، خصوصاً إذا أخذنا بالاعتبار المواعيد المطروحة للعديد من الاستحقاقات الكبيرة في المنطقة والتي تجتمع كلها في العام المقبل بدءاً من جنيف ـ 2 السوري في 28 كانون الأول، والانتقال بالاتفاق المرحلي مع إيران إلى اتفاق دائم.
بناءً عليه، فإن العام المقبل خصوصاً النصف الأول منه، سيكون محفوفاً بالتحديات والأخطار والصعوبات، لأن حزب المتضررين لن يألو جهداً لقلب المعادلات والتوازنات، حتى لو كانت محاولاته دونكيشوتية.